الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمود صلاح يكتب: "أمير الأحزان".. أسـرار محاولة اغتيال الملك فـؤاد

الملك فؤاد وزوجته
الملك فؤاد وزوجته الاميرة شويكار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الفصل السابع
-الأمير سيف الدين يطلق ثلاث رصاصات على فؤاد فى النادي الخديوي
- فؤاد يستدعى المأذون ويطلق شويكار بمجرد إفاقته من الغيبوبة
- وشويكار تهرب من قصر الزعفران .. والشرطة تلقى القبض على سيف الدين


عادت الأميرة شويكار الى قصر الزعفران رغما عنها ، وقرر فؤاد الاستيلاء على ثروتها بالكامل عن طريق توكيل رسمى منها بالتصرف فى أملاكها، تمكنت شويكار من تهريب رسالة كتبتها باللغة التركية الى عمها البرنس أحمد كمال تطلب منه أن يرسل مندوبا رسميا من المحكمة ليقوم بعمل توكيل رسمى منها ليدير أملاكها، أرسل البرنس أحمد كمال المندوب ، فرفض فؤاد ادخاله الى القصر، فتقدم البرنس ببلاغ رسمى ضد الأمير فؤاد قدمه الى رئيس النيابة العمومية فى محكمة مصر الابتدائية يحكى له تلك الواقعة ويطلب منه اتخاذ جميع الاجراءات القانونية .. وبالفعل تم استدعاء فؤاد للتحقيق معه فى حقيقة توقيعها لزوجته واجبارها على التوقيع على توكيل رسمى يسمح له بادارة ممتلكاتها ، ولكن فؤاد رفض المثول للتحقيق بعجرفة وعنجهية مما دعا النائب العام لزيارة الأميرة شويكار فى قصرها للتأكد من حقيقة توقيعها على التوكيل تحت تهديد زوجها .. واقرت شويكار بهذا وتم تحرير توكيل جديد باسم عمها الأمير أحمد كمال تحت سمع وبصر فؤاد الذى لم يجرؤ على الاعتراض . كان يوم 7 مايو من عام 1898 هو موعد الأمير سيف الدين مع الحادث الذى ظل يكفر عنه بعد ذلك طوال سنوات حياته .. وحتى مماته ! حادث محاولته اغتيال الأمير فؤاد .. الذى نجا من الموت .. ليصبح فيما بعد ملك مصر!

كانت كل الأشياء قد تعقدت وتشابكت فى نظر الأمير الشاب، فأخته الأميرة شويكار تعانى الأمرين من سوء معاملة زوجها الأمير فؤاد الذى يريد الاستيلاء على ثروتها. وسيف الدين عاجز عن إنقاذها، ومن ناحية أخرى فان عمه الأمير أحمد كمال طلب الحجر عليه، بزعم نه يسيء التصرف فى ثروته وأملاكه!
فى ذلك اليوم ذهب الأمير سيف الدين ليقابل عمه الأمير أحمد كمال ليخاطبه فى أمر رفع الحجز عليه، لكن خدم عمه لم يسمحوا له بمقابلته، فمضى عائداً إلى قصر الدوبارة وهو ممتلئ بالشعور بالإهانة والقهر!
ماذا حدث بعد ذلك؟ وإلى أين ذهب قبل أن يرتكب الحادث الذى قلب حياته رأسا على عقب؟ هذا ما ستتناوله التحقيقات فيما بعد..
المهم أنه كان عائدا فى مركبته عندما مر بالنادى الخديوى والذى أصبح يعرف بعد ذلك بنادى محمد على فى وسط القاهرة، وعندما شاهد الأمير فؤاد فى شرفة النادى، طلب من الحوذى أن يوقف المركبة وهبط منها واتجه نحو بوابة النادى.
وفى مكانه بالشرفة لم يلحظ الأمير فؤاد مركبة الأمير سيف الدين، ولم يشاهده وهو يهبط منها ويدخل الى النادى، فغادر الشرفة واتجه ناحية غرفة المطالعة.
ولم يكن الأمير سيف الدين عضوا فى النادى الخديوى، وكانت عضوية النادى قاصرة على أعيان القاهرة، الساسة والدبلوماسيين وكبار رجال الحكم، ولم يكن مسموحا بعضوية النادى للشباب حتى وان كانوا أمراء!
وعندما دخل الأمير سيف الدين النادى تقدم منه الحاجب يسأله عما يريد، سأله الأمير سيف الدين: هل صاحب السمو الأمير فؤاد موجود بأعلى؟
- رد الحاجب: نعم.
وقبل أن يكمل الحاجب جملته كان سيف الدين قد اندفع نحو السلم.
- صاح فيه الحاجب المذهول: ليس مسموحا لغير الأعضاء بالصعود إلى أعلى.
وتوقف سيف الدين على السلم لحظة.
• وقال الحاجب: إن الأمر لا يستحق أن أبعث له برسالة..
• إنها مسألة بسيطة لن تستغرق تسويتها دقيقتين!
• واندفع سيف الدين نحو غرفة المطالعة!
***
فى غرفة المطالعة ..
كان بعض أعضاء النادى قد تناثروا هنا وهناك جالسين على مقاعدهم، بينما كان الأمير فؤاد واقفا يتحدث مع أبانى باشا.
وفجأة انفتح الباب على مصراعيه بطريقة غير معتادة..
وفى نفس هذه اللحظة ظهر الأمير سيف الدين على الباب.. والتقت نظراته بنظرات الأمير فؤاد الذى فوجئ بظهوره!
وعندما شاهد فؤاد الشرر يتطاير من عين سيف الدين، أسرع وتوارى خلف أبانى باشا محتميا به! وفى غمضة عين..استل سيف الدين مسدسه وأطلق رصاصة على فخذ الأمير فؤاد الذى سقط على الأرض وهو يئن!
وقبل أن يتحرك أحد من الموجودين والذين اصابهم الذهول، كان سيف الدين قد أطلق رصاصتين أخريين على فؤاد!
كان المشهد دراميا للغاية.. فقد تسمر الموجودون فى أماكنهم وكأنهم تماثيل .
ورقد فؤاد على الأرض مضرجا فى دمائه.. وكأنه قد مات بالفعل !
بينما كان الأمير الفتى لايزال فى مكانه.. والمسدس فى يده !
ونظر سيف الدين الى الموجودين بلا خوف فى عينيه .
• وقال باللغة الانجليزية : انتهى الأمر !
تنفس الصعداء ..
• ثم اضاف باللغة الفرنسية: الآن .. أستطيع أن أمضى !
• واستدار ليغادر الحجرة فى ثبات .. ويمضى خارجها !
***
عندما سمع حاجب النادى صوت طلقات الرصاص..
اسرع الى الشارع ليستنجد برجال الشرطة، وبالصدفة كان أحدهم مارا بالطريق. وقبل أن يخبره الحاجب بما حدث . كان سيف الدين قد خرج الى الباب والمسدس مازال فى يده. وكأن الأمر لا يحتاج الى تفسير . فألقى الشرطى القبض عليه . واقتاده الى قسم شرطة عابدين !
وقد نشرت جريدة " الأهرام " فى عددها الصادر يوم 9 مايو 1898 تفاصيل الحادث . ولكن بطريقة أكثر توسعا . وبالاسلوب الذ كانت تنهجه الصحف فى كتاباتها فى تلك الأيام .
قالت " الأهرام " : فى نحو الساعة السابعة والدقيقة 20 مساء اجتمع فى الكلوب الخديوى دولة البرنس فؤاد باشا عم الجناب الخديوى والبرنس أحمد سيف الدين بك نجل المرحوم البرنس ابراهيم باشا . وبالنظر الى ما بينهما من التباغض لأسباب أهلية . اعتدى البرنس أحمد سيف الدين على صهره بالقول . ثم أخرج غدارة سداسية من جيبه وأطلق منها ثلاث رصاصات . فى كم قميصه والثانية فى فخذه والثالثة فى اسفل البطن مرت تحت الكبد .. وانتهت الى قرب القلب وعنده ما يخشى خطرها .
" أما البرنس سيف الدين فخرج من الكلوب مسرعا يحاول الفرار . لكن تم القبض عليه . وبدأ حضرة معاون عابدين فى أخذ أقواله . وفى خلال ذلك جاء جمهور من الأطباء لمعالجة الجريح . ثم طير الخبر الى جناب الخديوى فى الاسكندرية . كما طير الى صاحبى الدولة البرنس حسين كامل باشا والبرنس إبراهيم باشا حلمى أخوى الجريح . فحضرا مسرعين وقدم بعدهما جمهور أعضاء العائلة الخديوية الكريمة . ولا يوسف ما بهم من الأسف الشديد لوقوع هذه الحادثة الفظيعة . وسأفيدكم غدا بما أعلمه من التفاصيل الرسمية عن هذه الفاجعة . وقد تفشى الخبر فى المدينة . فوقع وقع الصاعقة . والله يلطف بالأمير الجريح ويخفف آلامه "!
***
وفى اليوم التالى نشرت " الأهرام " الحادث بتفاصيل أكثر ..
• قالت " الأهرام " : أخبرتكم أمس بالفاجعة المؤلمة التى حدثت إخباراً إجماليا . وأزيدكم الآن بيانا . فأقول أن البرنس أحمد سيف الدين قرر فى التحقيق أنه فى عصر أمس حمل غدارته وخرج . فذهب الى منزل خطيبته وأودع لدى أحد الخدم كتابا منه إليها . ثم ركب مركبة أجرة وسار قليلا . ثم فكر فى أن إيداع هذا الكتاب لدى الخادم ليس بصواب .. فعاد واسترده . ثم بعد ذلك قصد صانع أحذية فى المدينة . وفى خلال الطريق خطر له أنه لا حاجة به لمقابلة الرجل فى تلك الساعة . فسير مركبته بقصد أحد باعة الحلوى . ولكن خطر له ايضا أن لا حاجة به الى ذلك . فسار الى الكلوب الخديوى بالاسماعيلية . ووصل اليه فى نحو السابعة والدقيقة العشرين .
" فسأل البواب عن البرنس فؤاد . فلما أجابه بنعم . صعد الى الغرفة العليا . وكان البرنس فؤاد يلعب البلياردو مع أناس لا أعرفهم .
وروى البرنس سيف الدين ما حدث فقال : فلما رآنى البرنس فؤاد قطب وجهه .
• فقلت له : يا برنس .. خذ حذرك فقد أتيت لانتقم منك لاساءتك معاملة أختى !
" وأخرجت غدارتى وأطلقت عليه العيار الأول . فتوارى وراء قبانى باشا ناظر الحربية .
وكان عباس باشا هناك ولما رأى سعادته أن سيف الدين سيكرر اطلاق النار وربما اصابته قذيفة ، تخلى عن البرنس فؤاد !
فأطلق سيف الدين عيارين آخرين على صهره نفذا فيه كما ذكرنا آنفا .
• وقال سيف الدين فى التحقيق : وهممت ان أخرج فوجدت الباب مقفلاً . ولما فتح على أحد رجال الشرطة
• فقلت له : دعنى .. فانى ذاهب معك الى حيث تشاء .. فجاء بى الى مخفر عابدين !
***
ومضى محرر " الأهرام " يقول فى نفس العدد : لكن بعض شهود الواقعة ذكروا لنا . أنه لما قبض العسكرى المصرى على المعتدى . هم باطلاق غدارته للتخلص منه . وكان قد حضر عسكرى انجليزى من خفراء منزل الجنرال غرانفيل قائد جيش الاحتلال . فضرب اليه بندقيته تحذيراً له من محاولة الفرار . وارتكاب جنايات أخرى . وعلى هذه الصورة سيق البرنس سيف الدين الى المخفر .
وكان المتهم لا يظهر على وجهه اثر الفزع . ولا يتدحرج صوته وربما بالغ فى التظاهر بعدم الاكتراث . وخاشن الذين خاطبوه من رجال الشرطة والمحققين .
وهذه الساعة السابعة .. ولايزال التحقيق مستمرا منذ الصباح فى دار النيابة الابتدائية . وقد بات البرنس سيف الدين فى مجلس ثمن عابدين ـ قسم شرطة عابدين ـ وربما اعتقل فى سجن المحافظة الليلة . وسأطلعكم غدا على نتيجة التحقيقات التى جرت اليوم .
على أن البرنس سيف الدين لم يقل فى اقراراته التى ذكرتها لكم . أنه كان ينوى القتل . بل الجرح فقط . لأن البرنسيس شقيقته استجارت به فى كتاب مؤثر ارسلته اليه .
وقد اكثرت النيابى من القاء الأسئلة على البرنس . الذى كان قد افرغ عيارات غدارته على أحد خدمه . لأنه أعضبه بأمر طفيف .. وإذ لم يصبه بها . ضربه بهراوة . وكتب بذلك محضرا رسميا !
***
ماذا حدث فى نادى محمد على أو النادى الخديوى .. فور اطلاق الأمير سيف الدين الرصاص على الأمير فؤاد ؟
تدافع بعض أعضاء النادى من الذين كانوا موجودين داخل الغرفة ـ وقد ظنوه قد مات ـ ليحملوه ويرقدوه على أريكة فى الغرفة .
وعندما وجدوا قلبه لايزال ينبض اندفع بعضهم الى الخارج بحثا عن طبيب . وخلال نصف ساعة فقط كان قد حضر تسعة أطباء !
وعلى عجل تم اعداد جناح داخل النادى نقل اليه الأمير فؤاد . ابتداء بالأطباء والممرضات الانجليزيات اللائى تم طلبهن فى الحال واكتشف الأطباء أنه بالرغم من اصابة الأمير فؤاد بثلاث رصاصات فانه لم يصب بأذى خطير . وقالوا أنه إذا مرت بضعة أيام دون تعقيدات فإن كل الأسباب تدعو الى الأمل فى شفائه التام !
وحرصت والدة الأمير فؤاد على زيارته يوميا فى النادى الخديوى .
وارتفعت روح فؤاد العنوية عندما تلقى برقية شخصية من ملك ايطاليا . تحمل مواساته له فى مصابه وتهنئته بنجاته . وكان كل أعيان مصر قد بعثوا له ببرقيات مماثلة وزاروه .
ووجد الأمير فؤاد نفسه فجأة . وبسبب الحادث . صاحب شعبية كبيرة .. ومحورا للاهتمام !
وكل يوم كان يصدر بيان طبى عن حالته الصحية وعن العمليات الجراحية التى ستجرى لاستخراج الرصاصات من جسده . وقد تركت الرصاصة التى استقرت بين ضلوعه خمسة أيام . وبعد ذلك استغرقت عملية استخراجها ربع ساعة فقط !
وبعد حوالى اسبوعين بدأ التفكير فى نقل الأمير فؤاد من النادى الخديوى ..
وقال البعض أنه قد يتعرض الى الاجهاد إذا نقل الى قصر الزعفران فى العباسية . فعرض عليه صديقه عزت بك الذى يسكن بالقرب من النادى الخديوى أن يستضيفه . وهذا ما حدث بالفعل . وتم نقل الأمير فؤاد من النادى على نقالة الى بيت صديقه حيث أعد له جناح وآخر لوالدته !
***
وفى نفس ليلة الحادث ..
طار الخبر الى شويكار فأسرعت بالهرب من قصر الزعفران !
كيف لا .. وقد حاول شقيقها المحبوب الانتقام لها بقتل زوجها القاسى .. أفلا تهرب وقد فشلت المحاولة وتم القبض على شقيقها .. ونجا زوجها من الموت ؟
لم يعلم أحد من العامة إلى أين هربت شويكار ..
لكن عيون الشرطة عرفت !
وذهب النائب العام ليلتقى بها .
ولم تكن شويكار خائفة .
وتحدثت عما كان يفعله معها فؤاد .
لكن عندما سألها النائب العام إن كانت لديها شكاوى ذات طابع جدى .
• قالت له بغموض : ليس فى الوقت الحالى !
***
لكن المؤكد أن جريدة " الأهرام " نشرت يوم 23 مايو من نفس العام خبرا يقول : توجه حضرة الفاضل عزتلو افندم يوسف بك سليمان أول أمس بعد الظهر الى سراى الزعفران . وسأل حضرة البرنس شويكار هانم افندى . فأجابت بأنها لم تر أخاها المتهم منذ شهر . وأنها لم تكتب اليه بالشكوى من دولة زوجها إلا فى الخلاف الذى وقع بينها . وأنها لا تستحسن عمله . ولم تحثه عليه . وأن الذى دفعه إنما هو ضعف قواه العقلية "!
• ومع ذلك فقد نشرت " الأهرام " فى صور نفس الخبر تقول : " لايزال دولة البرنس فؤاد يتقدم نحو الصحة تقدما سريعا . وقد استدعى دولته المأذون الشرعى عصر امس . وأعلن طلاقه لحرمه . ودفع متأخر الصداق . ونفقة الأشهر الثلاثة الشرعية "!