الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب: من البطالمة إلى الأقباط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدأ عصر الأقباط بنهاية حكم البطالمة وبداية حكم الرومان (عام 31 ق. م.) ولعل السؤال المهم هو إذا كنا نقول: إن كلمة "قبطي" تعني "مصري" فكيف نقول: إن هذه هي الحقبة القبطية ولماذا لا يطلق هذا على فترة الفراعنة؟ وهذا لأن كلمة "فرعون" من الكلمة القديمة "بر-عو" أي البيت الكبير. ومن هنا يكون الاسم مرتبط بحكم الفراعنة. 
أي أنه منذ سقوط البطالمة الذين حكموا باسم الفراعنة وصورتهم وطقوسهم لم تعد مصر تحت حكم الفراعنة ولكن ظل المصريون قديمًا وحديثًا هما الأقباط أو حسب التعبير الدارج Egyptian.
وبعد نهاية حكم البطالمة صارت مصر تابعة للإمبراطورية الرومانية فأصبح شعب مصر أي الأقباط يحكمهم الرومان (32 ق.م.) وبذلك انتهى عصر الفراعنة. 
فقد كانت مصر فرعونية الحكم حتى وقت البطالمة فحينما جاء الإسكندر إلى مصر شعر بانبهار بالحضارة، ودخل معبد أمون في الواحات وانحنى أمامه وطلب من كاهن المعبد أن يكون هو ابن أمون. وقد خرج وهو يشعر بأنه ابن أمون وتم تتويجه كفرعون حسب التقاليد المصرية وارتدى التاج الفرعوني وقبل العقائد المصرية.
وأوصى حينما يموت أن يدفن في مصر بجانب والده أمون. وأمر ببناء الإسكندرية التي صارت فيما بعد مركزًا عالميًا للمعرفة والحكمة وخاصة بعدما قام بطليموس الثاني بتكوين مكتبة الإسكندرية داخل معبد السيرابيوم المعبود الجديد الذي صنعوه البطالمة وهو عبادة توفيقية بين آلهة اليونان والفراعنة. وقام "مانيتون" الكاهن المصري بترجمة ما وجد في مكتبات المعابد الفرعونية وعمل نسخة منها يونانية وقد كتب "مانيتون" تاريخ الفراعنة وهو المرجع الهام الذي يخبرنا بأسماء الملوك الفراعنة وتاريخهم.
وصارت الإسكندرية جامعة ثقافية وكانت تجمع بين أجناس مختلفة مصريون ويونان وعرب ويهود وفينيقيين وقد زارها مؤرخ يوناني اسمه "بوليبوس" عام (116 ق. م.) وقال: "المدينة يسكنها ثلاثة أجناس مواطنون مصريون وهم جنس ذكي متحضر، وجنود مرتزقة وإسكندريون أجناس مختلطة".
وبعد موت الإسكندر حكم البطالمة مصر بروح فرعونية إلا أنهم قد أصبحوا في حالة ضعف شديد مع بداية ظهور قوة الإمبراطورية الرومانية التي كانت كعادة كل القوى العالمية قديمًا وحديثًا أن تهتم بالسيطرة على مصر لأنها هي قلب العالم وعامل قوي في تاريخ البشرية. وإن كانت مصر في هذه الفترة لها ثقل اقتصادي قوي بجانب ثقلها السياسي والحضاري، فقد كانت مصر هي سلة غلال العالم وحقول مصر من أهم مصادر الغذاء. 
وقد حاولت روما منذ أن صارت قوية التدخل في مصر. وما أشبه الليلة بالبارحة فهذه القوى الجديدة كانت تريد استعمار مصر فبدأت بالهيمنة السياسية ولكن مع ضعف حكم البطالمة تدخلت عسكريًا إلى أن أصبحت مصر تابعة لروما.
وبدأت قصة النهاية حين ذهب بطليموس الثاني عشر إلى روما طالبًا منها الاعتراف به لأنها ادعت كذبًا أن سابقه الحادي عشر الذي حكم عشرون يومًا قد أرسل وصية أعطى فيها حكم مصر للرومان. وقد دفع بطليموس الثاني عشر رشوة مالية باهظة كي تعترف به روما وبعد وفاته عام (51 ق.م.) أوصى بحكم مصر لابنته الشهيرة كليوباترا البالغة من العمر ثمانية عشر سنة وأخيها الأصغر بطليموس الثالث عشر.
وبعد فترة انفردت كليوباترا بالحكم فجمع أخيها جيشًا يسانده الإسكندريون ليطرد أخته التي فرت إلى الحدود الشرقية وجمعت جيشًا من البدو وبدأت تزحف إلى الإسكندرية لاسترداد عرشها وكان في ذلك الوقت صراع على الحكم بين الإمبراطور الروماني "بيمبوس" و"يوليوس قيصر". وأنهزم "بيمبوس" وهرب إلى مصر التي كانت تربطه صداقة قوية بحكامها أملًا منه في مساعدته في استعادة عرش روما ولكن بطليموس أمر أحد الضباط بقتله على سواحل مصر حتى لا تكون زريعة للقيصر أن يغزوا مصر. 
وجاء يوليوس قيصر إلى الإسكندرية وقد وجد الصراع على العرش وتدخل في حسم هذا الصراع إلا أن كليوباترا زارته في قصره في الإسكندرية واستطاعت أن تجذبه بجمالها وهام في غرامها فوقف بجانبها وحارب أخيها حرب ضارية انتهت بموته وإعلان كليوباترا ملكة على مصر عام 47 ق.م. وفي العام التالي ذهبت إلى القيصر وعاشت معه في قصره مدة سنتين أنجبت منه ابنها سمته "قيصرون" من علاقة غير شرعية. 
وكانت مكروهة جدًا من كل رجال روما وحكماؤها حتى أن "شيشرون" الفيلسوف قال بصراحة في إحدى رسائله: "أني أكره الملكة" وكانت هي أحد الأسباب الهامة التي جعلت خصومه يجتمعون ضده لقتله لأنهم خافوا من أن يحكم روما قيصرون وكليوباترا وتصير روما تابعة لمملكة مصر. فاغتالوا يوليوس قيصر.
وبدأ مرحلة الصراع بين أوكتافيوس بن يوليوس قيصر بالتبني ومارك أنطونيوس قائد الفرسان وانتهت بتقسيم الإمبراطورية ولايات شرقية لأنطونيوس وغربية لأوكتافيوس. وتزوج أنطونيوس بأخت أوكتافيوس. وبدأت كليوباترا ترمي شباكها على أنطونيوس لتثبيت عرشها في مصر الذي هام بها غرامًا هو أيضًا ولأجلها ترك أخت أوكتافيوس. وبدأت حروب وصراعات انتهت بهزيمة أنطونيوس، وحينما سمعت كليوباترا بهذا انتحرت وانتحر بعدها أنطونيوس عام 30 ق.م. وبالرغم من موتها ولكن كان العالم كله يدرك قوة هذه المرأة حتى أن "إيدرس بل" يقول: "اثنين أذلا روما وجعلا أنفها في التراب حنعبل القائد الفينيقي وكليوباترا ملكة مصر".
وبموتها وقتل ابنها قيصرون انتهى عصر الفراعنة الحكام وتحولت مصر من دولة مستقلة لها حاكم يجلس على عرش الفراعنة إلى ولاية رومانية تابعة لإمبراطور روما يفعل بها وبشعبها كيفما شاء. وبدأت مصر تزرع لروما، وتنتج لروما، وفُرضت آلهة روما لطمس الهوية المصرية وشيدت المعابد الوثنية واستخدم المعابد اليونانية البطلمية في العبادة الجديدة، وفرضت الجزية والضرائب على كل الشعب.
وبدأ عصر الأقباط أي المصريين الذي ليس لهم فرعون، وبالرغم من هذا لم يستطيعوا أن يمحو هوية المصريين ولا عقيدتهم ولا عاداتهم بل ظلت الهوية المصرية والشعب المصري عنصر فعال في التاريخ والحضارة.