الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الزواج القيروانى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتداول الكثيرون هذه الأيام مصطلح "الزواج القيروانى". يتحدث حوله البعض على استحياء في خوف من أن يكون قد تجاوز حدود الدين، وآخرون يعتقدون أنه مخالف للأعراف. الصداق القيروانى يقف كحائط صد ضد تعدد الزوجات. لا تحتفى بعض المجتمعات العربية بتعدد الزوجات، إذ إنها تنتمى لحضارات اعتنقت مبدأ توحيد الزوجة كأصل مفضل، كالحضارة الفرعونية، وبعض حضارات شمال أفريقيا. فهم لا يعلنون وجود هذه الظاهرة بصوت عال عادةً، بل إنهم يبحثون عن عذر لحدوثها حين يأتى ذكرها، فهى أمر مبرر لديهم بالضرورة في المقام الأول، وذلك حسب خبراتى الشخصية وأسفارى المتعددة.
دعونا نعرف أولًا ما هو الصداق القيروانى؟ شاع في العصر الإسلامى في مدينة القيروان طريقة لإتمام الزواج سُميت بالصداق القيروانى، تختلف هذه الطريقة عما سواها بأن العقد يتضمن الشروط التى يتفق عليها الزوجان لإتمام عقد الزواج، ويتضمن ضمنها جملة هى "طاع الزوج المذكور لزوجه المذكورة بالجعل التحريمى على عادة نساء القيروان" وقد سمى هذا الشرط بـ "الجعل التحريمى" ومعناه أن مخالفة هذا الشرط ينتج عنه بطلان الزواج وتحريم العلاقة الزوجية. وتغيرت صياغة هذا النص، فكتبه البعض بصيغة: "طاع الزوج المذكور لزوجه المذكورة تضمنا لمسرتها واستجلابا لمودتها ألا يتزوج عليها، ولا يتسرى ولا يتّخذ أم ولد… فإن فعل ذلك أو شيئا منه بغير إذنها ودون رضاها فهى طالق وأشهد على نفسه بذلك". وتؤدى كل الصياغات لذات المعنى وهو: أن الزوجة تملك حق تطليق نفسها إذا تزوج عليها الزوج بشكل تلقائى. 
كانت أروى القيروانية هى أول امرأة تتزوج بصداق قيروانى وهى فتاة جميلة ذكية فطنة والدها منصور الحميرة من أغنياء اليمن حمله العمل بالتجارة للإقامة في القيروان. سلبت لب أبو جعفر المنصور وهام بها حبًا حين آواه أبوها في بيته أثناء رحلة هربه من الأمويين. طلبها للزواج فاشترط أبوها عليه ألا يتزوج عليها ولا يتخذ نساء للتسرى بأى طريق وإلا يكون طلاقها بيدها. ووافق المنصور. وبعد أن أصبح أبو جعفر خليفة وصار بمقدوره أن يتسرّى بما شاء من الجوارى أراد أن يتحلّل من عقده، فكتب إلى الفقهاء في الحجاز والعراق يستفتيهم في الزواج والتسرّى ولكن لم يفتوا للمنصور بما كان يرغب به. فدعا أبا حنيفة وقال له: "كم ﯾحلّ للرجل الحرّ من النساء؟" فقال: "أربع". فقال الخليفة لأروى: "اسمعى ﯾا حرّة". فقال أبوحنيفة: "ﯾا أمير المؤمنين: ﻻ ﯾحلّ لك إﻻ واحدة" فقال الخليفة:"اﻵن قلتَ أربع؟" فقال: "ﯾا أمير االمؤمنين، قال اﷲ تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مَثنى وثلاث ورُباع، فإن خفتم أﻻّ تعدلوا فواحدة»، فلمّا سمعتك تقول: "اسمعى ﯾا حرة" عرفت أنك ﻻ تعدل، فلذا قلتُ ﻻ ﯾحلّ لك إﻻّ واحدة". وقد أنجبت أروى للمنصور ابنه محمد الذى تولّى الخلافة بعده بلقب المهدي. وظلّ المنصور وفيّا لها طيلة حياتها. 
ليس هناك ما يمنع المرأة في الإسلام من أن تحصل على الطلاق إذا تزوج زوجها بثانية، ولنا في ذلك أسوة إذ رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج على على فاطمة الزهراء. ولكن يرى معظم الفقهاء أن الصداق القيروانى حلال لأنه لا يحرم حلالًا. اذ من حق المرأة أن ترفض تعدد الزوجات فتحصل على الطلاق، وهى لا تمنع زوجها من الزواج كما شاء أبدًا. فمن حقه أن يتزوج ما شاء طالما هى ليست من ضمن هؤلاء الزوجات. ولا شك أن هذا الصداق تحتاجه نساء كثيرات حتى يومنا هذا.