رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

التيار الشعبي.. وهجرة الأقباط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تتناقل وسائل الإعلام المختلفة أخبارًا وأرقامًا وإحصائياتٍ مختلفة حول هجرة الأقباط بعد ثورة 25 يناير، وللأسف يستخدم البعض هذه الظاهرة كجزء من أدوات الصراع السياسي مع الحكم الإخواني.. والبعض الآخر من الأقباط أنفسهم يشارك، بوعي أو بدون وعي، في التهجير الطوعي للأقباط.
هذه “,”اللعبة القذرة“,”، التي يُستخدم فيها رجال أعمال ووكلاء هجرة ومنظمات حقوقية وصحفيون يعملون في خدمة هؤلاء الوكلاء.. حذرتُ منها، وما زلت.. وهي عملية تجريف للأمة المصرية بعد أن تفككت مقومات الدولة، والذين يحبذونها ويستفيدون منها أشبه بعملاء الوكالة اليهودية في خمسينيات القرن الماضي، الذين ساهموا في تجريف الأمة المصرية من اليهود المصريين لخدمة دولة إسرائيل.
في العام 1994 كنت منسقًا لمؤتمر الأقليات الذي تنبأ بكل هذه الظواهر.. وكالعادة النخب المصرية عامة، والقبطية خاصة، لا يرون إلا تحت أقدامهم..!!
النخب المصرية، منذ تقرير العطيفي 1972 وحتى الآن، لا ينظرون إلى القضية القبطية إلا من منظور طائفي، وليس من منظور وطني.. مجرد بناء كنائس وتعيينات في الوظائف... الخ.
والنخب القبطية يرسخون تلك الرؤية القاصرة، ويضيفون إليها بعض المظالم، مثل أسلمة القاصرات وغيرها.
في أحسن الأحوال يتحدث البعض عن التعليم والإعلام والثقافة.. دون إدراك حقيقي بأن ثورة 1919 العظيمة تحدثت عن “,”عنصري الأمة“,”، في دلالة مبكرة على وعي وطني قومي “,”أنثروبولوجي“,”، يتجاوز حدود الطائفية إلى آفاق بناء الأمة العصرية في دولة القانون.
وبلغت عوامل الاندماج القومي مداها في نماذج مثل مكرم عبيد وسينوت حنا وويصا واصف وغيرهم.. كيف كان ينجح هؤلاء بأصوات الوفديين، ولا أقول بأصوات المسلمين؟!
ثورة 25 يناير في الـ18 يومًا الأولى لها كادت أن تعيد إنتاج ما تبقى، ولو رمزيًّا، من تلك الظاهرة. ولعل ذلك ما دفع الإسلاميين لخنق هذا الوليد مبكرًا؛ ولذلك اشتد ضربها للأقباط بهدف مزدوج: الأول هو خلق حالة من الذعر في الأوساط القبطية بالعنف المباشر (حرق واعتداء على 23 كنيسة، قتل 50 قبطيًّا في أحداث ماسبيرو، إمبابة، منشية ناصر، أبو قرقاص، وجرح 511 في تلك الحوادث) ولم يُقدَّم أحد للمحاكمة!! بل هناك شكوك حول تورط أفراد من الجيش في مذبحة ماسبيرو.
والثاني تجسد في التهجير القسري، والذي شمل أكثر من 100 أسرة ما بين أسيوط والعامرية ودهشور وسيناء.
والأخطر كان العقاب الجماعي على الهوية! جنبًا إلى جنب مع استباحة مقدسات الأقباط، وحرق الإنجيل، وفتاوى ازدراء المسيحية؛ الأمر الذي خلق حالة من الفزع وسط الأقباط. قام باستغلال هذه الحالة مخابرات دول، عن طريق عملاء مباشرين ومستفيدين صغار، تمت الإشارة اليهم.
ووصل الأمر إلى أن إحدى الكنائس الكبرى بالإسكندرية عقدت ندوة بالكنيسة لتسهيل الهجرة..!! والآن يستغل البعض زيارات الحجيج القبطي للقدس لتهريب الأقباط لإسرائيل، ويمتد مسلسل استخدام آلام البشر والاتجار بها إلى حد إنشاء شركات متخصصة في تهجير الأقباط إلى جورجيا وإسرائيل!! ويستغل هؤلاء العامل الديني والمذهبي في صناعة “,”لاهوت للهجرة“,”، مثل أن جورجيا “,”أرثوذكسية“,”، أو أن المسيح هاجر..!!
وبالطبع لا يعلم هؤلاء شيئًا عن الأساس الاجتماعي والعرقي للصراعات المذهبية في منطقة القوقاز، ومدى إمكانية نشوب مثل هذه الصراعات مع مئات الآلاف من المهاجرين الأقباط، خاصة أن عوامل التمايز “,”المذهبي الأرثوذكسي“,” ليست قيمة مضافة كما يظن البسطاء وتجار الهجرة، وإلا لماذا حدثت أكثر من عشر مذابح بين الروس والجورجيين “,”القوقاز“,”، رغم أنهما أرثوذكس، بل وروم أرثوذكس، على عكس المسيحيين المصريين الأقباط الأرثوذكس (الخلاف بين المذهبين كبير، ومن يريد أن يطلّق في مصر يغير مذهبه من أقباط أرثوذكس إلى روم أرثوذكس)؟
كذلك معدلات الفقر في جورجيا 45%، وهناك ارتفاع في معدلات الجريمة غير مسبوق، وفق تقارير مجلس الوزراء الجورجي 2011؛ الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى الاحتكاك بالمهاجرين الجدد، ناهيك عن حالات السمسرة والاحتكار التي تتحكم فيها المافيا الجورجية، والصراع الدائر بين تلك المافيا والمافيا الروسية، والتي قد تؤدي إلى وقوع ضحايا أقباط، خاصة من سكان المنطقة الشمالية من العاصمة “,”تبليسي“,” الواقعة تحت نفوذ الأقلية الروسية.
إضافة إلى أن الطاقة الاستيعابية لجورجيا لا تتحمل أكثر من 50 ألف مهاجر، ووفق التقارير الرسمية للحكومة كان سيتم استيعاب المهاجرين في ثلاث سنوات، ففوجئت الحكومة بوصول هذا العدد من الأقباط في ثمانية شهور!! مما جعل كل خمسة مهاجرين يتقاسمون المساحة المخصصة لفرد.
إضافة إلى اشتراك بعض الأقباط الأثرياء بالعمل مع المافيا في تسهيل السوق السوداء في السكن، ولم يفكر أحد في أن المهاجر لجورجيا يحتاج لخمسين ألف دولار لشراء قطعة أرض أو تأسيس شركة أو شراء منزل، إضافة إلى إلزامه بتشغيل مواطن جورجي.
السؤال: هل من يملك الخمسين ألف دولار يعاني في مصر؟ ولماذا لم يتجه إلى الولايات المتحدة أو كندا أو أستراليا؟ وعلاقة ذلك بتجريف الثروة القبطية (55% من الثروة القبطية في الطبقة الوسطي)، وأثر ذلك على اهتزاز المكانة القبطية خلال سنوات قليلة؛ الأمر الذي سوف يؤدي لمزيد من اضطهاد الأغلبية الساحقة من فقراء الأقباط، والذين يشكلون في أقل تقدير 70%، وهؤلاء لن يستطيعوا الهجرة.. إضافة إلى “,”الأسلمة الثقافية“,” التي سوف يخضعون لها.
الأخطر من ذلك هو ما تردده بعض المواقع والوكالات عن محاولات بعض الأقباط الهجرة لإسرائيل، والحقيقة أن هناك مواطنين مصريين، مسلمين وأقباطًا، قد تزوجوا من بنات من عرب 1948 منذ عشرين عامًا، وكوّن هؤلاء أُسَرًا (97 أسرة)، وشرعوا بعد “,”الهوجة“,” الأخيرة في استدعاء ذويهم وأصدقائهم، ومن ضمن هؤلاء أقباط.
وسبق لي أن نشرت موضوعات وأبحاثًا في ذلك الأمر، ولكن الخطر أن تصل يد وكلاء الهجرة إلى تلك المنطقة المحظورة، وتربط بعض الأصوات الديماجوجية بين الأقباط وبين إسرائيل وزيارة بعضهم للأراضي المقدسة.
رحم الله قداسة البابا شنودة الثالث، الذي كان يسد هذه الثغرة بحكمته وأفقه الروحي والسياسي.
وأخيرًا.. هل يمكن أن تتكون لجنة تحضيرية من التيار الشعبي (لأنه معني بوحدة الأمة أكثر من غيره) لدراسة هذه الظاهرة المدمرة، والتي سوف تساهم في تفكك الأمة، قبل فولت الأوان؟