البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مشاعل التنوير| الشيخ مصطفى عبدالرازق عاشق الفن والفلسفة

الشيخ مصطفى عبدالرازق
الشيخ مصطفى عبدالرازق

الدين يقوم على التصديق والإيمان ومصدره القلب.. والفلسفة تقوم على النظر والفكر ومصدرها العقل.. وكلاهما يبتغيان سعادة البشر

مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر الشريف، ومجدِّد الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، وصاحب أول تأريخ لها بالعربية، ومؤسس المدرسة الفلسفية العربية التي أقامها على أسس إسلامية خالصة، من أقواله: "قد تنبهت العقول وزالت غشاوة الغفلة عن بصائر الناس، ففهموا أن الدين ليس غلاً للقلوب ولا قيداً على الأفكار، لكنه كما كان الإمام محمد عبده يقول قد كفل للإنسان أمرين عظيمين وهما استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر، وبهما تكتمل إنسانية الإنسان ويستعد أن يبلغ السعادة، وأنه لا خطر على العقل الواعي من الشتت والزيغ؛ وذلك لأن البشر صنفان مخلص ومغرض، من أخلص لله فسيخلص له في كل الأحوال حتى لو أعمل عقله، ومن دخل الهوى قلبه فسيميل نحو أغراضه في كل شيء حتى لو ادعى أنه لا يعمل إلا بالنقل.

هو مصطفى حسن أحمد محمد عبد الرازق المولود في عام ١٨٨٥م في قرية أبو جرج بمحافظة المنيا وهو الابن الرابع لحسن باشا عبد الرازق، توفي ١٥ فبراير ١٩٤٧م، ليكون بذلك الشيخ السادس والثلاثين  للجامع الأزهر على المذهب الشافعي وعلى مذهب أهل السنة.
نشأ في قرية "أبو جرج" بمحافظة المنيا، قضى طفولته في قريته، وتعلم بها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وعمره ما بين العاشرة والحادية عشرة، ثم انتقل وهو في سن العاشرة إلى القاهرة، والتحق بالأزهر ليُحَصِّل العلوم الشرعية واللغوية، فدرس الفقه الشافعي، والبلاغة، المنطق، الأدب، التفسير، الحديث، التوحيد، التصوف، الفقه، أصول الفقه، علم الكلام، والنحو، الصرف، العروض، التاريخ والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره ودرس على يد كبار علمائه. 
وواصل دراسته في الأزهر الشريف بتشجيع من والده الذي كان يتدارس معه العلوم أثناء الإجازات الدراسية، كتب الأدب ودواوين من الشعر، ونمت موهبته وثقافاته فقرر إنشاء صحيفة عائلية مع إخوته وأقاربه، ثم أنشأ "جمعية غرس الفضائل" مع شباب أسرته أيضا، وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كل أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية، واستمرت هذه الجمعية من عام ١٩٠٠ إلى عام ١٩٠٥م، ومع ظهور الصحف العامة بدأ في نشر مقالاته الأدبية والقصائد بها، ثم انصرف عن الشعر إلى الدراسات الأدبية، وبدأ في التردد على دروس «الإمام محمد عبده» في عام ١٩٠٣م في الرواق العباسي الذي يعد من شيوخه الأوائل، فأصبح من خواص تلاميذه، وتأثر به وبمنهجه وأفكاره الإصلاحية.
وكان الشيخ الإمام محمد عبده يباشر وقتها الدعوة الاجتماعية، ويقود الحركة الإصلاحية، فلقي استجابة عامة من المثقفين والأزهريين ونقدًا من بعض علماء الأزهر،
ثم تخصص مصطفى عبد الرازق خلال دراسته بالأزهر في الفلسفة، ثم حصل على شهادة العالمية عام ١٣٢٦هـ ١٩٠٨م، ولم ينل هذه الدرجة إلا واحد أو اثنان من المتقدمين للامتحان معه، وكان عددهم كبيرًا، وأصبح عضوا بالجمعية الأزهرية التي أنشأها محمد عبده، وأصبح رئيسًا لها. وبعد شهرين من نجاحه انتدب للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي، في ذاك الوقت كان الأزهر يموج بالثورة مطالبًا بإصلاح مناهجه، وتكونت (جمعية تضامن العلماء) وكان في مقدمة أعضائها، وأسس أيضا الجمعية الأزهرية وانتخب رئيسًا لها، ومارست نشاطها بجد وإتقان، ثم عين موظفا في المجلس الأعلى للأزهر ومفتشاً بالمحاكم الشرعية وسافر إلى فرنسا في عام ١٩٠٩م لدراسة اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة السربون، وحضر دروس (دور كايم) في علم الاجتماع، كما درس الأدب وتاريخ الفلسفة والأدب الفرنسي، ثم انتدب ليتولى تدريس اللغة العربية في كلية (ليون) ودرس بها أصول الشريعة الإسلامية على يد أستاذه «إدوارد لامبير» ثم أعدَّ رسالة الدكتوراه عن الشافعي تحت عنوان "الإمام الشافعي أكبر مشرعي الإسلام"، وتعاون مع برنارد ميشيل في ترجمة كتاب العقيدة الإسلامية إلى اللغة الفرنسية و"رسالة التوحيد" لمحمد عبده .
وعندما قامت الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤م عاد مع كثير من زملائه إلى مصر، وفي سنة ١٩١٥ عُيِّنَ سكرتيرا بجامعة الأزهر، بأمرٍ من السلطان حسين كامل وترجم خلال تلك الفترة كتاب (طيف خيل ملكي) للأميرة قدرية بنت السلطان حسين كامل إلى العربية، وأثناء عمله بالمجلس الأعلى للأزهر أصبح بيته منتدى يؤمه رجال الفكر والثقافة وعلماء الدين، يتباحثون في شتى العلوم ثم سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى للأزهر، ثم رئيسا للمجلس، ثم قدم استقالته منه بعد إبعاده من الأزهر خوفا من أفكاره السياسية والاجتماعية، بسبب مواقفه السياسية المناصرة للحركة الوطنية التي كان يقودها آنذاك سعد زغلول فعين مفتشا بالمحاكم الشرعية كإجراء تأديبي، لكنه استثمر هذه الفترة في الكتابة والبحث والترجمة، والمعرفة، فكان يعقد الندوات في بيته ويتوافد عليه أهل العلم والثقافة والفقه والفلسفة من كل مكان. 
في سنة ١٩١٦م انتخب عضوًا في (الجمعية الخيرية الإسلامية)، ثم وكيلا لها سنة ١٩٢٠م، ثم رئيسًا لها سنة ١٩٤٦م حتى وفاته، وانضم إلى حزب (الأحرار الدستوريين) خلال تلك الفترة وفي عام ١٣٤٦هـ- ١٩٢٧م عين أستاذا مساعدا للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، واختير أستاذًا للفلسفة دون بجامعة القاهرة سنة ١٩٣٥م، ونال رتبة الباكوية سنة ١٩٣٧م، ثم أصبح أستاذ كرسي في الفلسفة، وتولى الشيخ مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف ثماني مرات، وكان أول أزهري يتولاها، وظل متمسكا بارتدائه الزي الأزهري حتى وفاته وكانت الأولى في عام ١٩٣٨م حتى ١٩٤٢م، وأثناء عمله وزيرًا عُيِّنَ عضوًا بالمجمع اللغوي سنة ١٩٤٠م، وفي سنة ١٩٤١م نال رتبة الباشوية، وتنازل عنها عندما تولى مشيخة الأزهر وظل وزيرًا للأوقاف حتى تم تعيينه شيخا للأزهر عام ١٩٤٥م وتم اختياره أميرًا للحج في أكتوبر سنة ١٩٤٦م، ولبث في رحلته ٤٠ يوما ثم عاد ليتفرغ لاستئناف وجوه الإصلاح في الأزهر وفي ١٥ فبراير سنة ١٩٤٧م حضر إلى مكتبه بالأزهر فرأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه، ونام قليلا ثم استيقظ فتوضَّأ وصلى، ثم شعر بإعياءٍ شديدٍ، فتم استدعاء الطبيب ولكنه توفي في: ٢٤ ربيع الأول ١٣٦٦هـ- ١٥ فبراير ١٩٤٧م.
فترة ولايته
تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهر لمدة تقارب عام وشهرين من محرم ١٣٦٥هـ ديسمبر ١٩٤٥  حتى وفاته في٢٤ ربيع الأول ١٣٦٦هـ- ١٥ فبراير ١٩٤٧م، وقاوم كبار العلماء بالأزهر تعيينه لأنه كان من المعهود دائما أن يكون شيخ الأزهر من جماعة كبار العلماء، ولا يُعيَّنُ بهيئة كبار العلماء إلا من تولى وظائف معينة في القضاء الشرعي، أو درَّسَ بالأزهر مدة معينة، ولم يكن الشيخ كذلك، فلم يعترف كبار العلماء بتدريسه بالجامعة المصرية، فقامت الحكومة بإصدار قانونٍ جديدٍ ينص على أن يكون التدريس بالجامعة المصرية مساويًا للتدريس في الكليات الأزهرية، في الترشيح لمشيخة الأزهر، فوافق معظم علماء الأزهر إلا قليلا منهم، عمل على إدخال بعض الإصلاحات إليه، فأدخل اللغات الأجنبية، وأرسل البعثات إلى الخارج.
الدين والفلسفة
اعتبر أن الفلسفة الإسلامية ليست تلك التي نجدها عند ابن سينا والفارابي، ولكنها تكمن في منجز العرب المسلمين في علم الكلام ومصادر فلسفة التشريع الإسلامي.
وأن الدين والفلسفة يبتغيان سعادة البشر، غير أن الدين يقوم على التصديق والإيمان ومصدره القلب، بينما الفلسفة تقوم على النظر والفكر ومصدرها العقل؛ لذلك فهما متفقان في الغاية مختلفان في الوسيلة، ولا يجوز أن نخلط بينهما ولا أن نفسر الدين بالفلسفة، وإنما يبغي أن ننظر إلى كليهما باستقلالية عن الآخر.
الفن
كان مصطفى عبدالرازق يحب الفن ويحترمه، ويقول عنه: "إنه يفيد الإنسان في البحث عن قيم الحياة؛ لأنه إحساس نابض في الوجود من قيم جمالية يعمل الفنان على إبرازها، وإن الذين يتوهمون أن الدين يعارض الفن يدلون على أنهم يسيئون فهم طبيعة الدين وطبيعة الفن، وإن المسلمين الأوائل أدركوا علة تحريم بعض الفنون كالأمر مثلا بعد الرسم أو النحت خشية أن يرتد الناس إلى عبادة الأصنام، فلما زالت العلة وزال الخوف من عبادة الأصنام زال التحريم"، وكان يرى أن الفن يزرع السمو في نفوس البشر.
العنصرية
عاش حياته رافضا للتعصب من كل شكل ولون، داعيا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمل يحدو الجميع
كان يستهجن الدعاوى الأوروبية التي تدعى أن الجنس الأوروبى أرقى من بقية الأجناس، ورد على تلك الفكرة مرارا متحصنا بالأبحاث العلمية الحديثة؛ ذلك لأنه إن كانت الغلبة الآن للأوروبيين فقد كانت قديما للعرب ومن قبله للمصريين والعراقيين والفارسيين بما يعني أن التفوق أمر نسبي زمني لا علاقة له بالجنس وسموه.
وانتصر الإمام للبسطاء والفلاحين والضعفاء، مؤكدا على أن الفلاح المصري أكثر الناس عناء في السعي إلى تحصيل العيش وأقلهم متاعا وأضيقهم.
الدين والشريعة
أكد الشيخ على أن الإسلام جمع بين الدين والشريعة، قائلا: "أما الدين فقد استوفاه الله كله في كتابه الكريم ولم يكل الناس إلى عقولهم في شيء منه، وأما الشريعة فقد استوفى أصولها وترك للاجتهاد تفاصيلها".
الاجتهاد
رأى الشيخ أن مسألة الاجتهاد ضرورة وواجب على كل الأئمة في كل العصور عدم غلق باب الاجتهاد لتدعيم الإسلام للحرية الفكرية، ويقول في ذلك: "قد تنبهت العقول وزالت غشاوة الغفلة عن بصائر الناس، ففهموا أن الدين ليس غلا للقلوب ولا قيدا على الأفكار، لكنه كما كان الإمام محمد عبده يقول قد كفل للإنسان أمرين عظيمين وهما استقلال الإرادة واستقلال الرأي والفكر، وبهما تكتمل إنسانية الإنسان ويستعد أن يبلغ السعادة، وأنه لا خطر على العقل الواعي من الشتت والزيغ؛ وذلك لأن البشر صنفان مخلص ومغرض، من أخلص لله فسيخلص له في كل الأحوال حتى لو أعمل عقله، ومن دخل الهوى قلبه فسيميل نحو أغراضه في كل شيء حتى لو ادعى أنه لا يعمل إلا بالنقل.
قائلا كلمته الشهيرة في هذا الأمر: «إن الذين يفكون العقول من أغلالها إنما يمهدون لها السبيل إلى الحق والدين من أسمى حقائق الوجود».
حرية المرأة
أكد الإمام على مطالب المرأة بالحرية والعمل قائلا "إنه يتوجب علينا أن نأخذ بالتدرج في هذا الشأن؛ لأن المرأة حديثة عهد بالتعليم والخروج إلى الحياة العامة كما يرجو أن تعمل المرأة في الأمور الخيرية التي يتغافل عنها الرجل لتتكامل وظيفة المرأة مع الرجل وتتحقق الفائدة للمجتمع".
الإسلام وأصول الحكم
حصل الشيخ علي عبد الرزاق على شهرة كبيرة بسبب كتابه الذى نقض فيه فكرة الخلافة الإسلامية (الإسلام وأصول الحكم) الأمر الذي طغى بتأثيره وآثاره على شيوخ كثيرين لعل من أهمهم أيضا شقيق الشيخ علي نفسه وهو الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق، لذلك يلقي هذا الكتاب الضوء على جوانب مهمة في حياة وفكر الشيخ مصطفى، حيث يقدم لنا المؤلف هذا السفر الضخم تحت عنوان " آثار مصطفى عبد الرازق " وفي تقديم طه حسين للكتاب (٥٠٢ صفحة من الحجم الكبير) يقول عنه نجد فيه من الموضوعات والأحاديث التي تختلف مع بعضها أشد اختلاف، فستراه على ذلك مؤتلفاً أشد الائتلاف يؤلف بين مختلفات ما تفيض عليه نفس الكاتب الهادئة السمحة الرزينة من هدوء سمح رزين، ولو أن المؤلف قد ترك لنفسه العنان في الحديث عن مصطفى عبدالرازق لما وجد لهذا الكلام منتهى قد ينتهى عنده أو يقف عليه، فـها هو الكاتب يخلص للتفكير في هذا الصديق العزيز، وها أنت أيها القارئ عليك أن تخلص لتقرأ أصدق حديث لأخ عن أخيه وأسمح كلام كتبه كاتب في هذا العصر الحديث بعد ذلك.
طريقة الإمام في الإصلاح
ولعل من أهم الفقرات في الكتاب الجزء المخصص لعلاقة الشيخ مصطفى عبد الرازق والإمام محمد عبده، والذى يكشف فيه عن طريقة الإمام في الإصلاح ومدرسته حيث يقول لم يكن الإمام محمد عبده من مشايخ الطرق الصوفية يعطي تلاميذه العهود ويلقنهم أسرار الطريق ولم يكن صاحب دعوة خفية يدس تعاليمها وراء الحجب والاستار ولكنه كان حين عرفه اخي مصطفي رجلا يملأ اسمه البلاد ويتردد ذكره في محافل الإصلاح الديني والسياسي وتتجه اليه الانظار في ميادينهما فهو موفور النشاط وله في كل ناحية من نواحي الحياة مشاركة وهو حيثما كان عامل على الإصلاح مرعي الجانب مسموع الراي كان رجلا واسع العلم واسع افاق الفكر وله في علمه الواسع منهج سليم وله في فكره البعيد الافاق ونظره الحكيم مذاهب طريقة امن بعد طول البحث وكثرة التجاريب انها اقوم السبل إلى ما تعلقت به نفسه من اصلاح في الدين وفي شؤون الحياة الدنيا وطريقته في الدعوة الي منهجه العلمي ومذاهبه الاصلاحية هي المحجة السمحة الواضحة فهو في العلم لا يعمل شيئا اكثر من ان يختار الكتب التي يأنس فيها الخير ثم يأخذ في تدريسها علي أسلوبه الخاص به في دروس عامة يحضرها من يريد من الطلبة علي طريقة التدريس التي كانت جارية يومئذ في الجامع الأزهر وهو في مذاهبه الاصلاحية لا يعمل شيئا أكثر من أن يتجه في كل ما يبديه من امر وفي كل ما يشارك من شأن وجهة الاصلاح كما يجب ان يكون الاصلاح فهو يدعو الي الاصلاح بالعمل اولا ثم بالقول الصريح يصدع به أنى كان في المحافل العامة وفي مجالسه الخاصة وفيما يؤلف من كتب وابحاث وفيما ينشر في الجرائد والمجلات وفي رسائله العامة أو الخاصة فدعوة الأستاذ الامام كما تري دعوة عامة تتوجه الي كل من بلغته الدعوة على أي وجه فوعاها، ومدرسته كما تري ليست مدرسة يحدها زمان ولا مكان ولا اشخاص ولكنها مدرسة تتلاقي فيها الارواح جنودا مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف والنجاح في هذه المدرسة لا يكون بكثرة الدرس ولا طول التلقي عن الاستاذ الامام ولا بالقرب منه وانما يكون بالتعارف بروحه والائتلاف معه وعلي قدر ذلك يكون التلاقي عنه والاستمداد منه وكم من استاذ كاستأذنا الإمام كثر مريدوه وملاوموه ثم لم ينجح من بينهم الا اقلهم ملازمة له واضعفهم اتصالا ظاهرا به اذ كان احسنهم استعداد وكان روحه امكن تعارفا بروحه وائتلافا وكذلك لم يذهب اخي مصطفي الي دروس الاستاذ الامام الا قريبا من نهايتها ولم يغش مجالسه الا لماما ولكن لم ينشب روحاهما اذ التقيا ان يتعارفا اقوى تعارفا وان يتألف اصدق تالف . مقالات الكتاب رائعة وآثاره كنوز تنم عن استنارة مفقودة ويكفي ان نذكر منها:
ليلة في الأوبرا
في جريدة السفور العدد ١٠٢ السنة الثانية الجمعة ١٨ مايو ١٩١٧، وتحت عنوان ليلة في الأوبرا كتب مصطفى عبد الرازق (كانت الحفلة السنوية الكبرى لنادي الألعاب الرياضية بالجزيرة من أظهر حفلات السرور رونقا وأكملها جمالا، احتشدت لها البارحة في الأوبرا أزهار مصر الباسمة في أكمام الشباب ولم يبق أحد في البلد إلا حواه مسرح إسماعيل الكبير، كان شبابًا كله ذلك الندى تفيض من ارضه وسمائه نفحات الصبا حتى ليكاد الشيخ فيه يشعر أنه عاد فتيا، ونتمنى أن تكثر هذه الحفلات ليقوى أثرها في تنبيه الأذواق إلى مظاهر الجمال وإذا قالوا إن الزمان زمان حرب، فما نظن أن الإنسانية مستغنية عن الجمال في حرب ولا سلم  لم يكن في الحفلة سيدات إلا قليلا وما نراه إسرافا أن يتمنى متمن ان يغشى نساؤنا مثل ذلك المجتمع لنستطيع أن يشرف أيضا على محضرهن في المجامع وتطور ذوقهن ولعلنا نستغنى بهذا عن الخاطبات اللواتي هن شر واسطة في أحكام عقدة بين زوجين واذا لم يامن رجالنا علي نسائنا فيه القائمون على امر الحكم في البلاد من وزراء وواقفين على باب الوزراء، أذهلنا وصف الحضور عن نظام الحفلة نفسه وكان غاية في حسن الاختيار وحسن التأليف ما بين تمثيل وإنشاء وفكاهة.. إن هذه المقالة الصغيرة تكشف في سطورها القليلة عن مصلح عظيم يقدر الموسيقى والفن ومكانة المرأة،  إنه نموذج من رجل الدين المفقود في واقعنا الصعب.
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
يكتسب كتابه "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية" قيمة تاريخية ومذهبية كبرى بين الكتب التي أُلِّفتْ في مجال الفلسفة الإسلامية خلال القرن العشرين، حيث يختلفُ عنها جميعًا فلي موضوعاتهِ ونتائجه فمن ناحية؛ لم يأت الكتاب على النحو المألوف والنهج المعروف عند المؤلفين الشرقيين والمستشرقين، ممن اتهموا الفلسفة الإسلامية بعدم الدّقةِ والأصالةِ والعجز عن الابتكار، وبأنها ليست إلا مُحاكاة للفلسفة اليونانية، أو اختصارًا سيئًا قامَ به مترجمون ضُعفاء للفكر اليونانيّ القديم ومن ناحية أخرى.
ويعد التمهيد كتابًا في المنهج بالدرجة الأولى: منهج الشيخ مصطفى عبد الرازق في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، حيث قدم فيه تصورًا خاصًّا بنشأة الفكر الفلسفيّ في الإسلام بعد أن كان يدرَس قبل ذلك على نحو يميل إلى النظر الغربيّ لقد أراد الشيخ بمحاولته هذه أن يثبّت في الأذهان أهمية الدرس الفلسفي وضرورته في جهود النهضة المعاصرة. 
وكتب رائد الفكر الفلسفى الإسلامى، فى كتابة "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية"، لم يكن للعرب قبل الإسلام مَباحثُ فلسفية تُذكَر، اللهم إلَّا بعض أشكال النظر العقلي البسيطة التي هدفَت إلى الاستدلال على خالق الكون.
وتابع مصطفى عبد الرازق: ومع ظهور رسالة الإسلام وانطلاق العرب لفتح البلاد، تعرَّفوا على علوم الفلسفة اليونانية والفارسية والهندية، ولكنهم شُغِفوا بأعمال اليوناني «أرسطو»، فاعتنَوْا بترجمتها ودراسة شروحها، فتأثَّروا بها أيَّما تأثُّر؛ الأمر الذي جعل بعض المستشرقين يُقرِّرون أنْ ليس هناك فلسفةٌ إسلامية أو عربية خالصة، بل هي تَرجماتٌ عربية لمؤلَّفاتِ «أرسطو»، وقد عَدَّ مؤلِّفُ الكتاب هذا الرأيَ مُتعسِّفًا؛ حيث رأى أن الفلسفة الإسلامية مرَّت بأطوارٍ طبيعية من التكوين والتأثُّر حتى قدَّمت موضوعاتها الخاصة، فظهر مثلًا «علم الكلام» الذي وُضِع للدفاع عن الدين ضد المتشكِّكين مُستخدِمًا أدواتٍ ووسائلَ منطقية وجدلية، كما ظهرت مدارسُ فلسفية، مثل «المعتزلة» و«المتصوِّفة»، أَثْرَت أعمالُها الفكرَ الإنساني.