الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا مكاريوس يعظ.. سر احتفال الكنيسة في عيد الشهداء بالألحان المفرحة

الانبا مكاريوس
الانبا مكاريوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في رسالته لعيد النيروز اليوم الثلاثاء كتب الأنبا مكاريوس عن سر احتفال الكنيسة بعيد الشهداء بالألحان المفرحة، قائلا: "عجيب أن يرتبط عيد النيروز بالفرح والاحتفالات واللحن الفرايحي وكسر الصوم، والاحتفال هو أقرب ما يكون للقيامة والخمسين، حيث كلاهما مرتبط بالنصرة: نصرة المسيح على الموت، ونصرة الشهداء على الموت، وكان سر نصرتهم هو القيامة، فالقيامة هي السر خلف محبة المسيحيين للاستشهاد والاستخفاف بالموت. ومع أن الشهيد يُقتل ويموت، ولكن المسيح قد قام، وهكذا فقد أعطى الشهيد أن يقوم من بعد الموت، وكما مات المسيح وقام، هكذا الشهداء يؤمنون بالقيامة من الأموات".
وأضاف الأنبا مكاريوس: أمّا نحن، فإننا نحتفل بهم لأنهم جازوا الاختبار بنجاح، لأنهم انتصروا، لأنهم شهدوا للمسيح وكانوا أمناء حتى الموت، لأنهم نالوا إكليل الشهادة، ولأنهم غلبوا فقد كافأهم الله: «مَنْ يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة، ولا يؤذيه الموت الثاني، ويأكل من المن المخفى ويأخذ حصاة بيضاء ويعطيه سلطانًا على الأمم، ويلبس ثيابًا بيضًا، ولن يُمحى اسمه من سفر الحياة. ويعترف باسمه أمام الله وأمام ملائكته. ويجعله عمودًا في هيكل الله. ويجلس مع الله في عرشه.ثم مَنْ يغلب يرث كل شيء» (رؤيا ٢١: ٧).لقد كانوا يكتبون على أيقونة المسيح المصلوب "بي اتشرو" وفي اليونانية "ني كا" (أي الغالب)، وصارت علامة الـ"ني" (v) في اليونانية هي علامة النصرة المُستخدمة حتى الآن في جميع ثقافات العالم، وهكذا يُكتب لكل شهيد وشهيدة "بي اتشرو". نعم لقد غلبوا الضعف البشري، غلبوا الإغراء والإطراء من الحاكم، غلبوا الخوف من العذابات، غلبوا التشكيك الذي وُوجِهوا به، غلبوا السلطة الزمنية، وتفوقت الأعضاء المضروبة والممزقة على الآلات الجهنمية التي ضربتها ومزقتها، وليس أدلّ على ذلك من السيوف التي ثلمت من كثرة القتل، فما كان من الفلاحين الثلاثة إلا أن قدموا فؤوسهم للجنود ليقتلوهم بها. ألا تُحسَب "بطولة" أن يغلب شخص ضعيف آلة الهمبازين الرهيبة، وسلخ الجلد، ووضع الجير الحي على الجراحات، وتمشيط الجسد، والسحل على الأرض؟ ليس الرجال فقط، بل والنساء أيضًا تعرضن لمثل ذلك... لقد خرج الشهيد مثل سيده غالبًا ولكي يغلب. ألا تتألم المرأة وهي تتمخض لتلد؟ ولكنها أن ان تلد حتى تنسى الألم وتفرح؛ وهكذا الشهداء يولودون من رحم العذابات المتنوعة أعظم من منتصرين. هناك من قُتلوا مرة واحدة، وهناك من عُذِّبوا حتى الموت فكانوا معترفين وشهداء. ونحن لا نتعجب عندما نمر بأيقونات الشهداء في موكب النصرة الذي تقيمه لهم الكنيسة في أعيادهم، وفي النيروز لجميع الشهداء.. كيف يصفق الشعب، وتزغرد النساء، ويقفز الأطفال متهللين فرحين، ويتسابق الجميع للتبرُّك من الرفات. ورُبّ قائل يقول: إنهم يحتفلون بهم وهم لا يعرفونهم، فيهللون للمناسبة وليس للشخص ذاته.. ولكن مهلًا فإن الشهداء الجدد استقبلهم ذووهم -ومنهم أمهات وآباء وإخوة وزوجات وأبناء- بالفرح والتهليل، منهم شهداء العور وشهداء دير الأنبا صموئيل، وشهداء الفكرية وغيرهم... انظروا كيف احتضنت سيدة رفات شهداء دير الجرنوس ومنها ابنها، وكيف تم استقبال شهداء ليبيا في العور، وغيرهم... ونحن نحمل الأجساد أو الرفات على أكتافنا وأيدينا بفخر، تلك الأجساد التي قبلت العذابات من أجل المسيح، وهي تحمل -أي هذه الذخائر- سمات الرب يسوع. إنه شعب واعٍ لما يفعله، ولا يسلكون بدافع عرقي أو قبلي. لقد كان الرب وملائكته يظهرون للشهداء وهم تحت العذاب ليعزوهم، هكذا قال الرب: «سأراكُمْ أيضًا فتفرَحُ قُلوبُكُمْ، ولا يَنزِعُ أحَدٌ فرَحَكُمْ مِنكُم» (يوحنا ١٦: ٢٢).
على جانب آخر، وفيما يخصنا نحن الذين ما نزال في الجسد، لقد تسلمنا كيف نفرح في الضيق «وليس ذلكَ فقط، بل نَفتَخِرُ أيضًا في الضّيقاتِ، عالِمينَ أنَّ الضّيقَ يُنشِئُ صَبرًا» (رومية ٥: ٣). لقد خرج الرسل بعد أن تم جلدهم فخورين «وأمّا هُم فذَهَبوا فرِحينَ مِنْ أمامِ المَجمَعِ، لأنَّهُمْ حُسِبوا مُستأهِلينَ أنْ يُهانوا مِنْ أجلِ اسمِهِ» (أعمال ٥: ٤١). وبشكل عام يقول القديس يعقوب «اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ» (يعقوب ١: ٢)، وقال الرب لنا: «طوباكُمْ أيُّها الباكونَ الآنَ، لأنَّكُمْ ستَضحَكونَ» (لوقا ٦: ٢١). الشهداء أنفسهم كانوا يحوّلون مواكبهم إلى مواكب عرس، يرتدون أجمل الثياب، وينشدون ويسبحون طوال الطريق، لدرجة أن الناظرين والمارة كانوا يتعجبون من هؤلاء الناس الذين يجدّون في المسير، ومعهم نساء وأطفال، مما كان له الأثر القوي على الكثير من الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بسبب هؤلاء المقبلين على الاستشهاد، فلو لم يكن هؤلاء على يقين من مصيرهم، وعلى يقين ممن آمنوا به، لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك، بل وصاروا أعظم من منتصرين «لهذا السَّبَبِ أحتَمِلُ هذِهِ الأُمورَ أيضًا. لكنني لَستُ أخجَلُ، لأنَّني عالِمٌ بمَنْ آمَنتُ، وموقِنٌ أنَّهُ قادِرٌ أنْ يَحفَظَ وديعَتي إلَى ذلكَ اليومِ» (٢تيموثاوس ١: ١٢). بل لقد أطلق على عصر الاستشهاد عصر العرس السمائي، فقد قدم المسيح العريس دمه عن عروسه الكنيسة على الصليب، وهنا تقدم العروس الكنيسة دمها عن عريسها. هذا وقد رتبت الكنيسة المرتشدة بالروح القدس، أن تكون الفترة من النيروز للصليب فترة أفراح واحتفالات، لأن الشهيد إنما قد وضع الصليب نصب عينيه متمثلًا بسيده، عالما أنه بدون صليب ليست هناك قيامة، حتى يأتي عيد الصليب ونحتفل فيه بأروع ألحان الكنيسة كلها، وهو اللحن الشعانيني.
ومنذ العصور الأولى والكنيسة تكرم أجساد الشهداء، وتضمّخها بالعطور إكرامًا لها، ودلالة على أنهم صاروا رائحة المسيح الزكية، وكانت تسهر طوال الليل حولها في تسابيح وصلوات، وتختتم الاحتفال عند الفجر بالإفخارستيا والتي هي مصدر الفرح ودواء الخلود، في توقيت قيامة الرب من الأموات.