البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مجددون.. المستشار سعيد العشماوي ومعركة الإسلام السياسي

 المستشار سعيد العشماوي
المستشار سعيد العشماوي

تقدم "البوابة" في هذه النافذة على مدار شهر رمضان، كل يوم رائدا من رواد التنوير في مصر، للتعرف على دورهم في محاربة الظلام والفكر المتطرف وإنارة طريق العقل والتنوير للسير في درب التقدم والتطور ومواكبة العالم الحديث

واحد من رواد التنوير في القرن العشرين، ومن أوائل الذين خاضوا حروبا شرسة مع تلك الجماعات الظلامية التي تعيش في الماضي، مذهبها إراقة الدماء وتكفير الآخر، هو المستشار محمد سعيد العشماوي الذي ولد سنة ١٩٣٢م وتوفي ٧ نوفمبر ٢٠١٣، كاتب ومفكر مصري وقانوني عربي عمل قاضيًا، تولى سابقا منصب رئيس لمحكمة استئناف القاهرة ومحكمة الجنايات ورئيس محكمة أمن الدولة العليا.
نشر أكثر من ثلاثين كتابا بالعربية والإنجليزية والفرنسية منها الإسلام السياسي – أصول الشريعة – الخلافة الإسلامية – ديوان الأخلاق – العقل في الإسلام – الأصول المصرية لليهودية وأهم كتاب له بالإنجليزية طبع عدة مرات ويباع في الأسواق والمكتبات الأمريكية كما تجده على موقع أمازون للكتب وكان يكتب في عدد من الصحف والمجلات المصرية، وبالخصوص مجلة أكتوبر.
هذا فضلا عن عشرات المقالات التي نشرت في أشهر الصحف والمجلات العربية ومواقع الإنترنت.
أدرجت الجماعات المتشددة اسم المستشار محمد سعيد العشماوي فى أول قوائم المرشحين للاغتيال، نتيجة لكتاباته ومواجهته الجريئة والقوية لأصحاب الفكر الديني المتشدد في مصر منذ أواخر السبعينيات، فقد حارب العشماوي على جبهتين، الأولى الجماعات الإسلامية المتشددة التي تصاعدت حدة نداءاتها لأجل إقامة دولة الخلافة الإسلامية، لدرجة حمل السلاح واستهداف أبرز المخالفين لهم فكريًا.
وفنّد "العشماوي" في كتابه «الخلافة الإسلامية» ادعاءات المتشددين بأن «صلاح الأمة الإسلامية مرهون بعودة الخلافة» مستعينًا في ذلك بروايات تاريخية منها أن «الخلافة الأموية ضربت الكعبة بالمنجنيق مرتين فهدمتها في كل مرة، وسمحت لجنودها بدخول مسجد الرسول بخيولهم»، وأن الجزية التي ألغاها الخليفة عمر بن عبدالعزيز قائلًا إن «محمدًا أُرسل هاديًا ولم يُرسل جابيًا» هي نفسها الجزية التي فرضها الخلفاء الأمويون على رعاياهم من غير المسلمين «كأنما هم رعايا دولة أخرى أو كأنهم غير مسلمين»، وأن الخليفة المأمون الذى أنشأ بيت الحكمة والترجمة وكان عهده عهد الحرية الفكرية «هو الذى أثار فتنة خلق القرآن وفرض على الناس اعتقاده بمرسوم خاص كالمراسيم التي تصدر عن المجامع المقدسة غير الإسلامية (مثل مجمع نيقية ومجمع خلقدونيا)».
تعرّض العشماوي في كتابه «حقيقة الحجاب وحجية الحديث» لروايات تفيد بأن الحجاب ليس فرضًا في الإسلام كما هو شائع، وإنما هو دعوى سياسية «فرضته جماعات الإسلام السياسي أصلًا لتميز بعض السيدات والفتيات المنطويات تحت لوائهم من غيرهن من المسلمات وغير المسلمات».
وذيّل سعيد العشماوي كتابه برأي موجزه أن منهج الإسلام لا يفرض حتى إقامة الحدود وأنه لو حاول الجاني الهرب من إقامة الحد فعلى الجماعة معاونته على ذلك وإلا خالفوا منهج الإسلام.
ومن أبرز كتب العشماوي كتاب «جوهر الإسلام» الذي تناول فيه الآيات التي يستدل بها أنصار عودة الخلافة على موافقة مطلبهم لصحيح الدين، وفى مقدمتها «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. هم الظالمون.. هم الفاسقون» مشيرًا إلى أن «كلمة الحكم في القرآن لا تعنى سياسة أمور الناس مما يُسمى في العصر الحالي: الحكومة. والقرآن يعبر عن الحكم السياسي والسلطة العليا في المجتمع بلفظ الأمر، ومنه الأمير، أي الشخص الذى يتولى الحكم والسلطة، ولذلك لقّب عمر بن الخطاب نفسه بلقب أمير المؤمنين (لا حاكمهم) وفى القرآن: (وشاورهم في الأمر)، و(أمرهم شورى بينهم)، والأمر هنا هو السياسة العليا للجماعة».
ويرى العشماوي في كتابه "الخلافة الإسلامية" أن هناك خلطا عاما بين تاريخ الدين وبين الدين نفسه ويقول في هذا الصدد "إن الخلافة الإسلامية ليست ركنا من أركان الإسلام ولا حكم من أحكام الشريعة، لكنها جزء من تاريخ الإسلام كان من الممكن أن يقع بصورته التي حدثت أو يقع بصورة أخرى مغايرة أو لا يقع أبدا، والخلط بين الإسلام والتاريخ خطأ فادح جعل البعض يعتقد خطأ أن الخلافة الإسلامية هي الإسلام ومن ثم ينظر إليها من منظور عاطفي ويحكم عليها بمعيار وجداني ويضفى عليها هالة من الأوهام وينسب إليها كل فضيلة ويرفع عنها كل زلل".
ويرى العشماوي أن الخلافة ليست هي الإسلام ولم تخدم الإسلام حقيقة بل إنها أضرت به حين ربطت العقيدة بالسياسة والشريعة بالحكم ثم جعلت الحكم وراثيا وصيرته مطلقا مستبدا.
ويقوم الأفق الإدراكي لعشماوي، في تشخيصه النقدي للواقع العربي - الإسلامي، تاريخيًا وراهنًا، على الوعي بضرورة التجديد الديني، وفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، مع ما يقتضيه ذلك من الحفر بلا مواربة في أغوار العقل التراثي الإسلامي، وتفكيك قداساته، ومواجهة قراءاته/ادعاءاته، وإعادة تقييم جذريّة لكلّ مفاعيله في الحياة العامة الإسلامية، على ضوء معطيات العلوم الإنسانية الحديثة، باعتباره المسئول الأوّل عن حالة الأزمة، والركود، والتخلّف، والفوات الحضاري، التي يرزح تحت وطأتها المسلمون منذ قرون طويلة.
ويؤكد العشماوي في كتابه "أصول الشريعة" على الإطار المرجعي له ومنطلقاته الفكرية إذ يحددها فيما يلي:
- مراجعة الفهم الحرفي للنصوص الدينية (القرآن والسنة)، والدعوة إلى قراءتها بمنهجيّة جديدة قائمة على أساس الواقعية الظرفية للنص الديني =( تاريخية النص)، مع التسليم الابتدائي بأنّ القرآن، في ذاته، نصٌّ منزّه تنزيهًا كليًا.
- تجاوز المدوّنة الفقهية التقليديّة بكلّ ما تنطوي عليه من تفاسير، وشروحات، وتأويلات، ولاسيما فيما يتعلق بموضوعات الدولة، والسياسة، والجهاد.
- إعادة تقييم التجربة التاريخية الإسلامية.
- نزع القداسة عن الإسلام التاريخي التراثي.
- الاستقراء التاريخي للفكر/الفقه الإسلامي.
- مناهضة القراءات المتأسلمة/السلفية.
- القطع مع شعار «الحلّ الإسلامي».
- إبراز البعد الإنساني للإسلام.
- تنمية الخطاب الإسلامي في اتجاه العلمنة.