الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"أحلام يونس".. والإدارة بالحب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تولت الدكتورة أحلام يونس رئاسة أكاديمية الفنون، توقع البعض ألا تنجح فى تلك المهمة الشاقة.. فالأكاديمية صرح ثقافى فنى ليس له مثيل على مستوى العالم، حيث تحتوى على ثمانية معاهد تمثل الفنون المختلفة.. ما جعلهم يتساءلون ماذا ستفعل مع من تترأسهم من مثقفين متنوعى الفكر والتوجه، مختلفى الأهداف والطموحات ؟!.. كان هذا السؤال يدور فى الأذهان، لأن الدكتورة أحلام عصفورة رقيقة حالمة وحانية كونها ابنة معهد الباليه.. لم أكن ـ وغيرى الكثيرون ـ نعرفها عن قرب رغم أننا تحت سقف الأكاديمية ولا تخلو أرضها من خطواتنا يومًا إلا فيما ندر، ولكن لمن لا يعرف طبيعة أكاديمية الفنون فهى كخلية نحل، الكل ينشغل بالتدريب والعمل، فلا وقت للثرثرة، أو تعميق العلاقات بين الزملاء.. ولكن هذا المكان وعلى مر الأعوام السابقة كان يمتلئ بالصراعات سواء بالغيرة التى تصيب بعض الأساتذة من الطلاب الموهوبين والمتفوقين، والذين ينخرطون فى الحياة الفنية لينافسوا أساتذتهم، وأحيانًا يسحبون البساط من تحت أقدامهم حتى قبل أن ينهوا مراحلهم التعليمية، أو الصراعات بين الكبار وبعضهم، ربما حبًا فى تقلد المناصب.. ووسط هذا تأتى على قمة الأكاديمية الدكتورة الرقيقة التى تربت فيها منذ طفولتها المبكرة، حيث التحقت بالأكاديمية فى السابعة من عمرها، لتكون أول رئيسة للأكاديمية ممن ولدوا وتربوا فيها، ما انعكس على حبها للمكان.. ورغم حصولى على التفرغ منذ شهور إلا أننى أراقب إدارة الدكتورة أحلام عن بعد، ويومًا بعد يوم يقل إشفاقى عليها ويزيد احترامى لها.. فقد أدارت الأكاديمية بأسلوب جديد لم نعهده من قبل وهو الإدارة بالحب.. نعم.. أعنيها جيدًا «الإدارة بالحب» فهى تفتح مكتبها للجميع من أطفال الأكاديمية وحتى أكبر أساتذتها بلا تفرقة.. تنصت جيدًا لمحدثيها ولا تقاطع، وعينها جاذبة لاستمرار الحديث، تبعث الطمأنينة فيمن يحادثها، وتساعدها طبيعة وجهها البشوشة المضيافة المملوءة بالتفاؤل، وخطواتها الرشيقة النشيطة التى توحى بالعمل وتوقظ الكسالى من غفوتهم.. لا ترفض طلبًا لأحد فيه مصلحة له، ولكن بحنكتها فى الإدارة التى لا أعرف هل من دورات تدريبية حصلت عليها، أم بخبراتها فى معهد الباليه، أم بفطرتها السليمة عرفت الطريق القويم لاتخاذ القرار، وهو الرجوع إلى المستشار القانونى حتى لا تخطئ فى اتخاذ قرار.. ولا تملى عليه رأيها أو إرادتها، أو تحثه على البحث فى ثغرات القانون لكى يحقق أهواءها، ولكنها تترك له دراسة الأمر قانونيًا وتتعامل بكل حيادية، ودائمًا تكون مع مصلحة الدارسين طالما لا يخالف القانون.. وهذا ما أنادى به فى كتاباتى أنا وغيرى من تفعيل الدور القانونى فى المصالح والمؤسسات.. حتى لا تتحكم الأهواء الشخصية فى مصائر البشر، فكل من يرجع الأمور إلى القانون فهو حامل لشعلة العدل، طالما لا يحاول استخدامها فى إحراق من حوله، من خلال القوانين واللوائح طبقًا لرغباته، ظنًا أنه سيفرغ الدنيا من الكفاءات لتخلو له وحده!! وهو ما أحيى عليه الدكتورة أحلام، فجمال شكلها الخارجى انعكس على روحها وقلبها الذى لا تحمل فيه أى حقد أو ضغينة، بل تسعى لنجاح الجميع بكل طاقتها، وتشجع وتدعم كل من تشعر بطاقته ورغبته فى العمل والنجاح.. كما أسعدنى دأبها فى النهوض بالأكاديمية ليس لتعود لما كانت عليه، ولكن لما أنشئت من أجله.. فقد أعادت الروح إلى الأكاديمية وبدأت الأنشطة والملتقيات والحفلات، وعاد تكدس السيارات ليلًا حول قاعة سيد درويش، وهو ما يعنى أن هناك حفلًا قائمًا.. وكنا قد افتقدنا تلك الصورة لسنوات طويلة.. كما تعاونت مع د. مصطفى جرانة عميد الكونسرفتوار فى إعادة الحياة إلى أوركسترا الكونسرفتوار، والذى تعلمنا خلاله وطوفنا به العالم، وكنت أحزن بشدة على غيابه، ليعود بصورة رائعة هو وكل فرق الكونسرفتوار فى حفل رائع وكبير حرصت رئيسة الأكاديمية على حضوره حتى نهايته لتشجيع الطلاب، وتقبيلهم بأمومة وحميمية، وهو ما لم يحدث من أى رئيس أكاديمية طوال فترة دراستى وتدريسي!!.. كذلك تتعاون مع د. مها العربى عميد معهد الموسيقى العربية لإعادة فرقة أم كلثوم لما كانت عليه وأفضل لأنها تضم أصواتًا من أعذب وأبدع ما يكون.. وأطلقت «الملتقى العلمى العربى الأول للأكاديمية»، والذى شاركت فيه العديد من الدول العربية لنستعيد دورنا وريادتنا للفن والثقافة العربية، وافتتحت أخيرا «قاعة المؤتمرات» المبهرة، والتى تأسست منذ سنوات طويلة ولكن ظلت مغلقة بسبب العوائق الإدارية التى استطاعت د. أحلام بسعى ودأب تخطيها.. كما أعلنت حلمها بأن تصل الأكاديمية من المحلية إلى العالمية، وفى سبيل ذلك سعت لعقد اتفاقيات تعاون وبروتوكولات مع الصين وروسيا وإيطاليا لتنهض بمعهدى الكونسرفتوار والباليه، لأنهما متخصصان فى الفنون العالمية، كذلك لم تنس الدور التنموى بنشر الفنون الرفيعة، من خلال تعاونها مع جامعة القاهرة ومكتبة الإسكندرية، وإطلاق مبادرة لنشر الفنون الراقية بين أطفال مصر، من خلال الجولات التى يقوم بها طلاب الأكاديمية ليقدموا الفنون العالمية فى المدارس الحكومية!!.. ولأننى أنتمى للأكاديمية أشعر أن شهادتى مجروحة.. ولكن شعورى بالفخر، والتزامى بالنقد البناء، يجعلنى كما أكتب عن السلبيات أشيد بالإنجازات، ومن يسعون لتحقيقها بإدارة راقية وأداء يبعث على التفاؤل والأمل.