البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

حوار المصارحة.. البابا تواضروس الثانى للوفد الفرنسى: الهجمات الإرهابية ضد الوحدة الوطنية الراسخة فى بلادنا وليست ضد المسيحيين.. مصر السيسى تطورت كثيرًا وقانون بناء دور العبادة كان حلمًا فأصبح واقعًا

البوابة نيوز

المجتمع المصرى كتلة واحدة يعيش فيه 15 مليون مسيحى مع 90 مليون مسلم

 

 لدينا فى الخارج 7 ملايين مصرى بينهم 2 مليون قبطى


زواج القاصرات وما يطلق عليه خطف البنات ظواهر اجتماعية تتحمل الأسر الجزء الأكبر منه.. والسلطات تتعاون الآن بشكل أكبر ولا تسمح بحدوثه


وأعضاء الوفد: التنوع الدينى فى الشرق الأوسط فى طريقه للانهيار.. ومصر البلد الوحيد الذى تنعم بالتنوع والتعايش بين الثقافات والديانات


عبد الرحيم على: منهج التعامل مع الأقباط تغير بعد ٢٠١٣ ولم يصبحوا ورقة تستخدم فى الصراع على السلطة كما كان يحدث فى السابق


اختيار القيادات يتم حاليًا وفق معيار الكفاءة ولدينا شخصيات قبطية فى مناصب عليا بالقضاء والإدارة المحلية

 

استقبل البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى المقر البابوى فى العباسية، وفدًا فرنسيًا من كبار الشخصيات السياسية والبرلمانية والصحفية بحضور الكاتب الصحفى عبد الرحيم على، رئيس مجلسى إدارة وتحرير “البوابة". ودار حوار صريح بلا رتوش أجاب خلاله قداسة البابا عن كل الأسئلة التى طرحها أعضاء الوفد على مدى ثلاث ساعات كاملة. ضم الوفد الفرنسى بيير لولوش وزير التعاون الأوروبى الأسبق، وفاليير بواييى عضوة مجلس الشيوخ، وألكسندر ديلفال الكاتب الصحفى الكبير، وميشال صبان الكاتبة والناشطة فى مجال المرأة والطاقة البديلة، وأنتونى كولونا الصحفى بموقع ومجلة "فالير أكتويل"، وفرانسيسكو دى ريميدز الصحفى بجريدة الجورنال الإيطالي، كما حضر اللقاء داليا عبد الرحيم على رئيس تحرير موقع وصحيفة "البوابة"، وخالد على العضو المنتدب للمؤسسة.
 


بدأ اللقاء بترحيب البابا تواضروس الثانى بالوفد الفرنسى حيث قال: منورين فى مصر ونحن سعداء بزيارتكم للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأهلًا وسهلًا بكم وأحب أن أقدم لكم مقدمة بسيطة عن كنيستنا.. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى أقدم مؤسسة شعبية على أرض مصر وتأسست فى القرن الأول الميلادى على يد مارمرقس أحد تلاميذ السيد المسيح، الذى أتى من ليبيا، لينشر الإيمان بالمسيح، وأستشهد على أرض مدينة الإسكندرية فى عام ٦٨م، وهو يعتبر البطريرك القبطى الأول وصارت سلسلة من البابوات البطاركة إلى اليوم حيث أحمل رقم ١١٨ من بابوات الكنيسة، واسمى ايضًا بابا الإسكندرية رغم إقامتى فى القاهرة؛ وذلك باعتبار أن الإسكندرية هى المدينة الأولى التى نالت الإيمان بالمسيح فى أفريقيا.
 


وتابع البابا تواضروس قائلًا: ومنذ ذلك الحين والكنيسة القبطية تخدم المجتمع ولا تعمل فى السياسة على الإطلاق، هى كنيسة وطنية، ومنذ ذلك التاريخ تأسست بها ثلاث علامات عامة، العلامة الأولى هى قيادة التعليم اللاهوتى المستقيم، والعلامة الثانية، تقديم شهداء كثيرين فى عصور الاستشهاد القديمة وأيضًا فى العصور الحديثة ومن ضمنهم شهداء ليبيا الـ٢١ شابًا الذين استشهدوا فى عام ٢٠١٥م، وعادت رفاتهم "أجسادهم" فى ٢٠١٨م، وقمت باستقبالهم فى مطار القاهرة مع عدد كبير من المطارنة والأساقفة، وتم تسجيل هذا الحدث فى الكتب الرسمية للكنيسة، والعلامة الثالثة هى الرهبنة، حيث نشأت الرهبنة على أرض مصر، وتأسس أول دير فى مصر بجوار البحر الأحمر على اسم اول راهب فى العالم الأنبا أنطونيوس الكبير، وهو شاب من صعيد مصر. وهذه العلامات الثلاثة فى تاريخ مصر تشبه الأهرامات الثلاثة.
وأكمل قداسته: وحاليًا يبلغ عدد الأقباط فى مصر ١٥ مليون حسب سجلات الكنيسة بالإضافة إلى ٢ مليون خارج مصر، ويعيش الأقباط مع ٩٠ مليون مسلم، وهذا هو التعداد الكلى لمصر وهو ١٠٥ ملايين مصرى، وأيضًا لدينا فى الخارج ٧ ملايين مصرى بينهم ٢ مليون قبطى، ولنا فى خارج مصر حوالى ٥٠٠ كنيسة قبطية و١٢ دير للرهبان أو الراهبات، ويتواجد الأقباط فى أكثر من ١٠٠ دولة فى العالم، وعلى سبيل المثال لنا كنائس قبطية وأقباط فى أمريكا وكندا وفى أوروبا، وفى أفريقيا فى جورسالين، وفى منطقة الخليج العربى وفى أستراليا وفى بعد الدول الآسيوية مثل الفلبين وإندونيسيا، ولنا أيضًا أقباط فى دولة فيجي.
 


وأضاف قائلًا: يبلغ عدد أساقفة المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ١٣٧ أسقفًا منهم ٣٩ خارج مصر، وعلى سبيل المثال لنا مطران وإثنان من الأساقفة فى فرنسا وهم الأنبا مارك والأنبا لوقا والمطران الأنبا أثناسيوس، ونتمتع بعلاقات طيبة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى ونتقابل مرات عديدة من كل عام، حيث يزورنا فى الكاتدرائية يوم ٦ يناير ليلًا فى يوم عيد الميلاد المجيد، ولنا علاقات طيبة مع الحكومة المصرية ومع البرلمان المصرى، ويوجد حوالى ٤٠ قبطيًا فى مجلسى النواب والشيوخ، ولنا علاقات طيبة مع المؤسسة الإسلامية الرسمية فى البلاد وهى الأزهر، ولنا علاقات طيبة مع فضيلة الإمام الأكبر يزورنا ونزوره ونتقابل فى مناسبات كثيرة، وأيضًا لنا علاقات طيبة مع جميع الكنائس المسيحية داخل مصر وخارجها، وأول زيارة قمت بها بعد رسامتى فى نوفمبر عام ٢٠١٢م كانت إلى البابا فرنسيس وبيننا صداقة روحية قوية، وقد زارنا فى عام ٢٠١٧م، وتقابلنا سويًا فى مدينة بارى بإيطاليا، نتحدث كثيرًا سويًا ويوجد يوم نسميه المحبة الأخوية بين الكنيستين وهو يوم ١٠ مايو من كل عام، وفى هذا العام نحتفل بمرور نصف قرن على هذه العلاقات الطيبة، ويوجد احتفال فى الفاتيكان يقام كل عام، وأيضًا لنا علاقات طيبة مع الكنيسة الروسية والكنائس الشرقية القديمة بشكل عام، السريانية الأرمينية والهندية.
وأكمل قداسة البابا قائلًا: ونحن أعضاء فى مجلس الكنائس العالمي، وقمت بزيارة كنائس عديدة فى العالم، على سبيل المثال الكنيسة الروسية والأثيوبية والأرمينية، وهناك أيضًا كنائس فى بلاد عربية، مثل: الإمارات والكويت والأردن ولبنان وفلسطين، وأيضًا قمت بزيارة العديد من الدول الأوروبية، ففى عام ٢٠١٩م قمت بزيارة فرنسا وتشرفت بلقاء الرئيس ماكرون، ولنا الكثير من الكنائس فى فرنسا سواء فى الشمال او الجنوب، ونحن نؤمن أن الكنيسة لها دوران المسؤولية الأولى هى الروحية وهى إعداد الإنسان ليكون له نصيب فى السماء، والأمر الثانى هو أن تخدم الكنيسة المجتمع المتواجدة فيه، لذلك نهتم ببناء المدارس والمركز الطبية والمستشفيات وهى تخدم جميع المصريين.
 


وتابع قداسته قائلًا: منذ عدة سنوات تعرضت عدة كنائس لهجمات إرهابية، وفى يوم ١٤ أغسطس فى ٢٠١٣م، قبل أن يتسلم الرئيس السيسى المسؤولية، تعرضت حوالى ١٠٠ كنيسة ومبنى للخدمات للهجوم بالتدمير والحرق والتكسير، ووقتها كنت بطريرك جديدًا وكان موقفًا جديدًا على الكنيسة ولذلك قلت عبارة من أجل حفظ السلام "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن" وكانت هذه العبارة سببًا فى استمرار السلام على أرض مصر، ونحن نعتبر الهجمات الإرهابية ليست ضد الكنيسة ولكنها ضد الوحدة الوطنية، ونحن فى مصر نعيش فى وحدة وطنية قوية؛ وهذا الوحدة جاءت لتواجدنا بجوار نهر النيل فنحن منذ العصور الفرعونية نعيش بجوار النيل، ونسمى النهر أبينا ونسمى الأرض التى بجوارها أمنا، ونسمى الأرض السمراء بجوار النهر أيضًا باسم "كيمى" وهذا هو اسم مصر القديم، ومن هذا الاسم جاء علم الكيمياء، والكيمياء هى أصل العلوم، ولأننى تخرجت من كلية الصيدلة فقد تخصصت فى علم الكيمياء وأفهمها جيدًا، وأعلم أنها أصل العلوم وكل ما هو حولنا فى الأصل كيمياء بما فيها أجسادنا، وهذا هو علم مصر.

 


وأضاف قداسته قائلًا: مصر غنية بالحضارة والحضارة لها سبع طبقات (فرعونية، مسيحية، إسلامية، عربية، أفريقية، بحر متوسطية، رومانية ويونانية)، ومصر غنية بهذه الحضارات السبع، وأود أن أقول أن مصر هى الدولة الوحيدة مربعة الشكل فى العالم، ألف كيلو فى ألف كيلو خطان على البحر المتوسط والأحمر وخطان على الصحراء، وفكرة أننا فى دولة مربعة الشكل تعنى أن القيمة الأولى فى حياة المصرى هى التوازن، حيث أننا ننظر للشمال كالجنوب والشرق كالغرب، وهذه سمة مهمة جدًا فى الحياة المصرية، وفى وسط هذه اللوحة الجميلة نهر النيل، والمصريون يعيشون حول نهر النيل فنأخذ من النهر الماء والحياة الهادئة، ونأخذ من النهر أيضًا روح العبادة، حيث أننا إذا نظرنا إلى مصر على الخريطة سنجد كأنها إنسان يرفع يديه إلى السماء، لذلك معظم المعابد والكنائس تبنى بجوار نهر النيل، ونأخذ منه أيضًا روح الوحدة حيث نعيش بجوار بعضنا البعض؛ وهذا يعنى أن النهر هو من أنشأ الوحدة الوطنية على أرض مصر، والنهر هو الذى أوجده الله، وهذا يعنى أننا وحدتنا الوطنية من صنع الله؛ لذلك أغلى قيمة فى حياة المصرى هى الوحدة الوطنية، حيث لا تستطيع أن تميز بين مصرى وآخر لأننا نستخدم نفس المدارس ونفس الجامعات ونفس المستشفيات ووسائل الموصلات، ونسكن فى نفس المدن ونفس الشارع، الفرق الوحيد هو أن المصرى المسلم يذهب إلى الجامع والمصرى المسيحى يذهب إلى الكنيسة، وبيننا علاقات قوية ومستمرة عبر التاريخ، ولا يمكن مقارنة مصر بأى دولة أخرى.
 


وأكمل قداسة البابا تواضروس الثاني: أحد علماء الجغرافيا فى مصر الدكتور جمال حمدان قال عبارة خطيرة وهى "مصر فلتة الطبيعة، وهذا الوطن هو أبوه التاريخ وأمه الجغرافيا، التاريخ تزوج بالجغرافيا فأنجب مصر".. وتابع: آخر شىء أود أن أقوله أن أرض بلادنا مباركة بسبب زيارة العائلة المقدسة إلى مصر فى القرن الأول الميلادى، حيث ظلت بها ٣ أعوام و٦ أشهر و١٠ أيام وتحركت من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وباركت الأرض والنهر، لذلك يحكم مصر عبر التاريخ القوانين الإلهية، ودائمًا نعلم أولادنا، أن كل دول العالم فى يد الله إلا مصر فى قلب الله.

وعقب انتهاء البابا من كلمته، وجه عبد الرحيم على الشكر لقداسته على ضيافته واستقباله للوفد الفرنسى قائلًا: بدايةً، أود أن أعبر عن مدى سعادتى لأننا مع حضرتك اليوم ومبسوط أكثر لأنك أتحت لنا الفرصة لنقابل حضرتك، وأعلم جيدًا بضيق وقتك ولكن أعلم أيضًا محبتك لمصر وتتكلم مع الناس بصدر رحب، نحن لدينا فى مؤسسة البوابة مجلة ومركز دراسات فى فرنسا نشأ منذ ٥ سنوات، وخلال هذه الفترة ونحن نتقابل مع أعضاء مجلس النواب والشيوخ والبرلمان الأوروبى والمجلس الأوربى ونقيم ندوات مع الصحفيين ونسمع لهم، وبحكم تخصصى نحاول أن نجيب على كافة الأسئلة حول قصة الإخوان وتطور الإسلام السياسى بأوروبا، كما نجيب عن أسئلة كثيرة جدًا بمنطق أنك تدافع عن بلدك وتوضح أنه ليس هناك فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ومن الممكن أن يكون للبابا رأى أخر، من الممكن أن تقول أن الإسلام دين سمح، وتحديدًا المؤسسة الدينية الرسمية لا تحمل تطرفًا تجاه الأقباط او تجاه الأخرين، ممكن أن تتكلم عن الاقتصاد المصرى وأن الأزمة أساسها الحروب بجانب كورونا، وهناك مشروعات كثيرة تحاول الدولة أن تنشئها، ولكن حينما نتكلم مع رئيس الحكومة يقول كلامًا مختلفًا ويشرح الحقائق، فأتت الفكرة بأن نرتب هذه الزيارة لوفد فرنسى ولا علاقة للدولة بالموضوع ونحن صحيفة خاصة غير تابعة لأحد، وقلنا لهم: تعالوا اسمعوا قادة مصر فضيلة الإمام الأكبر والبابا تواضروس ورئيس الحكومة.
 



ووجه عبد الرحيم على حديثه لأعضاء الوفد قائلًا: أعلم أن قداسة البابا لن يبخل عليكم بوقته، ولن نحجر على أى سؤال فجميع الأسئلة متاحة، والصحفى ألكسندر ديلفال قال لى بالأمس لدى أسئلة صعبة فقلت له أنت لن تقابل غدًا بابا الأرثوذكس بل هو عالم وفيلسوف ومحب كبير ومفكر، كنا حريصين بأن الوفد لا يتشكل من صحفيين فقط أو سياسيين فقط أو مجتمع مدنى فقط بل قمنا باختيار نماذج كبيرة ومعبرة مثل: بيير لالوش سياسى كبير، كان لمدة ٢٥ عامًا نائبًا فى البرلمان ووزيرًا فى حكومتين ومستشارًا للرئيس جاك شيراك، ولف العالم كله بهذه الصفة وذهب إلى أفغانستان وباكستان وعالج مشاكل كبرى فى فرنسا، والسيناتور فاليير بواييى عضوة مجلس شيوخ وملمة تمامًا بكل ما يدور فى البرلمان، ومعنا أيضًا السيدة ميشال صبان وهى رائدة فى العمل المدنى سواء فيما يتعلق بالمناخ أو أطفال الشوارع، والصحفى الكبير ألكسندر ديلفال من أشهر صحفيى فرنسا، وأنتونى كولونا وهو يكتب فى واحد من أهم المواقع الفرنسية موقع فالير أكتويل، وهو صحفى شاطر جدًا وكثير الأسئلة وأيضًا كان لابد أيضًا أن نفتح قليلًا ونبتعد عن فرنسا فأتينا بفرانسيسكو دى ريميدز وهو واحد من أهم الكُتاب الإيطاليين ويكتب فى الجورنال الإيطالي، وأتينا أيضًا برئيسة تحرير البوابة لتكون مع الوفد.
 


ودار، عقب ذلك، حوار أجاب خلاله قداسة البابا عن عدة أسئلة طرحها أعضاء الوفد.
قال بيير لولوش: أود فى البداية أن أشكر الدكتور على هذا اللقاء وأشكر قداسة البابا لإتاحته الوقت لاستقبالنا، هناك خلاف فى الرأى فى فرنسا حول مشكلة التعايش بين الأديان بالخصوص فى بلدكم، وذلك مع قدوم جالية مهمة جدًا من المسلمين فى فرنسا، هناك قضية كبيرة تشغلنا حول بقاء حياة المسيحيين فى الشرق، خصوصًا بعد الحرب فى سوريا والعراق، إلى جانب أننى أهتم كثيرًا بمصير المسيحيين، فقد بدأت حياتى السياسية مع الأرمن، وكان لى الشرف أن أكرم بلقاء البابا شنوده، ورافقت رئيس الوزراء الفرنسى إلى العراق لمقابلة الجالية العراقية التى هجرت من طرف داعش وشاركت فى افتتاح أول سفارة للأرمن فى فرنسا، وأقول ذلك لأوضح مدى إلتزامى واهتمامى بهذه القضية، والسؤال هو: كيف ترى مستقبل المسيحيين فى مصر والشرق بشكل عام وهل هناك مكان للمسيحيين فى بلادكم؟
وأجاب البابا قائلًا: أولًا، مصر ومسيحيتها عاشت ٢٠٠٠ سنة، وتعرضت فى أزمنة كثيرة للأزمات ولكنها كنيسة قوية، وتضم هذه الكنيسة كل فئات الشعب من أطفال إلى شباب إلى جميع الأسر فهى كنيسة حية وقوية، وهذا هو التاريخ والآباء البطاركة مصريون تمت رهبنتهم فى بعض الأديرة، فعلى سبيل المثال عندما انتهيت من الدراسة وعملت فى فترة من الفترات ودرست فى إنجلترا ثم دخلت فى الدير عام ١٩٨٦م، وفى الدير أصبحت راهبًا ثم أسقفًا وفى النهاية بطريركًا فى ٢٠١٢م، أنا مواطن مصرى تعلمت فى المدارس الحكومية وفى جامعة الإسكندرية، ولى أصدقاء كثيرون مسلمون درسنا وتخرجنا معًا، وحتى اليوم نتقابل، بعضهم صاروا أجدادًا ويأتون بأحفادهم ليتعرفوا بى، وهذه طبيعة الإنسان المصرى، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة على أرض مصر ومن أرض مصر ولذلك الآن وحتى المنتهى لازالت قوية ووطنية، وكل مسلم ومسيحى يفتخر بهذه الكنيسة، ولربما الذين يزورونى فى الكنيسة من المسلمين أكثر من المسيحيين، وإن كان الوضع المسيحى قد تعرض لفترات ضعف فى عصور سابقة، ولكن الواقع المسيحى منذ عام ٢٠١٣م يتحسن، وكعلامة على هذا فى سنة ٢٠١٦م وضع أول قانون لبناء الكنائس، وقبل ذلك لم يكن هناك قانون مصرى لبناء الكنائس وكان يستخدمون قانونًا من الإمبراطورية العثمانية، وبعض الأقباط هاجروا إلى خارج مصر لأسباب اقتصادية أو دراسية او إجتماعية أو بحثًا عن العمل، ودائمًا فى عصور الأزمات تزداد الهجرة، ولكن دومًا يعود الاستقرار والسلام فيعودون إلى مصر.
 


وتابع قداسته قائلًا: بعض الأسر القبطية تخاف على أبنائها من بعض المجتمعات الغربية خاصةً فى بعض الأمور التى لا تتناسب مع التقاليد المصرية؛ ولذلك يفضلون العودة إلى مصر، ومع الملاحظة انه لا يمكن مقارنة مصر مع المجتمعات العربية الأخرى؛ فالمجتمع المصرى هو كتلة واحدة، ولذلك عندما ظهرت بعد الجهات المتطرفة، مثل الجهات التى سادت فى ٢٠١٢م؛ فيعتبر هذا جزءًا غريبًا على المجتمع المصرى، سواء المجتمع المسلم أو المسيحى، وأود أن أضيف أمرًا آخر حول خطورة تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين كما فى سوريا والعراق، فوجود المسيحيين فى الشرق الأوسط يمثل عازلًا من الصراعات التى كانت تنشأ بين جهات أخرى.
وعلق الدكتور عبدالرحيم على قائلًا: نعفى قداسة البابا من بعض الأشياء التى ممكن أن يقولها فأنا شاهد على العصر من السادات حتى السيسى وهذا الكلام كتبنا عنه فى ١٨ كتابًا وذكرناه خارج مصر، عانى الأقباط معاناة شديدة جدًا جدًا طوال فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ونتساءل لماذا؟ ذلك لأنه كان يؤخذ الأقباط كورقة للصراع على السلطة، سواء بين التيارات الدينية التى كانت تطمح للوصول للسلطة أو سواء السلطة التى كانت موجودة إذا كان السادات أو مبارك؛ فالتيار المتطرف وهو الإخوان كان هدفه هو الضغط وإحراج السلطة دوليًا، وهذا لا يعفى السلطات آنذاك من المسؤولية فى استخدام ورقة الأقباط فى الصراع مع الأمريكان؛ فكانت بعض الهجمات والاستفزازات للأقباط بعلم كامل من السلطة وقد عاصرت جزءً كبيرًا من تلك الأحداث، وكتبت عن ذلك فى الصحف؛ وللأمانة بعد ٢٠١٣م تغير هذا المنهج لم يصبح الأقباط ورقة فى الصراع على السلطة ولا فى الداخل او الخارج، ونتساءل لماذا؟ لأن فى الداخل السلطة حسمت صراعها مع التيارات المتطرفة فأصبح صراعًا صفريًا، بعد أن تم القضاء على التيار الأخر، وأحفظ مئات الأحداث فى هذا الشأن.. بعضها كتبناه والبعض الآخر يأتى زمانه لنحكيه، والآن السلطة الحالية لا تغازل الأمريكان بورقة الأقباط على الإطلاق وليس هناك أيضًا منافس سياسى حتى تستخدم ورقة الأقباط؛ ولكن هل وصل الحال لما يرتضيه الأقباط؟ سأعفى قداسة البابا تواضروس الثانى من هذه الإجابة وأنا كمسلم مصرى أقول لا، وأيضًا نتساءل لم لا؟
 


وتابع عبد الرحيم على قائلًا: دائمًا هناك فرق بين السفن الصغيرة عندما تغير اتجاهاتها وبين ناقلات النفط عندما تغير اتجاهاتها.. هذه تأخذ وقتًا بسيطًا فى تغيير الاتجاه والثانية تأخذ وقتًا كبيرًا جدًا عندما تغير واجهتها فى البحار، وهكذا سياسات الدول داخليًا وخارجيًا، الدول مثل هذه الناقلات، لكى تغير بنسبة ١٨٠ درجة تجاه هذه الدولة فيما يتعلق بقضايا الأقباط؛ فأنت تحتاج إلى وقت وتحتاج إلى وعد لأنك تعيش فى مجتمع وتحمى هذا المجتمع، وهذا المجتمع لديه اتجاهات فكرية؛ ولكن كما قال قداسة البابا الوضع يتحسن أفضل بكثير.. أتذكر فى ١٩٩٦م، اتخذت موعدًا مع اللواء حسن الالفى وكان معى الدكتور ميلاد حنا والدكتور رشدى سعيد ووالد الدكتور فكرى عبد النور، كنا ذاهبين لمناقشته حول كيف له أن يسمح للمحليات أن تسمح بترميم دورات المياه فى الكنائس، فقد كان وقتها لا بد أن يصدر قرار جمهورى بتعديل أو ترميم دورة المياه، وليس بناء دور عبادة.. كان قانون بناء دور العبادة حلمًا صعب المنال، لكنه اليوم واقع موجود على الأرض، والآن دخل أكبر عدد دخل من الأقباط فى البرلمان، وطوال ٤٠ سنة منهم ١٠ سنوات للسادات و٣٠ لمبارك كانوا ٥ فقط، اليوم نتحدث عن ٧٠ نائبًا، ومازلنا على الطريق، وعندما حدثت حادثة قتل الأقباط فى ليبيا يتذكر قداسة البابا أن الرئيس السيسى وقتها قال أننا لم نأخذ العزاء قبل أن نأخذ الثأر، وما كان يدمى قلوبنا طوال ٤٠ سنة مضت، أنه لم يحكم على مواطن مسلم واحد بالإعدام نتيجة قتله لقبطي، وكان يُقال علانيةً أنه لا يستوى رأس المسلم بالقبطى على الإطلاق، اليوم ينفذ الإعدام فى ١٨ مسلمًا متهمين فى قتل أقباط، هذه كانت كل القضايا التى عرضت على المحاكم فيما يتعلق بالأقباط.
وتابع قائلًا: كانت بعض المشاكل الكبرى من تهجير وقتل تنتهى بصلح من الطرفين بمعرفة السلطة الحاكمة، وبعض هذا لازال يحدث وهذا نتيجة أعراف مستقرة وليس نتيجة قانون، ولكن ليس بمعرفة السلطة كما كان يحدث، وأعتذر لقداسة البابا أنى قد تدخلت فى حديثه، ولكنى أعفيه من الحرج فى التدخل فى هذه الموضوعات، وأرجو أن أكون قد قلت جزءًا مما يعترك فى داخله.. وهنا ابتسم البابا تواضروس وقال ضاحكًا: الاستعانة بصديق حاجة مهمة جدًا.
وتحدث عضوة مجلس الشيوخ الفرنسى قائلة: شكرًا لإتاحة الوقت لاستقبالنا وشرف كبير أن تستقبلنا، وأشكر الدكتور على الذى سمح بهذا اللقاء.. هذا أمر مهم جدًا بنسبة إلينا، وإذا سمحتم سأعرف نفسى باختصار فأنا برلمانية منذ ٢٠ سنة واليوم فى مجلس الشيوخ وبالفعل مسألة التنوع الثقافى والدينى مسألة مهمة فى عالمنا فى فرنسا مثلما فى مصر.. فى فرنسا نحن نعانى كثيرًا من أزمة الهوية والانفصال عن الثقافة المسيحية وفى مواجهة ذلك هناك هجرة إسلامية قوية جدًا وتعتبر فرنسا من أول دولة أوروبية أرسل لها جهاديون من قبل داعش، ونلاحظ كذلك التنوع الدينى فى الشرق الأوسط فى طريقه إلى الانفصال، فى سوريا ولبنان تنهار، بينما البلد الوحيد التى تنعم بالتنوع والتعايش فى الثقافات والديانات هى مصر ونلاحظ كذلك أنه لا وجود للاهوت فى الشرق الأوسط، وكذلك الأمر فى منطقة المغرب. ولدى سؤالان: الأول فى حديثكم عن البابا فرنسيس ذكرتم العلاقة الروحية بينكما، فإذًا كيف تفكران معًا بالنسبة لمستقل المسيحيين فى الشرق وفى العالم، السؤال الثانى: أود أن أعرف كيف تفكرون فى محاربة أفكار اضطهاد المسيحيين، وكيف تساعدكم الحكومة فى ذلك، خصوصًا أنه قد وردنا معلومات عن اختطاف بنات والزواج القصرى وتهجير الأقباط، ولا يمكن استرجاع الفتيات لأنها إذا رجعت ستعتبر كافرة؟.
قال البابا تواضروس الثانى: بالنسبة للسؤال حول العلاقة بينى وبين البابا فرنسيس نحن قادة دينيون ويهمنا السلام على الأرض وكما علمنا السيد المسيح أن القلب يتسع لكل خليقة الله، ويهمنا لمن يهاجر أو يتعايش فى مجتمع آخر بأن يلتزم بقوانين مجتمعه الجديد وليس الحياة الدينية، لأن الحياة الدينية أمر شخصى بين الإنسان وخالقه ولكن فى نفس الوقت أوروبا بصفة عامة قد تخلت عن جذورها المسيحية ولذلك تعانى من مشكلات كثيرة مجتمعية، عندما زارنا أحد المسؤولين فى أوروبا ودخل إلى الكاتدرائية سألنى "لماذا كل هذه المقاعد؟"، والكاتدرائية بشكل عام تستوعب حوالى خمسة آلاف شخص، وفى مناسبات كثيرة تمتلئ الكاتدرائية على آخرها، وتقف أعداد بالآلاف فى خارج الكاتدرائية، لذلك تستوعب الكاتدرائية الجديدة فى العاصمة الإدارية عشرة آلاف، وعندما نزور بعض الكنائس فى أوروبا نجدها بلا مقاعد، وهذا يعنى أنها بلا مؤمنين، ولذلك التخلى عن الجذور المسيحية أمر له خطورة كبيرة، هذا بالنسبة للعلاقة والود مع قداسة البابا فرنسيس، والعمل على قبول كل إنسان مع الالتزام القوى بالقوانين فى البلد الجديدة، وتنحصر المظاهر أو العلاقات الدينية داخل المعبد الدينى.
وبالنسبة للسؤال الثانى سأتكلم حول الاضطهاد، أولًا التعريف الحرفى لهذه الكلمة يكون الاضطهاد بأوامر من الحاكم، وغير ذلك نسميه بعض الأزمات أو الضيقات فى المجتمع وسأشرح هذا الأمر، فمثلًا مصر بها أكثر من ٥ آلاف قرية.. وليس كل القرى بها مدارس ولا مراكز للثقافة ولا الأسر تعلم أبناءها وإذا حدث مشكلة ما وطرفاها من دين مختلف فإن هذا شيء متوقع، ومصر بها أكثر من ١٠٠ مليون مواطن ولا يتمتع الكل بنفس الثقافة والقلب المنفتح ولذلك عندما تحدث أية مواقف فى بعض القرى فهذه تعتبر استثناءات وليست ظاهرة ولا يمكن التعويل عليها ونحاول أن نحل هذه المشكلات من خلال السلطات المحلية، وحاليًا، يوجد بيت العائلة بين الكنيسة والأزهر وله دور اجتماعى إيجابى وهى مؤسسة اجتماعية، وهذا ينطبق على الضعفات التى يمكن أن تحدث مثل ما يقال عن البنات، أحيانًا يكون أسبابها العنف إذا كان بين الزوج والزوجة أو بين الأب وبناته، وبعض العلاقات العاطفية الخاطئة، والبنت فى المجتمع المصرى لها وجود حساس؛ لذلك وجود مصطلح الخطف مقتصر على البنات فقط.
وأكمل قداسته قائلًا: ولكن أود أن أشهد أن هناك مواقف كثيرة قامت قوات الشرطة بإرجاع هؤلاء البنات وهذا حدث فى مواقف كثيرة، وهذه علامة أخرى تثبت أن مصر تسير نحو المساواة وهذا لم يكن يحدث قديمًا كما أشار الدكتور عبد الرحيم.
وعقب الدكتور عبد الرحيم على هذه الإجابة بالقول: دعنى أتدخل أيضًا فى هذه النقطة لإعفاء قداسة البابا من هذا الأمر الحساس فقد تابعت هذا الموضوع سنوات طويلة جدًا، وفى الحقيقة كان هناك جماعات بعينها متخصصة، ليس بهدف خطف الفتيات بل تحرض بعض الشباب المسلمين للارتباط بفتيات مسيحيات، وتمويل كل ذلك من هذه الجهات، وكانت هذه الجماعات معروفة بالاسم، وكان هناك نوع من غض البصر عنهم، وفى الوقت الذى هناك به قانون يتحدث عن عدم جواز القاصرات بدون إذن من ولى أمرها، كان يسمح فقط فى حالات القبطيات، وكان البعض يفهم هذا خطًا بأن هذا نوع من الجهاد نتيجة الأسلمة ردًا على ما كان يحدث فى ثلاثينات وأربعينات القرن الماضى بما يسمى التنصير، ومنذ ٢٠١٤ بتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى السلطة صدرت تعليمات واضحة جدًا، سمعتها بأذنى "مفيش بنت قاصرة مسلمة مسيحية تتزوج بدون إذن والدها"، حتى لو تم هذا الزواج يُبطل على الفور، وكانت الأجهزة المنفذة تُريد أن تسمع هذا من القيادات السياسية مباشرةً، ومنذ ذلك الحين كما أشار قداسة البابا حاولوا تنفيذ نفس هذه الاستراتيجية القديمة مع عشرات الفتيات، وتم الضرب بيد من حديد ورجوع هذه الفتيات، وأيضًا يحتاج هذا الملف إلى وقت، سواء من الكنيسة المصرية أو من السلطة؛ لأن هناك بعض الحالات كما أشار قداسة البابا حيث تحدث مشكلة بين زوج وزوجة وليس هناك طلاق، فيغويها "سافل" يسكن بجوارها فتهرب معه، وتبدأ المشكلة من هنا ويقال مسيحية هربت مع مسلم.
وأكمل على قائلًا: بدأوا بتنفيذ فكرة أنه لابد أن يقابلها الأب الكاهن خاصتها ويتحدث معها ويحاول أن يحل المشكلة، وهذا معناه كما قال البابا أننا على الطريق نسير لم نصل قطعًا لمئة فى المئة؛ ولكن الخطوة بدأت وعلى الناس أن تشجع هذه الخطوات.
وقال أنتونى كولونا: أود قداسة البابا فى البداية أن أحييك على استقبالك لنا وانت رجل عظيم وتمثل ١٥ مليون مصرى، فقاطعه عبد الرحيم على معلقًا: هو يمثل ١٠٥ مليون مصرى ليس هناك مصرى لا يحبه.
وطرح سؤالين الأول يتعلق بالحجم الديموغرافى للمسيحيين فى مصر؟ والثانى يتعلق قليلًا بما ناقشناه فى هذه الجلسة وهو علاقتكم بالكنائس الأخرى فى الشرق الأوسط، وكذلك المعاناة التى شهدتها المنطقة على مدار العشرين عامًا السابقة، وهؤلاء الأقباط الذين عانوا خلال هذه السنوات وتركوا البلاد هل عبروا عن رغبتهم فى العودة أو النقاش معكم او مع الحكومة من أجل العودة إلى مصر؟
وأجاب البابا تواضروس قائلًا: سأبدأ بالسؤال الثانى، الأقباط المتواجدون فى الدول العربية متواجدون من أجل العمل فقط، فهم مع أخواتهم المسلمين، وبعض هذه المجموعات موجودة فى الإمارات والكويت والأردن ولبنان، على سبيل المثال لنا فى الإمارات ٧ كنائس قبطية، وعدد الأقباط الذين يعملون هناك ٣٠ ألف قبطي، وأيضًا من العلامات الجديدة أن المملكة العربية السعودية قد سمحت بقيام صلوات القداس الإلهى على أرضها لأول مرة وقد أرسلت أحد الآباء المطارنة من الكنيسة للقيام بصلوات القداس الإلهى هناك، وطلبوا منه أن يصلى قداس عيد الميلاد، وهذا يعتبر تحولًا كبيرًا وللمرة الأولى يُقام قداس عيد الميلاد القبطى يوم ٦ يناير من هذا العام؛ فخروج الأقباط للدول العربية لأسباب اقتصادية بحته، وهذا يختلف عن خروجهم للدول الغربية.
وردًا على سؤال: هل الأقباط فى سوريا والعراق طلبوا من الرجوع لمصر؟ فقال البابا: ربما طلبوا من الدولة ولكنهم لم يطلبوا منى. ثم إن فى الوقت الحالى يوجد فى مصر أكثر من ٥ ملايين لاجيء من السوريين والعراقيين والسودانيين والأثيوبيين، كما كان فى القديم حينما استقبلت مصر الأرمن.. مصر مرحبة بالجميع، مصر هى الأخ الكبير لكل دول الشرق الأوسط.
وأما عن السؤال الأول حول علاقتنا بالكنائس المسيحية فى الشرق الأوسط فهى علاقة قوية، ونحن عضو مؤسس فى مجلس كنائس الشرق الأوسط وفى مايو الماضى تمت إقامة الجمعية العامة الثانية عشر للمرة الأولى على أرض مصر منذ تأسيس المجلس عام ١٩٧٤م، وقد ذهبنا مع قادة الكنائس واستقبلنا الرئيس السيسي، وأجرينا معه حوارًا مثمرًا جدًا، وتمتعنا برؤيته الثاقبة للمستقبل وهناك زيارات دائمة متبادلة بين كل قادة كنائس الشرق الأوسط وقلبنا متسع للجميع.
الأقباط متواجدون فى جميع قرى مصر وغالبًا لا تخلو مدينة أو قرية من وجود أقباط حتى لو لم تكن هناك كنيسة، ومن الناحية الأخرى هناك أقباط كثيرون يشغلون مناصب مهمة فى الدولة، فمثلًا رئيس المحكمة الدستورية هو قبطى للمرة الأولي. ويوجد إثنان من المحافظين من بين ٢٧ محافظة توجد سيدة قبطية فى موقع المحافظ، ونائبة محافظ الإسكندرية هى سيدة مسيحية أيضًا، ومديرة الهيئة الوطنية للتدريب قبطية، بجانب الكثير من قادة القوات المسلحة والشرطة، ويوجد بعض أساتذة الجامعات ويوجد طبيب مشهور هو مجدى يعقوب 
وتواصلت الأسئلة: كم عدد أطفال الأسرة القبطية فى مصر؟ وأجاب البابا: فى الكنيسة القبطية تقريبًا ينجبوا ٢ او ٣، وانا مثلا لى أخان إثنان. 
وسأل أحد أعضاء الوفد: لدى سؤلان، السؤال الأول كم كنيسة تم بناءها فى مصر بعد قانون ٢٠١٦م؟ وهل ممولة من الدولة؟
وأجاب البابا: يمكن أن أقول أن البناء بمعدل كنيسة كل شهر. والكنائس الممولة من الدولية هى كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية، بجانب بعض الكنائس فى المدن الجديدة فقد قامت الدولة ببنائها. وردًا على سؤال كم يبلغ عدد الكنائس فى مصر الآن؟، أجاب البابا قائلًا: ليس عندى إحصاء بعددهم، ولكنها تتعدى خمسة آلاف كنيسة ونحن ١٥ مليون قبطى فمازالت هنالك مناطق تحتاج لبناء كنائس بسبب زيادة السكان.
فقال عبد الرحيم علي: ونحن نتمنى كمصريين بشكل عام وأنا أتحدث كمسلم مصرى بأن يأتى الوقت الذى يحتاج فيه أى قبطى لبناء كنيسة فى أى قرية ويمتلك قطعة أرض للكنيسة بأن يستطيع بناءها، فكلما كثر بيوت الله كثر الخير والبركة.
وطُرح سؤال يقول هل تحدثت مع البابا فرانسيس حول أوضاع الكنيسة هنا فى مصر، وفى اللقاء المقرر إقامته فى المستقبل هل هناك موضوع معين سيتم مناقشته وهل هناك قضايا أو رسائل تحب أن ترسلها له؟، فأجاب البابا: لم نتحدث حول أى موضوع داخلى يخص الكنيسة ولكننا اشتركنا معًا عندما استشهد ٢١ قبطيًا فى ليبيا، فكان بيننا مكالمات ورسائل، وقد أضافت الكنيسة الكاثوليكية الـ٢١ قبطيًا فى سجلاتها الرسمية، وأما عن الاحتفال المقبل فى شهر مايو فهو للتأكيد على المحبة بين الكنيستين، والاحتفال بمرور ٥٠ عامًا على هذه العلاقات، وتشجيع الحوار الذى يتم بين لجنة الكنيستين، ويتم سنويًا فى نهاية شهر يناير من كل عام، وهو حوار لاهوتى من أجل فهم أفضل بين الكنيستين، وسيكون اللقاء رقم ٢٠ فى روما فى يناير من العام المقبل. 
وقال عبد الرحيم على: أريد أن أقول لكم بمناسبة استشهاد الـ٢١ قبطيًا، كان الحزن وقتها فى كل بيت مسيحى ومسلم، وكانت المطالبة بالثأر من كل المصريين مسلمين ومسيحيين، ولم يهدأ المصريون جميعًا إلا عندما تم الهجوم على قواعد داعش فى ليبيا وقتل أكثر من ٢٠٠ من المتطرفين والإرهابين، وكانت هى المرة الأولى خارج الحدود. 
 


واستمر الحوار فقالت ميشال صبان: أولًا أُحييك على استقبالنا اليوم وأيضًا على الحديث التى تحدثته معنا، وهو الذى لم يكن يحدث لولا وجود الدكتور عبد الرحيم علي، فهو يعطى صورة عن مصر الحديثة التى لا نعلم عنها شيئًا (وهنا قال البابا تواضروس معلقًا: الدكتور عبد الرحيم دكتور شاطر وكان له برامج تليفزيونية مؤثرة جدًا ونحن نتعلم منه).. وواصلت "صبان": أنا أعمل فى مجال متعلق بالتقلبات المناخية وأثناء قمة المناخ فى باريس فى عام ٢٠١٥م وفى مبادرة من رئيس الجمهورية قاموا بإطلاق قمة من أجل الوعى، التى قامت بتوحيد ودعوة كل الأديان فى باريس وكان البابا فرنسيس قد دعا للمزيد من الوعى، وكنت أيضًا منذ وقت قريب فى قمة المناخ بشرم الشيخ، وقد لاحظنا هذا الاهتمام بالتغيرات المناخية والرغبة فى إدارة هذا الملف فى مصر، هل هناك توجهات من قبل قداستكم من أجل تناول هذا الموضوع فى الكنيسة؟. 
وأجاب البابا تواضروس قائلًا: شكرًا لسؤال حضرتك، نحن قد شاركنا فى قمة المناخ Cop٢٧، وقد أرسلت أسقفًا إلى شرم الشيخ وعقدنا لقاء صلاة من أجل هذه القمة وشارك به جميع المسيحيين فى هذه القمة، كما زاروا الكنيسة القبطية هناك، وكان لنا تعاون مع مجلس الكنائس العالمى وقد أطلقنا مبادرة العام الماضى من أجل زراعة الآلاف من الأشجار فى الأديرة والكنائس، وخلال اجتماع الأربعاء الماضى قمت بدعوة الشعب بما يسمى بـ"ساعة الأرض" وهى فى هذا اليوم يوم السبت الأخير من شهر مارس، حيث تغلق جميع الأدوات الكهربائية لمدة ساعة، ولنا تعاون مع كامل مع وزارة البيئة المصرية، خاصةً فى تنظيف البحار والترع، ويقوم بهذا الدور مجموعات كبيرة من الشباب، ونعقد ندوات للتوعية لكل الآباء الكهنة والشباب فى الكنائس.
وتحدث الكاتب الصحفى ألكسندر ديلفال، قائلًا: شكرًا على استقبالك لنا وشكرًا لصديقى عبد الرحيم على الذى أعمل معه منذ سنوات واعتاد أن يقدمنى كمشاغب، وتخصصى هو الجيوسياسة، وهو كصديق ألاحظ أنه يقوم بعمل مهم فى مجال محاربة التطرف، ونصرة المسيحيين عبر العالم، وهذا شىء مشرف بنسبة له خاصةً وأنه مسلم.. سؤالى: هل هناك تعامل مع الأزهر؟.
فأجاب البابا تواضروس: نحن نتعاون مع الأزهر فى كل الموضوعات الاجتماعية والإنسانية والأديان تتوافق ولكن لا تتطابق
وعاد ألكسندر ديلفال ليسأل: تحدثتم عن الكنيسة الروسية وماذا عن علاقتكم بالكنيسة الأوكرانية المنفصلة عن الكنيسة الروسية؟، فقال البابا تواضروس: لدينا علاقة طيبة مع الكنيسة الروسية، والكنيسة الروسية ممتدة إلى أوكرانيا ولكن الجزء الأوكرانى انفصل عن الكنيسة الروسية، ونحن لا نقبل انقسام الكنائس، ونحن ندين ما يحدث فى أوكرانيا ضد الكنائس والأديرة الروسية.. هذه حرب عبثية وليس لها أى معنى وأنا أتعجب من الغرب الذى يساند أوكرانيا، رغم استمرار هذه الحرب بلا نهاية وتأثيرها على ملايين من البشر، ولها تأثير سىء على مصر.
فى نهاية اللقاء، أعرب قداسة البابا عن سعادته بلقاء الوفد الفرنسى وبالحوار الصريح معهم، وقام الوفد بجولة داخل الكاتدرائية معبرين عن شكرهم وتقديرهم لقداسة البابا وسعة صدره.