الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: جرائم الحسد في الكتاب المقدس

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس، التى كانت تعانى انقسامات وتحزبات كثيرة، يذكر الرسول بولس أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تلك الانقسامات، هو الحسد. لهذا يكتب لهم بلهجة قاسية قائلا، «فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسدين وتسلكون بحسب البشر» (1كورنثوس 3: 3). أوجز الفيلسوف اليونانى سقراط، نتائج الحسد على الإنسان والمجتمع، فقال: «الحسد هو أب الكبرياء، ومسبّب القتل والثأر. إنه مصدر التمرّد الخفي. إنه المعذّب الأبدى للفضيلة». يحفظ الكتاب المقدس سجلا، بالآلام والجرائم، التى سبّبها الحسد والغيرة، تختصر كل الظلم والآلام والجرائم التى نراها فى العائلة الواحدة والمجتمع فى يومنا هذا. أذكر منها ثلاثًا: 
1- جريمة قتل قايين لأخيه هابيل، وهما أولاد آدم وحواء، العائلة الأولى فى التاريخ البشري، إذ إن قايين لم يستطع أن يتحمّل بأن يكون هناك شخص آخر حتى لو كان أخاه، مقبولا من الله أكثر منه؛ لأنه كما تقول القصة، إن الله نظر إلى تقدمة هابيل من أبكار الغنم، ولم ينظر إلى تقدمة قايين من ثمار الأرض. (تكوين 4: 1-8). 
2-جريمة بيع أولاد يعقوب لأخيهم يوسف. تذكر القصة، أن أولاد يعقوب، خدعوا والدهم وكذبوا عليه موهنينه، بأن وحشا رديئا افترس أخيهم الصغير يوسف، إلا أن حقيقة الأمر أنهم باعوه إلى قافلة الإسماعيليين التى كانت متوجهة إلى مصر، علّهم يتخلّصوا منه نهائيا (تكوين 38)، وسبب ذلك، أنهم لم يستطيعوا أن يحتملوا فكرة أن يكون لأخيهم الصغير يوسف، مكانة مميزة فى قلب أبيهم أكثر منهم. «رؤساء الآباء حسدوا يوسف وباعوه إلى مصر وكان الله معه» (أعمال الرسل 7 19). وهكذا نرى أن خطيئة الحسد والغيرة تولّد الحقد والكذب والخداع وبيع الناس لبعضهم البعض، حتى لو كانوا إخوتنا.
3-جريمة حيك رؤساء الكهنة والكتبة اليهود، مؤامرة القبض على المسيح وتسليمه إلى السلطات الرومانية للمحاكمة. يذكر البشير مرقس سرا أفصح عنه بيلاطس البنطى أثناء محاكمة المسيح، يتعلق بسبب رئيسى لتسليم المسيح، ألا وهو الحسد، «لأنه (بيلاطس) عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسدا» (لوقا 15: 10). كما يخبرنا إنجيل يوحنا، أنه عند دخول المسيح إلى أورشليم استقبله جمعا كبيرا، فانزعج الفريسيون من تزايد شعبية ومحبة الناس للمسيح مقابل انخفاض شعبيتهم ومحبة الناس لهم، فقالوا لبعضهم البعض «انظروا إنكم لا تنفعون شيئا، هو ذا العالم قد ذهب وراءه» (يوحنا 12: 19). وبالتالي، فرؤساء الكهنة والفريسيون أسلموا المسيح، لأنهم لم يستطيعوا أن يحتملوا فكرة وجود قائد آخر يربح محبة وثقة الناس أكثر منهم فأزالوه من طريقهم. وهكذا نرى الحسد وراء الكثير من المؤمرات والمحاكمات والجرائم التى تجرى اليوم فى العالم. 
تذكر أسطورة قديمة، عن راهب متعبد حاول أعوان إبليس إسقاطه فى الخطيئة، بشتى أنواع التجارب: من تجربة الشهوة إلى تجربة الشهرة إلى تجربة الشك، فلم يفلحوا بذلك. عندها ذهبوا إلى رئيسهم إبليس، ناقلين له صعوبة إسقاط ذلك الراهب فى التجربة. فما كان من إبليس إلا أن أجاب قائلا: «أنا أعرف كيف أسقطه»، فذهب إليه وهمس فى أذنه عبارة واحدة، قائلا «هل سمعت الأخبار بأن زميلك الراهب، قد نصبّ أسقفا على الإسكندرية، فامتلأ الراهب حسدا، وقال، «لماذا لست أنا؟»، وهكذا كان ذلك الخبر كافيا لإسقاطه. 
يخبرنا كاتب سفر الأمثال، عن طريقة مواجهة الحسد، فيقول: «لا يحسدّن قلبك الخاطئين، بل كن فى مخافة الرب اليوم كله» (أمثال 23: 17). وكأنه يقول لنا، نواجه الغيرة والحسد عندما نعيش فى الإيمان، عندما نعيش فى المحبة، عندما نعيش فى مخافة الرب، ليس مؤقتا وإنما اليوم كله، وكل أيام الحياة. وفى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، والذى هو أنشودة المحبة، يدعو أعضاء الكنيسة إلى التخلص من الحسد بالمحبة، قائلا لهم: «المحبة لا تحسد» (1كورنثوس 13: 4). قال القديس توما الأكويني: «الحسد يفرح فى آلام الآخرين، بينما المحبة تفرح فى خير الآخرين».