الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا سبيل للحياة إلا بالعلم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم.. لم يُبن ملك على جهل وإقلال».. قالها أمير الشعراء أحمد شوقى فى إحدى قصائده وتركنا ورحل ونحن فى حيرة من أمرنا.. فرغم أن حديث الرجل بمثابة كتاب مفتوح وخارطة طريق لأى مجتمع يريد أن ينهض، فإننا وكالعادة نحتاج ليس فقط إلى فكرة أو مبدأ، لكن إلى وصف تفصيلى لأدق خطوات التنفيذ، لأننا ببساطة شديدة نتفنن فى تضييع كل نفيس.
فالأرجح أن الغرب المتقدم أخذ بناصية تنفيذ هذه النصيحة الغالية بكل حذافيرها، وفى المقابل صدر لنا كل ما يهدمها ويجهضها ويسير عكسها، فمنذ متى ونحن نتحدث عن تطوير المناهج، وفى النهاية المحصلة «صفر»، وكم مرة طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بثورة على المنظومة التعليمية المنعزلة عن ظروف واحتياجات المجتمع.. والنتيجة كأن الرئيس «يؤذن فى مالطا».
وليس أدل على ذلك من الواقعتين اللتين شهدهما المجتمع المصرى مؤخرا، حيث قام مخترع السيارة البرمائية الطائرة المعروفة بـ«الوحش المصرى»، الذى أثار ضجة كبرى خلال الأيام الماضية بعد تجربته بميدان التحرير، بحرق نموذج اختراعه وألقى به فى إحدى الترع بالقليوبية.. وقال أشرف البندارى، مخترع «الوحش المصرى»، إنه أحرق اختراعه وألقاه فى إحدى الترع، لعدم اهتمام الدولة به وعدم مساعدة أى مؤسسة له لتطبيقه، مؤكدا أنه بكى هو والفريق المشارك معه فى تصنيعه، حيث أقنعهم أن حرقه شرف وكرامة لهم، وأنه السبيل الوحيد لأن يستمع إليهم المسئولون.
وأعلن المخترع اليائس أنه كان سيحرقه فى ميدان عام، لكنه كان خائفا على المارة، فقرر حرق اختراعه بإحدى الترع لعدم اهتمام الدولة به وعدم مساعدة أى مؤسسة له على تطبيقه، وبالفعل قام بذلك، مضيفا: «إهمال الدولة وراء حرق الوحش المصرى»، مضيفا أنه «أشرف لنا أن نحرقه طالما لن يظهر للنور والسخرية التى أخذناها من المصريين صعبة جدا، وما فعلته يجب أن يسجل وأن يذكر فى التاريخ»، مشيرا إلى أنه ألقى باختراعه فى الترعة وقام بسكب البنزين عليه وأحرقه بالكامل وعلق عليه نفس اللافتة التى تحمل شعاره فى الحياة «لن أقول يكفينى شرف المحاولة بل أقول إن المحاولة أشرف من النجاح».
أما الواقعة الثانية فتتمثل فى حصول شاب مصرى اسمه مصطفى الصاوى، ١٧ عاما، أحد طلاب جامعة المنصورة، على الجنسية الإماراتية، وذلك بعد أن خاب أمله فى مسئولى البحث العلمى فى مصر.. فبعد أن مثل مصر فى مسابقة عالمية وحصل على جائزة أفضل باحث عربى على مستوى العالم، إلا أنه لم يجد أى اهتمام بمشروعه.
كان الصاوى قد اخترع سدا عربيا ذكيا لإنتاج أكبر طاقة كهربائية متجددة على مستوى العالم، عبر دمج ثلاث طاقات متجددة، مع بعض التعديلات الهندسية فى كل مصدر من الثلاثة، بحيث يكون الإنتاج هو ٣٣.١ جيجا فى الساعة الواحدة، وعملية تحلية للمياه بتكلفة ٢٠٪ فقط من التحلية الدولية، وتمت تجربته أكثر من ٢٧ مرة، إلى أن تم الوصول إلى التجربة النهائية التى تظهر فيها جميع النتائج بالإيجاب، ودرجة النجاح الكبرى، وحصل مصطفى على جائزة أفضل باحث عربى على مستوى العالم فى المسابقة.
وعقب ذلك مثل الطالب المخترع مصر وجامعة المنصورة فى بطولة العالم للمبدعين العرب بلندن بفكرة مشروعه، إلا أنه لم يلق أى اهتمام من الدولة المصرية، قائلا: «تبنت بعد ذلك دولة الإمارات مشروعى، مما جعلنى أشعر بالاهتمام والتقدير العلمى، ودعمونى كثيرا، وتم منحى الجنسية الإمارتية، وما زلت أحتفظ بجنسيتى المصرية».
هاتان الواقعتان تضعاننا أمام عدة حقائق مريرة حول تدنى مستوى الاهتمام بقيمة البحث العلمى فى مصر، رغم أنه أساس نهضة وارتقاء الأمم، فبدلاً من رعاية البحث العلمى والعقول المبتكرة، نتفنن فقط فى إهمالهم وإفشالهم ووضع كافة العراقيل فى طريقهم حتى إذا ما أتيحت لهم أى فرصة فى دولة أخرى تفتح ذراعيها لرعاية إبداعاتهم وابتكاراتهم فإنهم سرعان ما يرتمون فى أحضانها، والنتيجة الحتمية ظهور نماذج عالمية مثل أحمد زويل وفاروق الباز وغيرهما ممن أضافوا إلى البشرية بعلمهم.. ولنا أن نتخيل حالتهم لو استمروا فى مصر.
وهنا تبرز التساؤلات المنطقية: أين وزارة البحث العلمى من هاتين الواقعتين؟! وما هى المهام الموكلة لها غير رعاية المبتكرين وتقديم كل ما يلزم من بيئة مناسبة لإبداع العقول؟ وأين تذهب المخصصات المالية لها؟! هل تنفقها على الموظفين والمكاتب الفارهة فقط؟! وما قيمة وجود هذه الوزارة إذا تحولت إلى مجرد ديكور أو كمالة عدد؟!
فلا بد إن كنا نريد خيرا لهذا البلد الأمين أن نحطم كل صخور تعيق البحث العلمى.. فما أحوجنا إلى إعلاء قيمة العلم بالعمل لا بالشعارات فقط.. وإن أردنا خيرا لمصر فعلينا بترجمة كل أقوال الرئيس السيسى إلى أفعال حقيقية ونفسح المجال إلى العقول الشابة المستنيرة للمشاركة الإيجابية بدلاً من إقصائهم وتحويلهم إلى طاقة إيجابية، بعيدا عن ثالوث الفقر والإدمان والإرهاب.