الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رحيل محمد عبدالفتاح وأحزان بورسعيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اسم محمد عبدالفتاح ليس مشهورًا على الساحة السياسية والثقافية، ولكنه محفور فى وجدان وعقل أبناء خط القناة، يوم الجمعة الماضى رحل عبدالفتاح فى هدوء وصمت ذى دلالة، ربما تأكيدا على كونه المناضل العفيف، العاصف فى المواقف والمبتعد فى المغانم، رحيل هادئ يشبه الهدف الذى عاش له «وطن حر وشعب سعيد»، هذه هى المعادلة ببساطة، رحل عبدالفتاح بعد أن كسر الخمسين عامًا فى رحلة الشقاء والأمل والطموح، فى رحلته كان من الممكن له أن يكون ملء السمع والبصر فى عالم السياسة والثقافة، ولكنه وبشكل متعمد ومقصود اختار الهامش ليسكن فيه حيث أتاح له هذا الهامش حرية واسعة وهامة مرتفعة، الهامش أتاح له أن يقول كلمته كاملة غير منقوصة دون تأتأة أو هسهسة، بشكل متعمد ومقصود يبتعد محمد عبدالفتاح عن سطوة الأحزاب ولوائحها، بعيدًا عن صراعاتها التى هى فى أغلب الأحوال صراعات مصلحية بعيدة عن المبدأ. جاءت الصدفة بمحمد عبدالفتاح بداية ثمانينيات القرن الماضى من بورسعيد إلى الإسماعيلية جاء طالبا بكلية التربية جامعة قناة السويس، ليكتب له التاريخ دورًا مشهودًا حيث يساهم بجدية ونشاط فى التأسيس الثانى لحزب التجمع بالإسماعيلية التى كانت فى حينها منتجعا للرأسمالية، كانت مدينة الحيتان وملجأ السادات الآمن، مدينة الهمس التى لا صوت فيها يعلو على صوت الفاسدين، محمد عبدالفتاح ومعه رفيقه البورسعيدى أيضًا حمدى جمعة ومعهما عدد صغير من أبناء المدينة جاءوا كحجر صلد ليحرك البركة الراكدة، فى اجتماعات سرية بنادى المنتزه وأخرى علنية بنادى الأدباء، ويقوم التأسيس الثانى لحزب التجمع، وفى ذات الوقت وعلى خط مواز تعرف جامعة قناة السويس بالإسماعيلية مدرسة التظاهر اليسارى حيث محمد عبدالفتاح هناك رئيسًا لاتحاد طلبة كلية التربية وتكون مدرسة التظاهر الوليدة رئة جديدة لتدفع فى شرايين النضال كوادر وعضوية وتلامس الجماهير، مظاهرات ضد اغتيال الجندى المصرى سليمان خاطر ومظاهرات مع حياة وحيوية الوطن. يرحل محمد عبدالفتاح شابًا باسم الثغر حاد الموقف كشفرة موسوعى المعرفة، حتى إنه كان من القلائل القادرين على قراءة اتجاه إبرة البوصلة فى المواقف المرتبكة، يرحل محمد عبدالفتاح ليؤكد من جديد على قسوة المفرمة التى عاشها ومازال أبناء الثمانينات والتسعينات، الجيل الذى حوصر فى رزقه وطورد فى كل الطرق وقاوم بكل الأدوات المتاحة وعاش منتصبًا كالنخيل فى الصحراء، هذا الجيل الذى حتى هذه اللحظة لم يحصل على ما يستحق من تكريم باعتباره الجسر القوى الذى ربط النضال ما بين ضفتى أبناء الكعكة الحجرية جيل السبعينات وأبناء الفيس بوك، جيل ما بعد ٢٠١٠، محمد عبدالفتاح واحد من أبرز رموز هذا الجيل باقتدار ولعل أبلغ ما قرأته عنه حول قدرته على العمل فى خطين متوازيين وهما خط الاشتباك على الأرض وخط التثقيف والوعى كسلاح وحيد للمناضلين، أبلغ ما قرأته كان بقلم الكاتب الصحفى حمدى جمعة وهو يودعه على صفحته فيقول جمعة «لما كنا ننزل بورسعيد فى الإجازات كنا ننام على الأرصفة والبلاط، كنا نتشعلق على العواميد وعلى الحيطان بمحبة وإخلاص علشان نعلق ملصقات حزب التجمع «برنامجنا قتل الفقر برنامجهم قتل الفقراء» «الخبز والحرية لكل الشعب» «خذوا أجورنا وأعطونا الطعام»، ما كانش فى بالنا خوف من المخبرين اللى بيراقبوا خطواتنا ويحاولوا يخوفونا، مع كل ده كان محمد عبدالفتاح مهتم بالتأصيل النظرى لأفكار اليسار وإيجاد صلة حقيقية له مع تراثنا العربى الإسلامى ويقرأ لحسين وكريم مروة ومهدى عامل وفؤاد مرسى ومفكرين من المغرب العربي».
ويرحل محمد عبدالفتاح بعد أن انطلق كشهاب مضيء، يرحل قابضًا على جمرة، تاركًا لنا الحيرة والألم، نقول فى عجز ليرتاح ضميرنا، نم مطمئنًا يا «تاح» نعم كتبت اسمه «تاح» وليس خطأً مطبعيًا هكذا كان يناديه أصدقاؤه، نم مطمئنا، الطريق الطويل الذى مشيت عليه مازال عامرًا بالمشاة الحالمين والصادقين، رحيلك زاد يترافق مع عناد لمن عرفوك، رحيلك يجعل الإصرار على ضرورة بزوغ شمس العدالة الإجتماعية ليس اختيارًا، ولكنه أقل تكريم نمنحه لك، فامنحنا السماح والمغفرة لأننا قساة القلوب ومازلنا قادرين على الحياة.