البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مشاهدات رمضانية فى لندن!

أتحدث عن ثانى أيام رمضان الذى أقضيه فى لندن وخيّمَ عليه جوٌّ روحى مختلفٌ عن باقى الأيام لأن المسلمين أدوا صلاة الجمعة الأولى من شهر الصيام. لم تكن الطبيعة لتساعدَ على ذلك، فقد تهاطلت أمطار غزيرة منذ الصباح الباكر مع هبوب رياح شديدة جعلت الشعور بالبرد القارس مضاعفًا لكنه  أضاف حماسة وتحفيزًا للصائمين. ولم يحرم الطقس سكان لندن من تجربة كل الفصول فى يوم واحد حيث تُغيِّمُ السماء وتهطل المطر قوية ومعها كرات من الثلج، ثم تشرق الشمس لبضع دقائق فتضفى بعض الدفء على الكون. ثم ما تلبث أن تتراجع وراء السحب فتبكى السماء من جديد بدموع غزيرة. ولعلَّ أحوال الطقس المتقلب أمر متوقع خلال الربيع البريطاني. 

1- مظاهرات ضد نتنياهو

ولكنَّ الجديدَ الذى شدّ انتباهى تلك المظاهرات التى انطلقت رغم المطر الغزير فى شوارع العاصمة البريطانية المجاورة لمقر الحكومة فى داوننج ستريت. لقد كان يوم المظاهرات فى لندن بامتياز! واتضح أن هناك مظاهرتين منفصلتين لكن سببهما واحد وهو الاحتجاج على زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى العاصمة البريطانية، حيث خرجت مظاهرة أولى نظمتها جماعات حقوقية وأفراد من الجالية الفلسطينية تنديدًا بزيارة نتنياهو إلى لندن واحتجاجًا على سياساته الاستيطانية المناهضة للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة.

أما المظاهرة الأخرى فخرج فيها يهود إسرائيليون للتنديد بمشروع "إصلاح القضاء المناهض للديمقراطية". طافت المظاهرات فى الشوارع وأعاقت تحركات نتنياهو وأربكت الحراسات الأمنية المرافقة له خلال استقباله من قبل نظيره البريطانى ريشى سوناك حيث دارت المحادثات بينهما بمقر الحكومة فى داوننج ستريت فى لندن.

وكانت بعض أصوات المحتجين ترفع شعارات رافضة للدعم البريطانى لإسرائيل. ونددت إحدى اللافتات بالدعم البريطانى فى تسليح الكيان الإسرائيلى حيث أن "بعض مكونات الطائرات الإسرائيلية المسيرة يتم صنعها فى بريطانيا، فى نفس الوقت تُلقى هذه الطائرات قنابلها على المدنيين الأبرياء فى قطاع غزة". المشاركون فى المظاهرتين كانوا فى انتظار نتنياهو لدى وصوله إلى مقر رئيس الوزراء البريطاني؛ عندئذ تعالت أصوات مئات المحتجين بالصراخ والصفير ومعهم ارتفعت أصوات الرعد والبرق وكأن السماء هى أيضًا تعبّرُ عن غضبها.

2- احتفالات استثنائية برمضان 

لعلها المرة الأولى التى تقام فيها مثل هذه الاحتفالات على نطاق واسع بشهر رمضان فى بريطانيا. تمت إضاءة الفوانيس والأنوار بالشوارع مع الإعلان عن موائد الإفطار فى العديد من المناطق. منطقة ويست إند فى لندن أضيئت بآلاف المصابيح احتفالًا بالشهر المبارك، كما أضيء شارع كوفنترى، الذى يربط ليستر سكوير ببيكاديللي، بلافتة كتب عليها "رمضان سعيد". الطريف ما لاحظته من أجواء احتفالية سائدة بين الجميع من يصومون من المسلمين وبقية البريطانيين من كافة الجاليات والإثنيات، ولم أستمع إلى من يعترض أو يتذمر بل بالعكس هناك من يتحمس ليسأل ويتعرف أكثر على طريقة الصوم ومختلف العادات والتقاليد. وركزت وسائل الإعلام البريطانية على ما قام به عمدة لندن صادق خان من احتفالات بإضاءة الأنوار وبعث رسائل التهنئة إلى المسلمين. وصادق خان هو واحد من 1.3 مليون مسلم فى لندن. وكون عمدة لندن مسلمًا ربما ساهم فى إعطاء نكهة خاصة لاحتفالات هذا العام برمضان فى العاصمة البريطانية. وتصل عدد ساعات الصيام فى بريطانيا إلى 16 ساعة، وهى ثانى دولة بعد كندا من حيث طول ساعات الصيام. وقد لاحظت أن بعض المناطق والأحياء خصصت فيها عديد المتاجر ركنًا لبيع التمور والحلوى الخاصة برمضان، بينما قدمت سلاسل المتاجر الكبيرة عروضًا وتخفيضات بمناسبة شهر رمضان على بعض السلع. وينشط المسلمون بشكل واضح خلال شهر رمضان فى كامل بريطانيا حيث هناك ما يزيد عن ثلاثة ملايين مسلم فى حين لم يتجاوز عددهم المئة ألف فى بداية الستينات. وليست تلك الأنشطة بأمر مستغرب حاليًّا بعد أن أصبح عدد المسلمين يمثلون ثانى أكبر ديانة فى المملكة المتحدة. لذلك يقيم العديد من الأفراد والجمعيات موائد الرحمن فى رمضان فى مناطق وأحياء مختلفة، كما يوزع بعض المحلات التقويم الرمضانى حتى يعرف الصائمون مواعيد الإمساكية إلى جانب بعض الهدايا الرمزية.

لكن الجديد فى رمضان هذا العام فى لندن إقامة إفطار جماعى نظمه فريق تشيلسى فى رواق ملعب ستامفورد بريدج، فى أول مبادرة من نوعها فى الدورى الانجليزى. وفعل الأمر نفسه ملعب ويمبلى الذى خطط أيضًا لهذا الاحتفال لاحقًا خلال الشهر الكريم. كما بادر متحف فيكتوريا وألبرت جنوب كينسينجتون بإقامة إفطار جماعى حيث نصب خيمة فى شكل مسجد، وجناح رمضان للمسلمين وغير المسلمين.

وهذه هى المرة الأولى التى أشاهد فيها دولة أوروبية تحتفل بشهر رمضان بهذه المظاهر الاحتفالية المتنوعة كالزينة وتعليق الفوانيس والإضاءة ولافتات التهنئة وموائد الرحمن فى المتاحف والملاعب الرياضية مع أجواء الفرح وتسليط الضوء عليها فى وسائل الإعلام.

ومثل هذه اللفتات تخفف من الشعور بالغربة لدى المسلمين. والحديث عن المسلمين هنا فى لندن ليس مقصودًا به العرب فقط وإنما العدد الأكبر هم الهنود والبنغال والباكستانيون والإندونيسيون والأتراك والإيرانيون والأفغان، ثم العديد من الجنسيات الأفريقية الأخرى التى تدين بالإسلام. وقد أصبحوا يتمتعون بحضور واضح فى الحياة السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الشركات العديدة بالآلاف (تتجاوز العشرين ألف شركة) التى يمتلكونها كما لديهم نشاطات مكثفة داخل الأحزاب ومشاركات أيضًا فى الانتخابات.

3- المصريون فى بريطانيا 

يبلغ عدد المصريين فى بريطانيا حوالى 100 ألف شخص، وليس هناك حصر رسمى بالعدد كاملًا، لأن هناك أعدادًا أخرى ربما ليست بالقليلة هاجرت هجرة غير شرعية، ولم يسجلوا أسماءهم بالقنصلية. ويعمل المصريون فى كل القطاعات تقريبًا، ولهم تواجد متميز فى قطاعات بارزة مثل الطب والهندسة والتدريس والاستثمار والبنوك. وقابلت العديد من الأطباء والمهندسين والموظفين وأصحاب المشروعات.. جميعهم ناجحون بتميز فى عائلاتهم ومجتمعهم. ولدى الحديث مع مصريين لابد أن يذكروا بفخر محمد صلاح الذى جلب لهم مزيدًا من الاحترام لكونه الفرعون المحبوب من الملايين فى بريطانيا، كما أنه قدوة لأبناء بريطانيا كلهم وليس لأبناء العائلات المصرية والعربية فقط. وهو مثل الفاكهة الجميلة لا يخلو حديث من سيرته بمجرد أن يعرفوا أنك من مصر بلد "مو صلاح". كما بدأوا يرددون بفخر حصول المصرية سارة حسن مؤخرًا على مقعد بالبرلمان البريطانى. ويرون أن نموذج البروفيسور مجدى يعقوب يتكرر لدى العديد من الشباب ذى الأصل المصري.. لأن مصر ولادة والحمد لله!.

أما مشكلات المصريين فى بريطانيا فتتمحور باختصار حول عائق اللغة وتربية الأبناء وخوفهم من فقد الأجيال الصغيرة الصلة مع الوطن وكذلك بعض المشكلات الناشئة عن الزواج المختلط والخلافات عند الطلاق خاصةً حول الأبناء. وهذه جميعها مشكلات روتينية تواجه بعض أفراد الجاليات المصرية فى دول الهجرة. كما يشتكى البعض من الصعوبات الاقتصادية والتعثر فى المشروعات نتيجة توالى الأزمات مؤخرًا التى أثرت على سوق الشغل بدءً بجائحة كورونا مرورًا بخروج بريطانيا من البريكست وصولًا للحرب الأوكرانية.. وللحديث بقية حول مشاهدات أخرى فى لندن فى مقال قادم.