الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ماذا حدث في اليوم الأول لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قبل 50 عاما؟!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدر ضمن سلسلة كتاب الجمهورية عدد يناير 2019 كتاب «حكاية أول معرض دولى للكتاب» للكاتب والباحث فى التاريخ الثقافى محمد سيد ريان، مزودًا بالوثائق والصور النادرة ليرصد بالتفصيل قصة إنشاء معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى يحتفل فى دورته الحالية باليوبيل الذهبي. 
الكتاب يأتى ضمن مشروع كبير يعمل عليه «ريان» منذ سنوات بطرح حلول إدارة وتطوير بيئة العمل فى المؤسسات الثقافية وتسويق المنتج الثقافى على الوسائط الإلكترونية، من خلال دراسة جذور الموضوع، فبداية الخيط ستفيد كثيرًا فى توضيح الكثير من الإشكاليات الخاصة بالكتاب والنشر.
منذ أكثر من سنتين تفرغ «ريان» للبحث فى التاريخ الثقافى والتنقيب عن محاولات الإصلاح والتجديد الثقافى منذ نشأة الكيانات الثقافية الحديثة بالعالم العربى بحثًا عن حلول لأزمة الثقافة العربية، وكانت البداية من الحدث الأكبر فى حياة المثقفين وهو معرض القاهرة الدولى للكتاب أحد أبرز الأحداث الثقافية العربية لما يتمتع به من أهمية وجماهيرية شعبية كبيرة.
فقد تم افتتاح المعرض يوم ٢٢ يناير ١٩٦٩، وبالمناسبة فهذا هو نفس اليوم الذى تم اختياره ليكون يوم افتتاح المعرض فى ٢٢ يناير ٢٠١٩، واستمر المعرض ثمانية أيام، واشترك فيه ٤٦ ناشرًا يمثلون ٣٢ دولة من أوروبا وأمريكا وآسيا والدول العربية. المعلومات عن يوم الافتتاح قليلة فى المصادر والمراجع، ولكن تبقى شهادة المفكر الكبير الدكتور فؤاد زكريا عظيمة فى هذا الشأن.
يحكى فؤاد زكريا فى مقال له بعنوان «بين معرض ومؤتمر» نشر بمجلة الفكر المعاصر فى عدد فبراير ١٩٦٩ عن انطباعاته ورؤيته فى اليوم الأول للمعرض فيذكر: «كان يوم الافتتاح مكفهر الجو منهمر المطر شديد البرودة، وكنت أحسب وأنا مدعو إلى يوم الافتتاح – أننى لن أجد إلا نفرًا قليلًا من المتجلدين الذين لن يملكوا بسبب أو لآخر – أن يرفضوا الدعوات الموجهة إليهم لحضور الافتتاح. بل لقد بلغ بى التشاؤم حدا ظننت معه أننى قد أعود بعد دقائق من حيث أتيت وأن الافتتاح قد يؤجل إلى وقت آخر أنسب، فى جو أفضل». هكذا يحكى عن الانطباع الأول يوم الافتتاح، ولكن سرعان ما تبدد هذا الانطباع ليثبت للجميع أن هذا الشعب يبهر الجميع دائمًا بثقافته وعلمه. 
يكمل زكريا: «وما إن اقتربت من أبواب المعرض حتى شاهدت ما لم أكن أتوقع وما لم يكن يتوقعه أشد الناس تفاؤلًا بنجاح هذا المعرض. كانت قاعات العرض وأركانه محتشدة بألوف من المثقفين الذين لم يكن معظمهم - على الأرجح - ولكنه آثر المغامرة بحضور الافتتاح بلا دعوة، كيلا يفوته هذا الحدث العظيم، وكانت أرجاء المعرض الفسيحة غاصة بشبان وشيوخ وفتية وفتيات يتزاحمون حول رفوف العرض حتى لايكاد يدفع بعضهم بعضًا وهم متراصون أمامها لايريدون أن يفوتهم منها شيء».
وعن موقف المثقفين من المعرض قال: «كان شيئًا رائعًا أن يتلاقى المثقفون وهم بطبيعتهم ميالون إلى العزلة والتفرد، فى هذا المكان الفسيح على غير ميعاد، حتى غدا المعرض، فرصة نادرة لكى يلتقى كل من فرقت بينهم شواغل الحياة، وباعدت بينهم أعباء العمل. كانت الألوف التى تدخل المعرض وتخرج منه طوال أيامه مظاهرة حية، تلقائية، تبعث الطمأنينة فى كل نفس تتوجس خيفة على مستقبل الثقافة فى بلادنا، أو تخشى من أن تكون الأحداث العاصفة قد صرفت الناس عن حب العلم والحرص على التزود بالمعرفة».
وهناك شهادة أخرى على افتتاح المعرض من أحمد عيسى، رئيس تحرير مجلة الكتاب العربى، ونشرها فى افتتاحية عدد إبريل ١٩٦٩ من المجلة تحت عنوان: (على هامش أسبوع معرض القاهرة الدولى للكتاب) ذكر فيه أن أسبوع معرض القاهرة الدولى للكتاب «كان مفاجأة كبرى للزائرين، ومفاجأة أكبر للعارضين، فلم يخطر ببال الكثيرين أن يحظى معرض للكتاب، تغلب عليه الصفة الأجنبية، بإقبال منقطع النظير من أهل القاهرة، ربما لسوء ظن بالقارئ المصرى، واعتقاد بعدم تحمسه لاقتناء الكتاب أو ربما لإيمان بفراغ الجيوب فى آخر شهر الأعياد حيث لا بقية تنفق على الكماليات، أو ربما لاعتقاد بأن المعرض لن يضم إلا قدرا محدودا من دور النشر الأجنبية وبالتالى فسيكون المعروض محدودًا كمًا وكيفًا». 
على أن أبواب المعرض لم تكد تفتح يوم ٢٢ يناير ١٩٦٩ حتى تقاطر الناس يتزاحمون ويتدافعون ويسألون ويتصفحون ويختارون ويدفعون برغبة ونهم شديدين، واضطرت إدارة المعرض إلى فتح أبوابه للزوار من العاشرة صباحًا إلى السابعة مساء، دون إعطاء فرصة راحة للعارضين لتناول الطعام أو حتى للراحة من المناقشة والكلام».