الخميس 30 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

برام ستوكر.. صانع أسطورة دراكيولا

برام ستوكر
برام ستوكر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم

ولد برام ستوكر في كلونتارف التي تقع شمال العاصمة الإيرلندية دبلن، وبرع في الرياضيات والعلوم والتاريخ واللغة، وتبع خطى والده في العمل في الخدمة المدنية كموظف في قلعة دبلن التي خدم فيها ثماني سنوات نزولًا عند رغبة والده، وخلال تلك الفترة كان ينشر في المجلات بعض القصص، منها "كأس الكريستال، سلسلة القدر، ولعنة الروح إضافة إلى تعاونه مع بعض المجلات كناقد مسرحي دون أجر؛ ولم يلبث أن عمل مديرًا لأعمال صديق عمره الممثل البريطاني سير هنري أيرفين، ثم دفعه شغفه بالمسرح والتمثيل لأن يصبح مديرًا ناجحًا لأحد المسارح، واستمر في وظيفته لمدة سبعة وعشرين عامًا؛ ومن خلال الوسط الفني، تعرف على نخبة شخصيات المجتمع الأيرلندي والبريطاني، وربطته صداقة بمجموعة من عمالقة الأدب في عصره منهم آرثر كونان دويل، ألفريد لورد تينيسون، مارك توين، وأوسكار وايلد الذي تنافس معه على طلب ود الفتاة الجميلة فلورنس بالكومب، التي اختارت في النهاية ستوكر وتزوجا في عام 1878.
تُعتبر رواية ستوكر "دراكيولا" أيقونة أدب الإثارة والرعب، والتي تحولت إلى عشرات الأفلام السينمائية ومئات من الرويات التي اشتقت عنها؛ وبدأت حكاية هذه الرواية عندما ربط ستوكر صداقة ببروفيسور من جامعة بودابست، وفي أحد لقاءاتهما حكى الأخير لصديقه قصصًا عن أساطير مصاص الدماء في ترانسلفانيا، التي أثارت في ستوكر روح الأديب، ليتوجه إلى أهم المكتبات في لندن ودرس جميع المواضيع والأبحاث التاريخية عن مصاصي الدماء في ترانسلفانيا، وكذلك في مختلف أنحاء أوربا، كما درس جيدًا أيضا طائر الخفاش.
استوحى ستوكر بطل روايته من شخصية حقيقية وهي الأمير فلاد الثالث -أوالوالاشي- الذي حكم هنجاريا ورومانيا وكان عدوًا للدولة العثمانية، وقد كان عنيفًا مع أعداءه وكل من يخالف قوانينه، لدرجة أنه الجميع أطلق عليه لقب "دراكيولا" والذي يعني الشيطاني، وأطلق عليه آخرون لقب "فلاد المخوزق"، لأن الخازوق كان وسيلة عقابه لكل من يخالف القانون مع تعدد الجرائم، وقيل أنه في إحدى معاركه مع الجيش العثماني وجده السلطان وقد علّق الآف الجنود الأتراك على الخوازيق؛ وكذلك استوحى من الشخصيات الواقعية الكونتيسة إليزابيث باثوري من ترانسلفانيا، التي اشتهرت بجمالها، والتي حينما بدأت تتقدم بالعمر أصيبت بجنون الخوف من فقدان جمالها، واعتقدت بأن دماء الفتيات الشابات ستحفظ لها ديمومة تألقها، فقتلت نحو خمسين من خادماتها لتسبح في دمائهن، وذلك قبل أن تكتشف فعلتها حين احتجزت خلف جدران قلعتها حتى وفاتها في عام 1614؛ ليكتب ستوكر هذه الرواية التي تدور أحداثها في أواخر القرن التاسع عشر على نمط مذكرات يرويها البطل جوناثان هاركر، المحامي الشاب الذي يكلف بمهمة الذهاب إلى ترانسلفانيا للقاء الكونت دراكولا المقيم في قلعته في منطقة نائية لإنجاز وتوثيق الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته الجديدة في بريطانيا.
تجلت موهبة ستوكر في إضفاء المصداقية على روايته من خلال شخصية البطل المتزنة العقلانية التي تعتمد على الدقة والنظام في ترتيب أمور حياتها، فبوصول هاركر إلى القلعة وقضائه بضعة أيام برفقة الكونت، يبدأ ملاحظة بعض الوقائع الغريبة في القلعة، ومنها عدم وجود أية مرآة، وكذلك عدم تناول الكونت للطعام أو الشراب، إضافة إلى غيابه الدائم خلال النهار وعدم نومه في غرفته؛ ثُم تنتقل الأحداث بعد ذلك إلى بريطانيا، وبالتحديد إلى مقاطعة وايتبي حيث تصل إليها خطيبة هاركر وتدعى مينا للقاء صديقة عمرها لوسي، وحينما تصل سفينة غريبة مرفأ المقاطعة في ليلة عاصفة يستحيل فيها تمكن أية سفنية دخول المرفأ بسلام، تفقد المنطقة أمنها وسلامتها؛ فيجتمع الأصدقاء وهم إضافة إلى مينا وهاركر، الدكتور جون سيوارد مدير مصحة الأمراض العقلية وأحد المعجبين بلوسي، وأرثر هولموود خطيبها وكوينسي موريس الثري الأمريكي الذي يمول الفريق، والدكتور ابراهام فان هيلسينج المحامي والضليع بالتاريخ والفولكلور والأساطير، بهدف الانتقام من الكونت دراكيولا الذي اكتشفوا حقيقيته، وقام بتحويل صديقتهم لوسي إلى مصاصة للدماء مثلما فعل بآخرين؛ وبعد العديد من المغامرات والمطاردات ينجحوا أخيرًا في اللحاق بسفينة الكونت الهارب إلى ترانسلفانيا، والتمكن بعد معركة مع الغجر الذين يقلون تابوته من قتله بغرز وتد في قلبه وفصل رأسه عن جسده وحشوه بالثوم حيث يتحول حينها الجسد إلى رماد.
الرواية تناولتها السينما في مئات الأفلام بصورة تجارية تتطور مع تطور المؤثرات البصرية تحمل أبعادًا ومضمونًا عميقًا، فهي تجسد الصراع بين قوى الخير والشر، وتعتمد على أفكار العهد الفيكتوري المثالية، حيث ينتصر الخير في النهاية، إضافة إلى أن ستوكر كان يحاول من خلال هذه الرواية في الوقت نفسه تجسيد فساد المجتمع الطبقي في عهده، حيث تمثل شخصية الكونت فساد وجشع الطبقة الارستقراطية التي تمتص دماء الطبقة الوسطى التي تنتصر في النهاية.
لم يرتكن ستوكر إلى النجاح الخرافي الذي حققته "دراكيولا"، ونشر قبل مرضه روايتان، أولهما "لغز البحر" ونشرت عام 1902 والثانية رواية رومانسية بعنوان "الرجل" ونشرت عام 1905، تتناولان أدوار الرجل والمرأة في المجتمع، وأيضا التصور العام الذي يحمله ستوكر تجاه المرأة؛ واستمر في كتابة روايات الرعب والغموض، مثل "جوهرة النجوم السبعة" 1903 وتدور أحداثها في مصر، ورواية "سيدة الخمار" 1909، و"عرين الدودة البيضاء" 1911، في سنواته الأخيرة تدهورت صحة ستوكر بصورة متسارعة ليتوفى في 20 أبريل عام 1912. 
ورغم أن أسباب موته ما زالت غامضة وأثارت الكثير من الجدل، وقد نشر حفيده دانييل فيرسون كتاب حول أسباب وفاة جده، أوضح فيها تأكيد الأطباء بإصابته بالشلل العام المرتبط بداية بالجنون، وفسّر البعض أن هذه الأسباب ترتبط بمرض الزهري وإن لم يكن تفسيرهم مؤكدًا علميًا.