السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نخترق العالم السري لتجارة الآثار في مصر (الحلقة الأولى)

 العالم السري لتجارة
العالم السري لتجارة الآثار في مصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 مواقع على "الإنترنت " لإدارة التجارة الآثمة.. شركات عالمية تصمم أجهزة لكشف الآثار وتركيا المصدر الرئيسي لتهريبها داخل البلاد


كانت ولا تزال الآثار المصرية هي حلم الثراء السريع للكثير من المصريين وأصبح هوس العثور عليها مرض يصيب ما يقرب من 80% من المصريين حتى بات الجميع وخصيصًا سكان الصعيد يحفرون أسفل منازلهم طامعين في العثور على أي شيء حتى ولو كان تمثالا صغيرا ينقلهم من عالم الفقر إلى عالم الثراء السهل والسريع، وبما أن الجهل هو المسيطر على الموقف بأكمله كان للنصابين الحظ الأوفر في تلك المسألة فمن بين دجالين -يدّعون مقدرتهم على استخراج الآثار واستطاعتهم صرف الحراس من الجن- إلى الفاسدين من العاملين بهيئة الآثار، يتأرجح الطامع بين هذا وذاك وبات السؤال: "متى ستنتهي تلك القضية وتغلق أبوابها.. ومتى سيتعامل معها الأمن بشيء من الحسم؟"

استطاعت "البوابة نيوز" أن تخترق بالصوت والصورة هذا العالم لتكشف أكبر تجار الآثار وعالم ما يسمى بأجهزة كشف الآثار ومدى حقيقة هذه الأجهزة وكيف يتم النصب بها على الطماعين وما هي كبرى الشركات التي تستغلهم لتبيع لهم الوهم.

بدأت القصة حين عثرت على جروب بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحت اسم "مستكشفي الآثار الفرعونية" في البداية ظننته "جروب علمى" عن الآثار، حيث وجدت فيه عددًا هائلاً من العاملين بهيئة الآثار ومفتشيه، فمن المستحيل أن تتم أي عملية لبيع الآثار تحت أعين هذا العدد الهائل من الأعضاء العاملين في الهيئة، ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك فقد وجدت كمًا كبيرًا من الفيديوهات التي قام أصحابها بتصوير ما لديهم من الآثار لعرضها ومعرفة ما إذا كانت سليمة أو العكس، كنت أظن أن الجروب يدار من قبل شخصين وكانت المفاجأة بالنسبة لى في نهاية الأمر أنه شخص واحد وقد قام بعمل حسابين على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ليدير منهما أعماله المنافية للقانون.


كان الجروب مليئًا بفيديوهات وصور لآثار كثيرة ولكن أكد الخبراء المتواجدون في الجروب أن معظمها غير سليمة على الإطلاق، لم أفكر لحظة وقمت بإرسال رسالة نصية لأدمن الجروب الأصلي أطلب منه رقمه الشخصي لأمر هام وبعد يومين أرسل لى رقمه واتفقنا أن نتحدث ليلاً، بالفعل تم الاتصال وبدأت أخبره بأنني أسكن في إحدى محافظات الصعيد ولدينا شك كبير بأن تحت منزلنا آثار.

دار بيننا حديث استمر لنصف ساعة أهم ما جاء فيه كان قوله "الضابط اللى هييجي يمسكك أنا هخليه يحرسلك البيت سنة كاملة لغاية ما تطلع حاجتك براحتك". كانت تلك الكلمات يقولها لطمأنتى حين أخبرته بأننى أسكن في بلد أرياف ومن الممكن أن ينتشر الخبر بسهولة، كما أخبرنى أيضًا أنه لا يعمل في التنقيب ولكن حين أخرج ما لدى من آثار أقوم بتصويرها وإرسالها له وإن رأى أنها سليمة نبدأ في الاتفاق على المبلغ وسيتم البيع في هدوء.

وقال لى نصًا "أنا من التربة أقدر أعرف تحتها آثار ولا لأ، وكمان أنا مش ببيع الآثار دى أنا بديها للناس بره حق انتفاع وبيرجعوهالى تانى والبلد بتاخد حقها وأنا باخد حقى لكن عمرى ما أبيع آثار بلدى". وأكد أكثر من مرة أنه على علاقة وطيدة بأجهزة كبيرة تقوم بحمايته ولا داع لأى قلق أو خوف.


كان من الواضح أن هذا الشخص أذكى بكثير من غيره فمن الصعب أن تصل له بمعلومة واحدة سواء كانت صحيحة أو خاطئة فحتى رقمه غير مسجل وحساباته الشخصية على "فيس بوك" قام بعملها بطريقة وهمية ليس بها أي معلومات حتى ولو كانت خاطئة لتقوم بتتبعها لتصل إلى الحقيقة، ولكن كان هذا الشخص الذي لم أستطع التوصل إلى هويته هو بداية الخيط الذي سرت نحوه لأكشف ما هو جديد في عالم تجارة الآثار وبيعها.

رصدت لعدة أيام ما يحدث في الجروب وما يتم عرضه من قطع أثرية كان معظمها يقابل بالرفض لأنها غير سليمة ولعل من أغرب المواقف التي رأيتها هو قيام أحد الأشخاص بوضع صورة لأثر يقول إنه يملكه ولكن جاءت التعليقات مفاجئة حيث وضعوا له صورة هذا الأثر من المتحف البريطاني فهو أثر سليم ولكنه موجود في المتحف وسَرَقَ هو الصورة ليثبت إن كانوا خبراء فعلاً أو العكس، واعترف في النهاية أنه أخطأ في تقييمه لهم.

بدأت أبحث على مواقع الإنترنت عن أماكن يتم من خلالها عمليات بيع الآثار فلم أجد سوى ثلاثة مواقع فقط هي من أكبر المواقع المتخصصة في هذا المجال ولكن واحدًا منها لا يظهر متاجرته للآثار ولكنه يختص ببيع أجهزة تستطيع كشف الآثار تحت الأرض وبعد التواصل معهم وشراء الجهاز من الممكن أن يتم العرض عليك في بيع ما وجد في حال الثقة فيك.


كان الموقع الأول هو "آثار مصرية" هو عبارة عن منتدى صغير لا يملك أي شيء من احترافيات المواقع الكبرى، وحين تقوم بالاشتراك فيه ستشعر بأنه مهمل وستلاحظ بنسبة كبيرة جدًا أن أصحابه هجروه ولكن كانت الفكرة في عدم تحديث المنتدى، عدم لفت النظر لأى شخص عابر لا يهتم كثيرًا بالموضوع، حتى لا تكون هناك أي خطورة على أصحابه فإذا كنت تنوى "الشر" فسترى أنه مهجور ما سيجعلك تخرج منه للبحث عن وكر آخر، وهو ما اكتشفته فيما بعد، عوضًا على أن بداخله إقرار على ألا تتم أي عملية بيع أو شراء إلا تحت أعين المسئولين عن المنتدى الذي يحمل في باطنه الكثير من الملايين التي تدار كل يوم بين الأشخاص عن طريق عمليات البيع المشبوهة، قمت فورًا بالاشتراك في هذا المنتدى الصغير وبدأت بالتفقد في أقسامه وأخذت بعض الأرقام لأشخاص ادّعوا أن لديهم جهات آمنة وسريعة لشراء الآثار دون أي خوف كما أن هناك شخصًا أكد أن لديه مجموعة من المشايخ يعملون لديه ويقومون باستخراج تلك الآثار ويتم الاتفاق على بيعها.

أما الموقع الثانى اسمه "فراعنة" منتدى صغير ولكنه يختلف عن غيره في بعض التطوير والتحديث حيث يحدث يوميًا على حسب إذا كانت هناك عمليات جديدة أولًا وينفرد بامتلاكه لأقسام تحمل بداخلها مجموعة من الكتب الإسلامية والعلاج بالقرآن وغيرها، وكان بداخله عدد من الأرقام والأشخاص كنت قد رأيتهم في المنتدى السابق ولكن كان بعضهم يظهر بصورة مختلفة إما عن طريق تغيير اسمه أو رقمه.


والموقع الثالث والأخير هو منتدى "كنوز" وهو عبارة عن منتدى متطور بمجرد الاشتراك فيه لا يمكنك أن ترى محتوياته سوى بعد قبول عضويتك ولكن من الممكن رؤية بعض محتوياته دون اشتراك، في ظاهره هو منتدى لبيع أجهزة تستطيع كشف الآثار تحت الأرض وكانت تلك معلومة جديدة وبمثابة خيط جديد من الممكن أن أصل لحل عن طريقه، حيث إننى لم أكن أعلم سوى طريقة واحدة لاستخراج الآثار وهى عن طريق مشايخ ودجالين، يمتلك هذا المنتدى أقسامًا أكبر في علوم الآثار وكيفية فك رموزها وكيفية استخراجها فمن الواضح أن القائمين عليه هم من أكبر خبراء الآثار.

وبعد يوم من التفحص قررت أن أبدأ من منافذ بيع هذه الأجهزة وأتعرف على هويتها.. وكيف تدخل مصر.. ومن المسئول عن دخولها وتسويقها بهذه الصورة.

وقتها قمت بكتابة "أجهزة كشف الآثار" على محرك البحث الشهير جوجل ووجدت كمًا هائلًا من الإعلانات عن شركات كثيرة في عدة دول عربية، فبدأت أجمع تلك الأرقام والمواقع الخاصة بهذه الشركات التي توجد في ليبيا ولبنان والأردن وقطر والمغرب ومصر.


وبدأت أتحدث مع كل منهم في إمكانية التعامل معهم وما هي كيفية الشراء، حيث كانت البداية مع شركة "جوردن ديتكتورز" وهى الشركة التابعة لدولة الأردن ودار بيننا محادثة بسيطة على الواتس أب أكدوا من خلاله أنهم غير معنيين بتوصيل الأجهزة لداخل مصر والاستلام سيكون في أسطنبول بتركيا، ومن الممكن أن أدفع الثمن بأسطنبول وستقوم الشركة الأم التركية بتوصيل الأجهزة إلى مصر، لكن لو أحببت أن أتعامل مع الشركة الأردنية فهم غير مسئولين عن دخول الأجهزة إلى بلدى.

علمت أن الفرع الرئيسي في الشرق الأوسط متواجد في تركيا وذلك بحكم أن تلك الأجهزة مصرح بها قانونًا هناك على عكس ما تجرمه قوانين البلدان التي تحوى بداخلها آثار، وبعد البحث اكتشفت أنها ليست شركة واحدة ولكنهما شركتان لكل منهما موزعه الخاص في كل دولة فالشركة الأولى هي "توب ديتكتورز" وتملك موزعين في كل من "الجزائر والمغرب وقطر ولبنان وليبيا واليمن"، أما الشركة الثانية وهى "اورينت ديتكتورز" وموزعوها في "السعودية والأردن والكويت وليبيا وتونس والمغرب العربى".


لم أستطع الوصول إلى تلك المعلومات إلا حينما تحدثت مع شركة "جوردن ديتكتورز" بالأردن والتي أوصلتني لشركتها الأم "أورينت ديتكتورز" وتحدثت بعدها مع الشركة القطرية " vip " ودار بيننا حديث مطول على برنامج الواتس أب للاتفاق على كيفية التعامل معهم وكيف أستلم الأجهزة، وعلى عكس موقف الشركة الأردنية أكدوا لى أنهم مسئولون على دخول الأجهزة إلى مصر بطرقهم الخاصة بالمطار وسأقوم أنا باستلامها داخل مصر وبيعها كيفما أشاء، وبعد تفكير قليل بدأت في العرض عليهم بأن أكون موزعًا حصريًا لهم ويتم التعامل معهم باستمرار على أن يكونوا مسئولين في دخول أي كم من الأجهزة إلى مصر دون تدخل منى نهائيًا، بالفعل وافقوا ولكن أخبروني أننى إذا أردت أن أكون موزعًا حصريًا فيجب أن أتحدث إلى الشركة الأم في تركيا وأخبروني عن شركة "توب ديتكتورز" كما ذكرت سابقًا وأعطوني الأرقام كى أتواصل مع الشركة الأم، استكملنا حديثنا سويًا والذي استمر لنحو ساعة كان أهم ما جاء فيه سؤالهم "إنت عاوز تكون موزع عادى ولا موزع حصرى؟" حيث إن الفرق بين الحصرى والعادى أن الأول له عدد من الأجهزة في العام الواحد يجب أن لا تقل مبيعاته عنها أما الثانى فيبيع كيفما يشاء حتى ولو قطعة واحدة في السنة، كما أخبرونى أن هناك الكثير من المصريين الذين أرسلوا للشركة طلبات للعمل كموزعين حصريين والأولوية لأسبقية الحضور لتركيا، كما اتفقوا معى أنه في حال الاتفاق النهائي سأتوجه إلى تركيا وسأحصل على دورة تدريبية هناك مدتها لا تقل عن يومين ولا تزيد عن 10 أيام حسب قدرة استيعابي وستكون هذه الدورة على حساب الشركة وإقامتي أيضًا ستكون في السكن الخاص مع الموظفين فأنا لن أتكلف سوى مصاريف سفرى فقط.


كما أنه تم الاتفاق بيننا على أنه في حال أن أصبح موزعًا لهم سيقومون هم فورًا بإخبار جميع زبائنهم في مصر ليتوجهوا إلىّ شخصيًا ويتم التعامل عن طريقي أنا فقط.

بعد انتهائي من الحديث معهم بحثت عن موقع الشركة الأم في تركيا وراسلتهم عبر الفايبر واتفقنا على كل ما تم الاتفاق عليه مع الشركة القطرية لأكون أنا الموزع الحصرى لهم في مصر في حال حضورى إلى تركيا في أقرب وقت، كما أخبرنى أن أول طلبية يجب أن لا تقل عن خمسة أجهزة أدفع ثمنها أثناء حضورى للدورة التدريبية وبعد اكتمال الدورة نتفق على كل البنود لأعود مرة أخرى إلى مصر وسيتم إرسال الأجهزة الخمسة إلى عنوانى الخاص بطرقهم الخاصة.. -على حد قوله.

وعلى الفور تحدثت مع الشركة الثانية "أورينت ديتكتورز" وفى الغالب تشابه حديثنا كثيرًا وفى النهاية طلبوا منى الاتصال مباشرة بالإدارة الرسمية هناك للاتفاق معهم على كل البنود قبل السفر.

تلك كانت الخطوة الأولى في كشف أول منفذ يقوم ببيع تلك الأجهزة داخل مصر ولكن ظل السؤال "من يقوم بترويجها وبيعها داخل مصر؟.. وهو ما سنكشفه الحلقة القادمة عن تورط شركات كبرى في تلك العمليات.