البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

كسوة الكعبة بأيادٍ مصرية.. خيوط وأقمشة يصنعها العاملون فى «التقصيب»

«السيرما»| مهنة النسج على التاريخ.. «أبو ضيف» 51 عامًا يصنع لوحات مطرزة تسر الناظرين

أبو ضيف
أبو ضيف

لوحات مطرزة تسر الناظرين، نقشت بشكل بديع وبصنعة ساحرة تخطف الأنظار من الوهلة الأولى، تبرز الكلمات، خاصة آيات القرآن الكريم ورسوم الكعبة المشرفة، أو بعض الزهور والمناظر الطبيعية الخلابة، على قطع من القماش.

هذا هو فن وحرفة «السيرما» التي يتميز بها المصريون وعرفوها منذ عشرات العقود، فكانت كسوة الكعبة المشرفة، من الصناعات التي تميز فيها المصريون، ومحط أنظار العالم كل عام، وتتم حياكتها يدويا منذ عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، فى القرن الـ12 الميلادي، واستمر هذا التقليد خلال العصور التاريخية، وتوارثته الأجيال بداية من العصر المملوكى والعثمانى، حتى العصر الحديث والقرن الـ21، وتنفذ بخيوط وأقمشة «السيرما» التى ذاع صيتها مع أوائل الثمانينيات فى القاهرة، مع إعداد البادجات والكابات والرتب العسكرية، حتى اتجه صانعوها للآيات القرآنية.

فى أحد ربوع منطقة الغورية التاريخية يجلس «أبو ضيف» فى دكان صغير بجوار الجامع الأزهر منكبا على نوله الصغير، عينه على رقعة قماش سوداء يطرز حروف آية قرآنية بخيوط الذهب، على غرار أجداده الذين كانوا يصنعون كسوة الكعبة وأذنه مع صوت الراديو الذي لا يعرف إلا محطة القرآن الكريم، وهكذا يستمر عمله لأكثر من 12 ساعة يوميا، مقسمة بين الصلاة فى الجامع الأزهر والعمل.

محمد محمود أبو ضيف من مواليد عام 1972 بدأ فى تعلم مهنة «السيرما» أو «التقصيب» وهو فى الصف الرابع الابتدائى على يد الحاج «حميدو» المورد أحد صناع كسوة الكعبة المشرفة، وبعد عامين من التدريب والتعلم بدأ محمد يجلس على «النول» ويعمل بيده عندما كان فى الصف السادس الابتدائي، وظل إلى يومنا هذا يمارس تلك المهنة التى يحبها كثيرا ويفخر كونه واحدا من أبنائها.

يعانى «أبو ضيف» صاحب الـ51 عاما، شأنه فى ذلك شأن بقية أبناء حرفته، من غلاء المواد الأولية والتراجع الكبير فى حركة السياحة وتدهور القدرة الشرائية للمصريين، فضلا عن عزوف الشباب عن تعلم أى حرفة بسبب المداخيل الأكبر التى تدرها مهن أخرى، فـ«السيرما» آخذة فى الاندثار، يتبقى فقط عدد محدود من الورش والتى مازالت تقف صامدة فى مواجهة الزمن بمتغيراته بحثا عن دعم للحفاظ على حرفة تعد من أشهر الحرف التراثية، إلا أن حرفة السيرما مازالت تعمل وتشيع الفن والجمال فى جميع منتجاتها من أعمال كتابة وتطريز اللوحات المزركشة والتى تحمل آيات القرآن الكريم والرسومات الإسلامية ذات العبق التاريخي الأصيل.

ويقول «أبو ضيف»، إنه لا ينظر من العائد وراء هذه المهنة فهو يكون فى غاية السعادة وهو ينقش آيات القرآن الكريم على رقع القماش لتتحول لقطعة فنية تزين المنازل والأماكن العامة، وعن طبيعة العمل يقول إن القطعة تستغرق من يومين إلى شهر وأكثر حسب حجمها والآيات المكتوبة وطريقة الكتابة.

وفى السابق كان أبو ضيف ينتج العديد من القطع ثم يعرضها للبيع، لكن الآن ينتج حسب الطلب نظرا لارتفاع التكلفة، فهو يعرض عددا من التصميمات على الزبائن ثم يتفق على «الوهبة» وهو المبلغ المطلوب نظير هذا القطعة فهو لا يقول سعر بيعها، فالقرآن لا يقدر بثمن.