الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

موسم التوجه إلى الجنوب لإنقاذ الصادرات المصرية

جنوب إفريقيا وتنزانيا ونيجيريا أسواق جديدة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشمال يخطف أبصارنا.. ننظر إلى الدول الباردة، نفكر في الأسواق الغنية، ونستهدف كمنتجين وصناع وتجار بلاد الضباب والمطر في أوروبا والولايات المتحدة.
تتنافس الشركات المُصدرة في مصر على تحسين منتجاتها والتوافق مع اشتراطات البيئة والسلامة المطلقة في دول الشمال طمعًا في أسواق نظن دائمًا أنها الأفضل والأعلى قدرة على امتصاص المزيد من الإنتاج المصرى. 
التوجه شمالًا هو أملنا وهدفنا وأماننا الاقتصادى كدولة تهتم بالتصدير، لكن ذلك ليس صحيحًا تمامًا، فقراءة سريعة ومتأنية في ذات الوقت لتقرير مؤسسة Ngage consulting، بشأن فرص التسويق المذهلة للمنتجات المصرية في أسواق (أفريقيا) تؤكد أن التوجه جنوبًا يفتح مغارة على بابا أمام المصدرين المصريين، وأن هناك أسواقًا في أفريقيا يمكن أن تستوعب أضعاف ما تستوعبه حاليًا، لكنها مهملة ومنسية. 
التقرير الأخير والذي سيقدم ضمن أبحاث مؤتمر عن التعاون المصرى الإفريقى يعقد بالقاهرة يوم ١٣ أكتوبر الحالى يشير إلى أن أفريقيا الحاضر تختلف تمامًا عن أفريقيا الماضى. السنوات الخمس الأخيرة شهدت نموًا كبيرًا لعدد من الاقتصادات في القارة السمراء التي تجاوز عدد مستهلكيها مليار نسمة وتجاوز الناتج الإجمالى لها ثلاثة تريليون دولار.
كما أن صادرات أفريقيا إلى العالم بلغت نحو ٦٠٠ مليار دولار، بينما بلغت الواردات نحو ٦٠٥ مليارات دولار. وتحتل القارة المرتبة الثانية في الأسواق الإقليمية من حيث عدد السكان والمستهلكين، فضلًا عن تميز جمهور المستهلكين لأن ٧٠٪ من السكان يقعون في الشريحة العمرية الأقل من ٢٥ سنة.
كذلك فإن النمو السريع للاقتصادات الأفريقية يفرض تدفقًا كبيرا لرءوس الأموال خاصة أن هناك عشر دول أفريقية تدخل ضمن قائمة أعلى ٦٤ دولة نموًا في العالم. 
والمتوقع أن يبلغ متوسط النمو في القارة السمراء نحو ٦.٢٪ خلال العام الحالى ٢٠١٥، وهو ما يؤهلها لجذب استثمارات إضافية كبيرة.
وكانت أفريقيا قد جذبت خلال عام ٢٠١٤ نحو ٥٥ مليار دولار من إجمالى استثمارات جديدة في الكرة الأرضية بلغت ١.٢٦ تريليون دولار. 
وطبقًا للتقرير فإن مصر تلعب بحكم التاريخ دورًا محوريًا في القارة السمراء منذ عهد التحرر وهو ما يمكنها من استغلال ذلك كاقتصاد حاكم ومسيطر على نصف القارة الشرقى. 
وأهم دلالات ذلك أن صادرات مصر إلى أفريقيا تبلغ نحو ٣.٨ مليار دولار وهو ما يمثل ١٤٪ من إجمالى الصادرات المصرية، بينما تبلغ قيمة واردات مصر من أفريقيا نحو ١.٢ مليار دولار وهو ما يمثل ١.٧٪ فقط من إجمالى وارداتها. 
وتشير بيانات الصادرات المصرية إلى الأسواق الأفريقية خلال عام ٢٠١٤ إلى أن أكبر سوق تستقبل سلعًا مصرية داخل القارة هي السوق الليبية، التي تستحوذ وحدها على ٣٠٪ من إجمالى الصادرات المصرية إلى أفريقيا، تليها السوق الجزائرية بنسبة ١٧٪، ثم في المرتبة الثالثة تأتى المغرب بنسبة ١٥٪، تليها السودان بنسبة ١٢٪ ثم كينيا ٧٪ وتونس بنسبة ٧٪ ثم جنوب أفريقيا بنسبة ٤٪ ثُم نيجيريا، وإثيوبيا وغانا. 
ويؤكد تقرير المؤسسة الاستشارية أن هناك شركات كبرى يمكن أن تلعب دورًا في مد جسور أكبر مع دول القارة منها شركة المقاولون العرب التي تنفذ مشروعات متنوعة في عدة دول أفريقية، ومجموعة «السويدى» للكابلات التي لديها تواجد واستثمارات في دول أوغندا وكينيا وإثيوبيا، فضلا عن مجموعة «القلعة». ويرى التقرير أن هيئة المواصفات والجودة يمكن أن تلعب دورًا مماثلًا من خلال توقيع اتفاقات مطابقة للمواصفات مع الدول الأفريقية المختلفة بهدف توحيد المقاييس والمعايير الحاكمة لجودة السلع. 
صعوبات تعرقل اقتحام أفريقيا
التقرير يكشف بشكل واضح أن أهم وأول المعوقات التي تواجه المصدرين إلى مختلف أسواق القارة صعوبة النقل والشحن. الغريب أن الطرق البرية بين بلدان القارة مُنقطعة، وأن خطوط السكك الحديد فقيرة وبائسة. كذلك فإن خدمات النقل البحرى باهظة التكاليف بصورة مبالغة حتى إنها أعلى كثيرًا من التصدير إلى دول أوربا. فضلًا عن إهدار الوقت بشكل كبير، حتى إن متوسط النقل عبر الخطوط العاملة يصل إلى نحو ٢٨ يومًا. 
كما أن معظم الأسواق الأفريقية ما زالت واقعة تحت سيطرة الدول الاستعمارية التي كانت تحتلها، فضلًا عن عدم اهتمام رجال الأعمال المصريين بالمشاركة في المعارض والمؤتمرات الترويجية المختلفة. إضافة إلى عدم ضمان المصدرين لمستحقاتهم في ظل غياب البنوك المصرية عن المشاركة في تمويل الصادرات المصرية. 
الروشتة ممكنة وتتطلب علاقات قوية واستهدافًا محددًا لبعض الأسواق من جانب رجال الأعمال، فضلًا عن دور مساعد للحكومة. ولا شك أن هناك خطوات تم اتخاذها بالفعل ربما أهمها ما يخص الشحن والنقل حيث تم عمل اتفاق بين عدد من الدول الأفريقية على رأسها مصر لإنشاء أطول طريق برى مباشر عرفته القارة في تاريخها وهو طريق «سى تو سى» أي من القاهرة إلى كيب تاون. وهذا الطريق الذي يفترض تنفيذه عام ٢٠٢٢ يغير خريطة التجارة الإقليمية بالكامل لأنه سيصبح حلقة وصل مباشرة وسريعة بين جنوب وشمال القارة. 
والاهتمام من جانب الدولة المصرية لا يجب أن ينحصر فيما يخص الطرق والاتفاقات السياسية، خاصة أن دول حوض النيل يمكن تحويلها إلى أكبر منطقة استثمار زراعى في العالم من خلال زراعة ملايين الأفدنة بالسلع والمنتجات التي تمثل فجوة غذائية. ويتطلب الأمر كذلك علاقات ثنائية قوية تربط بين مصر وبعض الدول التي في مقدمتها دولة جنوب أفريقيا التي ذكر التقرير أنها ثانى أكبر اقتصاد في أفريقيا بناتج إجمالى قدر بـ٣٥٠ مليار دولار، وهى سوق ضخمة وسريعة وتتميز بقدرة شرائية عالية تؤكدها أن صادرات مصر إليها وصلت إلى نحو مليار دولار عام ٢٠١١ قبل أن تهبط مرة أخرى إلى ١٤٥ مليون دولار فقط عام ٢٠١٤. 
أما ثانية الدول التي تمثل سوقا واعدة للسلع المصرية فهى دولة تنزانيا والتي شهدت في السنوات الخمس الأخيرة نموا واضحا أدى إلى زيادة الناتج الإجمالى لها إلى ٥٠ مليار دولار، فضلا عن ارتفاع معدل الادخار لديها إلى ٢١٪ رغم أنها دولة ما زالت تعتمد اعتمادًا كليًا على الزراعة التي يعمل بها ٨٩٪ من السكان. ومع تحقيق معدلات النمو العالية فقد ارتفعت قدرات المواطنين الشرائية بشكل كبير وبدأت تنزانيا مرحلة تنمية واسعة تستلزم تزويدها بمعدات رى وزراعة متطورة فضلًا عن محطات كهرباء. 
ثالثة الدول التي يوصى التقرير بالاستفادة من فرص نموها هي نيجيريا والتي تعد أكبر اقتصاد في القارة السمراء حاليا بناتج إجمالى يبلغ ٥٨٠ مليار دولار وسوقا استهلاكية كبيرة تصل إلى ١٨٠ مليون نسمة. وتعد نيجيريا من أهم الدول النفطية في أفريقيا وهو ما يؤهلها للعب دور كبير في مرحلة التنمية المقبلة ويوفر للشركات المصرية الكبرى فرصًا جيدة للتصدير. 
السوق الرابعة للسلع المصرية هي السودان وهى دولة تتمتع بعلاقة قوية مع مصر لكن كان من الغريب أن الصادرات المصرية إلى هذه السوق انهارت من ٥٤٥ مليون دولار عام ٢٠١٢ إلى ١٨٥ مليون دولار في العام الماضى، وهو ما يتطلب دراسة واضحة من جانب الحكومة المصرية لاستعادة هذه السوق الواعدة.