البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

40 يومًا على حرب السودان.. حكايات من دفتر الدمع والألم يرويها الأطباء لـ«البوابة نيوز»

حرب السودان
حرب السودان

بين قصف وقنص غاشم أهوج؛ دخلت العاصمة السودانية الخرطوم الأسبوع السادس على التوالى من الاشتباكات المسلحة والمناوشات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ وسط تجاهل متعمد لدعوات إنسانية بحتة لوقف إطلاق النار؛ واختراق الرصاص لهدن هشة بين لحظة وأخرى؛ يئن الملايين من المرضى والحوجة الإنسانية تحت أزيز الطائرات وطلقات البنادق التي لا تفرق بين عليل وسليم؛ فمن لم يمت بالبارود أفنى المرض حياته.

رغم الأوضاع المتردية والمتأزمة التي كان يعيشها القطاع الطبى والصحى فى السودان منذ سنوات؛ جاءت الحرب لتزيد من «الطين بلة»؛ تزامنا مع نزوح الأطباء وارتفاع تكاليف العلاج لأثمان باهظة، واختفاء المستلزمات الطبية وصعوبة وصولها للمستشفيات إن وجدت؛ ما فتحت المعارك الباب أمام المتاجرة بأوجاع وآلام المرضى، لتُصبح الحياة فى السودان مرهونة للبيع بأعلى سعر. 

40 يوما على حرب السودان 

الدكتورة هويدا الحسن.. تسرد  لـ«البوابة» كواليس الدمع والألم


الدكتورة هويدا أحمد الحسن، استشارى النساء والتوليد بمستشفى ألبان جديد شرق النيل بولاية الخرطوم، روت فى حديثها لـ«البوابة نيوز» كواليس من دفتر حكايات «الدمع والألم»؛ على مدار أكثر من شهر منذ اندلاع الاشتباكات، مؤكدة أن الأوضاع الصحية فى الخرطوم سيئة للغاية، فكل يوم يمر يزداد الوضع سوء عن اليوم المنقضي، فالطرق غير آمنة للوصول إلى المستشفيات وسط تزايد الحاجة الملحة للأطقم الطبية في ظل نقص واختفاء المستلزمات الطبية والعلاجية وارتفاع ثمنها.

وتسرد الحسن قائلة: «ثانى أيام الاشتباكات المسلحة أجبرنا فى منطقة شرق النيل بالخرطوم على إعادة فتح مستشفى ألبان جديد لاستقبال الجرحى والمصابين نظرا للارتفاع غير المسبوق فى الأعداد بين العسكريين والمدنيين؛ إلا أن ندرة الكوادر الطبية كانت أزمة جديدة تضاف لأزمات نقص المستلزمات والأدوات والعلاج، وزيادة أسعارها لأرقاما باهظة الثمن-إن وجدت- مع استمرار انقطاع الماء والكهرباء بشكل شبه كامل؛ فأطلقنا نداءات عاجلة بضرورة وسرعة استجابة الكوادر الطبية القريبة من مستشفى ألبان جديد للمساعدة فى إنقاذ حياة الآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة ومصابى الحرب».

النداءات العاجلة والتى انتشرت بكثافة عبر مواقع التواصل لقيت استجابة، وحضر عديد من الكوادر الطبية ممرضين وفنيين تخدير، ودشنت الأحياء لجان شعبية من المدنيين المتطوعين لخدمة المرضى وأصحاب الحوائج، والذين سطروا ملحمة بطولية وكانوا عاملا هاما فى استمرار تقديم الخدمة للمرضى والمصابين، فتم توفير الطعام والشراب والإمدادات الطبية رغم نقصها؛ بينما واصل الطاقم الطبى فى المستشفى- وهو ضئيل جدا بالنسبة لأعداد المرضى والمصابين- استقبال المرضى وإجراء العمليات والإسعافات اللازمة.

أطباء مستشفى ألبان جديد في السودان 

ارتفاع تكلفة الولادة القيصرية لأرقام باهظة فى المستشفيات الخاصة

مر الأسبوع الأول من الاشتباكات؛ على أمل أن تهدأ الأوضاع ولكن ازدادت سوء وبات المسؤولية الطبية أكثر تعقيدا؛ فى خضم زايد المرضى والمصابين وتوافد السيدات الحوامل الذين لم يجدوا المستشفيات الحكومية لمتابعة حملهن، وهو الأمر الذى زايد من ثقل المسؤولية الطبية حتى باتت غرفة العمليات تعمل على مدار الـ 24 ساعة متواصلة دون توقف؛ بل وصل الأمر إلى فتح غرفة عمليات أخرى، بسبب زيادة أعداد عمليات الولادة القيصرية والتى ارتفعت تكاليفها لأرقام باهظة الثمن فى المستشفيات الخاصة.

وأكدت أن النساء وأرباب الأسر باتوا عاجزين عن تحمل التكاليف؛ فأجبرتنا الإنسانية من ناحية والمسئولية الطبية من ناحية أخرى، على إنقاذ حياة الحوامل اللواتى كدن أن يلقين حتفهن بسبب صعوبة إجراء العمليات القيصرية؛ وأجرينا عددا كبيرا من عمليات الولادة القيصرية رغم سوء الأوضاع المزرية.

ولادة قيصرية في زمن الحرب

 نجرى العمليات الجراحية بمساعدة فنى تخدير فى ظل عدم وجود أخصائى تخدير

عن كواليس إجراء العمليات الجراحية فى زمن الحرب؛ رغم ضعف الإمكانات وندرة الكوادر الطبية ونقص المستلزمات والأدوية وارتفاع ثمنها؛ تضيف عضو منظمة أطباء السودان من أجل حقوق الإنسان، قائلة: تحملنا الكثير من المخاطر؛ وكنا نجري العمليات الجراحية بمساعدة فني تخدير فى ظل عدم وجود أخصائى تخدير؛ كما أن تعقيم المرضى وغرفة العمليات والأدوات لم يكن يتم بالطرق المحددة نظرا لكثرة العمليات الحرجة، فكنا نسرع فى التعقيم لإنقاذ حياة مرضى يطاردهم الموت فى كل لحظة؛ أما أعداد الجرعات والمضادات الحيوية التى كان لابد أن يتجرعها المرضى لم تكن تتم بالصورة المطلوبة، للنقص الحاد فى الدواء والمستلزمات الطبية.

اقرأ أيضًا: 

صحة السودان تكشف لـ«البوابة نيوز» تفاصيل اعتداء «الدعم» على مستشفى وطرد المرضى

 

لا نعرف الراحة ونعمل على مدار الـ 24 ساعة.. والنوم ساعتين جالسين على الكرسى

وتواصل الطبيبة حديثها مع «البوابة نيوز» عن أيام الدمع والألم فى زمن الحرب: «رغم كل المخاطر التى كانت تواجهنا أثناء عملنا فى المستشفى؛ إلا أن أكبر المشكلات والتحديات والعقبات التى كادت أن تفتك بنا على مدار الشهر الأول من الحرب، هى قلة وندرة الكوادر الطبية؛ وهو الأمر الذى أرغم كل الطاقم الطبى للمكوث فى المستشفى لنحو أكثر من 30 يوما على التوالى لم نعرف فيها الزمن ولا الوقت ولا الراحة، حتى إن قسط النوم كان لا يتخطى الساعتين على مدار الـ 24 ساعة». مُتابعة «كنا ننام ونحن جالسين على الكرسى.. لا مجال للراحة ولا حتى التفكير فى أسرنا.. فكنا نخوض حربا ضروسا نصارع فيها شبح الموت الذى يطوف فوق الرءوس».

وأكدت أن الفرد الواحد فى الأطقم الطبية، كان يقوم بعدة وظائف، فأنا كطبيبة جراحة أجرى العملية برفقة فنى تخدير فقط؛ وأنا أيضا أقوم بوظيفة محضر العملية ومساعد العمليات وجراح العملية، أما الممرض كان يعقم وينظف غرفة العمليات ويغسل ويعقم المعدات، وهو أيضا من يحضر الطعام ويمرض الأشخاص «الفرد الواحد من الأطقم الطبية كان لديه العديد من الوظائف المتعددة فى الوقت ذاته».

لا نعرف الراحة ونعمل على مدار الـ 24 ساعة - أطباء السودان 

وتستطرد عضو منظمة أطباء السودان: «قبل حرب السودان، كان مستشفى ألبان جديد، يعمل فى جميع التخصصات النساء والتوليد والأطفال والباطنة والأسنان والعيون؛ ولكن بعد اندلاع الاشتباكات أصبح المستشفى يجرى عمليات الجراحة الطارئة والعمليات القيصرية؛ وبات أصحاب الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية والكلى يأتون للمستشفى، ولكن للأسف لا يجدون العناية والمتابعة اللازمة لعدم وجود الكوادر الطبية المتخصصة، وهو الأمر الذى كان غصة فى الحلق رغم الألم الذى نعيشه».

«نحن كأطقم طبية عجزنا عن تقديم الخدمة لأصحاب الأمراض المزمنة رغم تألمهم فى ظل تزايد أعداد المصابين والجرحى بسبب الحرب وتضاؤل المعونات الطبية وصعوبة وصولها للمستشفى وانقطاع الكهرباء واختفاء الوقود نهائيا؛ حتى أن الكوادر الطبية التى كانت تسكن على مقربة من المستشفى، عجزت عن الحضور بسبب اختفاء الوقود؛ إلى جانب شح الطعام وصعوبة الحصول على الماء».

اقرأ أيضًا: 

السودان.. أزمات بعضها فوق بعض| الصليب الأحمر لـ«البوابة نيوز»: مواد الإغاثة حبيسة بورتسودان.. والصحة تعمل في ظروف مُستحيلة (فيديو)

العمليات الجراحية تجرى على ضوء «كشافات الموبايلات»

وعن أصعب الحالات التى وردت إلى المستشفى فى الشهر الأول من الحرب، تقول الطبية التى ذاع سيطها بين السودانيين فى أيام الحرب بسبب مجهودها برفقة زملائها الأطباء: «فى إحدى الليالى اشتدت المعارك وباتت أصوات الرصاص وأزيز الطائرات يملأ السمع، وإذا بأصوات استغاثة قوية تدوى فى طوارئ المستشفى لإنقاذ سيدة تضع مولودها فهرع عدد من الممرضين والفنيين خارج المستشفى لمساعدتها».

وتابعت: «لكن الوقت كان ضيق للغاية تزامنا مع طلق الولادة، ولم يتمكنوا من إدخالها للمستشفى؛ ولكن تمت ولادة السيدة داخل إحدى السيارات على أعتاب المستشفى بمساعدة ممرضين وفنيين لا علاقة لهم بقسم النساء والتوليد، وهنا تبدلت لحظات الخوف والهرع لفرح بإنقاذ مولود وأمه رغم المصاعب».

عمليات جراحية تجرى على ضوء «كشافات الموبايلات»

وتكمل قائلة: «لم تكن ولادة سيدة داخل سيارة زوجها على أعتاب المستشفى أصعب الحالات؛ ولكن كانت هناك عملية جراحية أخرى هى الأصعب على الإطلاق ولم نجرى مثلها من قبل؛ ففى إحدى العمليات الجراحية لولادة قيصرية؛ انقطعت الكهرباء أثناء العملية؛ وكانت السيدة توشك على الموت؛ ولكن استكملنا العملية بواسطة كشاف الموبايلات وبالأخير تمكنا من إنقاذ السيدة ومولودها».

وعن لحظات الفرحة التى ملأت القلوب رغم الحزن والألم والحسرة؛ تقول الحسن، إنه أثناء إجراء إحدى العمليات القيصرية بقسم النساء والتوليد، توقف قلب الأم؛ وكانت تحمل توأمين، ولم يكن أمامنا خيار سوى سرعة إنقاذ التوأمين أولا والتضحية بالأم؛ وفى ظرف ثوان معدودة استطعنا أن نخرج الطفلين من بطن الأم؛ ولكن الحظ وتوفيق الله كان حليفنا، فبعد إخراج التوأمان بدأنا محاولات إنعاش قلب الأم، وكلل الله جهودنا بعودة الأم للحياة مرة أخرى، تلك كان أصعب وأسعد المواقف التى مررت بها فى حياتى المهنية والطبية.

نعيش أوضاعا صعبة ومأساوية لا يتخيلها عقل

وبعد مرور أكثر من شهر على حرب السودان، تختتم استشارى النساء والتوليد بمستشفى ألبان جديد، حديثها مع «البوابة» قائلة: نعيش أوضاعا صعبة ومأساوية لا يتخيلها عقل؛ فالمرضى يموتون بسبب الأمراض ونقص العلاج وغلائه وليس الرصاص؛ وأصبح مرض الكلى والسرطانات الأكثر تضررا لتعثر وصولهم للمستشفيات؛ وأضحى الموت يحيط بنا من كل جانب، معبرة عن أوجاع ومشقة معيشتهم فى زمن حرب، بقولها: «إن تقصفنا  دانة.. سيكون أهون وأرحم من العذاب الذى نعيشه».

برنامج الأغذية العالمي: قلقون من تطور الصراع في السودان لمناطق حدودية.. والنزاع هناك يُمكن أن ينتهي بأزمة إقليمية


طبيب الباطنة والعناية المكثفة عباس حمزة يسرد لـ«البوابة» كواليس الدمع والألم في زمن الحرب 

ومع دخول الاشتباكات فى السودان أسبوعها السادس، يسرد طبيب الباطنة عباس حمزة لـ«البوابة» كواليس من دفتر الدمع الألم في زمن حرب السودان، مؤكدًا تأثر القطاع الصحى فى السودان وتحديدا بالخرطوم بقسوة لا يتخيلها عقل، ولكن التأثير الأكبر كانت بسبب صعوبة وصول الكوادر الطبية للمستشفيات وترتب عليه نقص حاد فى الأطقم الطبية وخروج الكثير من المستشفيات عن الخدمة الطبية؛ ناهيك عن استمرار انقطاع التيار الكهربائى واعتماد المستشفيات على مولدات الكهرباء.

أزمة الوقود وارتفاع أسعاره أجبرت المستشفيات على الإغلاق

وأوضح، أنه رغم ذلك، أجبرت أزمة الوقود وارتفاع أسعاره عدد من المستشفيات على إغلاق أبوابها نهائيا، فيما لا يزال 12 مستشفى فقط يقدم الخدمة فى شتى ربوع ولاية الخرطوم بمدنها الثلاثة بعد إغلاق نحو 85 مستشفى؛ وهو فى حد ذاته كارثة تزيد من أعباء والضغوط الهائل على الكادر الطبى.

الطبيب الذى يمكث داخل عناية مكثفة بإحدى المستشفيات فى الخرطوم لأكثر من 30 يوما على التوالى، يضيف قائلا إن أعمال القصف والقنص المستمرة، تسببت فى حركة نزوح كبيرة للكوادر الطبية خارج ولاية الخرطوم؛ فتغير آليات عمل الكوادر الطبية وأصبح صعبا للغاية «العمل شيفت أونبطشية»؛ وبات العمل متواصل ليل نهار دون توقف ودون خروج من باب المستشفى، ولا نعرف متى سينتهى العمل لكثرة تردد المرضى والمصابين على المستشفى؛ منذ اندلاع الحرب فى منتصف أبريل المنصرم.

اقرأ أيضًا: 

برنامج الأغذية العالمي لـ "البوابة نيوز": قلقون من تطور الصراع في السودان لمناطق حدودية.. والنزاع هناك يُمكن أن ينتهي بأزمة إقليمية.. فيديو

الدواء يباع بأعلى سعر فى السوق السوداء بعد توقف الإمدادات الطبية 

وعن نقص الإمدادات الطبية وارتفاع أسعارها واختفاؤها، يؤكد الطبيب صاحب الـ 30 ربيعا، أن نقص الإمدادات الطبية باتت أكثر الأزمات التى تعصف باستمرار العمل الطبى فى الخرطوم، لصعوبة وصول الإمدادات الطبية لمستشفيات، بعد السيطرة العسكرية على المستودع الرئيسى للإمدادات الطبية فى الخرطوم، ما أدى لارتفاع غير مسبوق فى أسعار المستلزمات والعلاج، وصعوبة توفرها بسبب ندرة السيولة المالية نظرا لإغلاق البنوك أبوابها وتوقف برامج تحويل الأموال بسبب الحرب، كل هذه الأمور فتحت الباب أمام تجارة الأدوية فى السوق السوداء مما تسبب فى ارتفاع أسعارها، لافتا إلى أن أسطوانات الأكسجين التى تورد للمستشفيات، اضطرت شركات التعبئة لزيادة ثمنها وذلك نظرا لانعدام الوقود وارتفاع أسعاره.

الحرب خلقت ندرة في الدواء والمستلزمات والفحوصات الطبية

وردا على سؤال «البوابة» بشأن كيفية مواصلة العمل فى المستشفيات رغم قلة ونقص المستلزمات الطبية وارتفاع أسعارها؛ أجاب «حمزة» قائلا: «نعتمد على ما تبقى من المخزون لدى صيدليات المستشفيات والمخازن، والتى أوشكت على النفاذ؛ إلى جانب الواردات الضعيفة التى يمكن التحصل عليها سواء من مستشفيات أخرى أوصيدليات أوالسوق السوداء، ولكن مع الأسف فإن الحرب خلقت ندرة من المضادات الحوية والمستلزمات والفحوصات الطبية بشكل غير مسبوق».

مرضى في مستشفيات السودان 

وحول معاناة الحوامل فى زمن الحرب، يقول حمزة، إن العمل بقسم النساء فى المستشفى مستقر إلى حد ما، نظرا لوجود أخصائى نساء وتوليد؛ ولكن الأزمة الكبرى تكمن فى صعوبة وصول الحوامل للمستشفى بسبب الحرب، وإن تمكن من الوصول يكون وصلهن متأخر للغاية؛ وفى أغلب الأحيان يلدن فى البيوت ولكن يصبن بمضاعفات شديدة وقد يصلن للمستشفى فى مراحل متأخرة بسبب إصابتهن بنزيف حاد وهبوط، وللأسف كثر من هن يتوفون؛ مشيرا إلى أنه قبل الحرب كان للنساء خيار الذهاب لأقرب مستشفى حكومى للحصول على الرعاية الأولية مجانا؛ ولكن فى زمن الحرب بات هذا الخيار غير متاح تقريبا لكل السيدات والحوامل.  

الأطباء يُجازفون بقرارات طبية لإنقاذ أرواح المرضى من الهلاك

ويسهب الطبيب الشاب فى حديثه عن أصعب المواقف التى عاشها فى الشهر الأول من حرب فى الخرطوم، بقوله: «نعيش حالة رعب وهلع وربية غير منقطعة النظير.. فليس كل الخيارات الطبية متاحة؛ وليس كل قرار ممكن أخذه بأريحية وباتت أبسط الأمور الطبية غير متوفرة؛ فيمكن أن تأخذ قرارا بإجراء جراحة استكشافية دون أن تجرى إشاعة مقطعة لعدم توفرها، وفى بعض الأحيان يمكن أن تأخذ قرارا طبيا حرجا وعاجلا بمسئولية أكبر من وظيفتك».

اقرأ أيضًا:
 «وجودي مهم لإنقاذ المرضى».. حكاية طبيب مصري رفض العودة من السودان

«الأخصائى أو الاستشارى بعيدا ويصعب الوصول إليه، فيصبح أمرك فى حيرة وريبة شديدة بين أخذ قرار طبى حرج أكبر منك لإنقاذ المريض؛ أوترك المريض ينازع الموت وأنت تقف مكتوفى الأيد! ناهيك عن قلة الإمكانيات الطبية التى تؤهلك لاتخاذ القرارات، تزامنا مع تردد المريض على المستشفى فى مرحلة متأخرة جدا؛ وبالأخير تصبح مجبرا على المجازفة بقرار طبى حرج لإنقاذ روحا من هلاك محقق، أو تتأخر فى اتخاذ القرار فتتدهور حالى المريض ويدخل فى غيبوبة».

السودان.. أزمات بعضها فوق بعض| الصليب الأحمر لـ«البوابة»: الصحة تعمل في ظروف مُستحيلة

youtube

 

لحظات تحبس الأنفاس داخل غرف العمليات في زمن الحرب

ويكمل طبيب العناية المكثفة بمستشفى الأطباء فى الخرطوم: «فى بضع أيام من زمن الحرب اشتدت المعارك لدرجة خطيرة وانقطع الكهرباء لـ 6 أيام متواصلة فاستخدمت المستشفى المولد الكهربائى؛ ولكن كانت الأزمة الكبرى حين أخبرتنا إدارة المستشفى بأن مخزون الوقود فى المستشفى أوشك على النفاذ؛ وهو الأمر الذى كان بمثابة كارثة؛ فلدينا عدد كبير من المرضى فى العناية المكثفة على أجهزة التنفس الصناعى؛ ونفاذ الوقود يعنى وفاة العشرات فى لحظات معدودة».

«قررت المستشفى إرسال فنى صيانة للتفشت عن الوقود فى السوق السوداء وشراءه بأى ثمن؛ وبالفعل عثر الفنى على الوقود بعد ساعات؛ ولكن وهو فى طريقة للمستشفى أوقفته نقاط التفتيش العسكرية وبحوزته الوقود ما تسبب فى تأخر وصول الوقود للمستشفى؛ جاء ذلك تزامنا مع قرب نفاد إسطوانات وأنابيب الأكسجين وهذا أيضا يعنى وفاة العشرات من المرضى المتواجدين على أجهزة التنفس الصناعى، تلك كانت أصعب وأقسى الساعات التى عايشتها طوال حياتى».

نعيش أياما ثقالا داخل جوف الرعب والخوف 

ويختتم حمزة حديثه عن أيام «الدم والدمع» فى الشهر الأول من الحرب، بقوله: «نعيش أياما ثقالا داخل جوف الرعب والخوف دون أدنى شعور بالأمان، وباتت حياتنا يغرقها الدم ويحفها الوجع والألم، فبين جرحى ومرضى يصارعون الموت نحو الحياة، ورصاص طائش لا يفرق بين حرمة مستشفى وآخر سكنى.. يقف الأطباء يحاولون تضميد الجروح يؤدون رسالتهم السامية دون تفرقة بين مدنى وعسكرى».