البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

قَسَمْ مزاولة المهنة الإعلامية

   يعد المقطع الصوتي "أقسم بالله العظيم" مقطعًا صوتيًا ذا مهابة وقوة، ينقل في النفس إحساسًا قويًا بالأهمية الكبرى لما سيرد بعده، إن القسم يجعلك شبه متأكد أن ذلك الشخص الذي يقسم عازم كل العزم على ألا يخون كلماته، أو يتجاوز عن الأفعال التي تعهد بها مهما حدث. لذا تقسم الغالبية العظمى من البشر بـ"الله" ويشفعون القسم بصفة عظيمة من صفات الله العظيمة مثل “العظيم”، حينها يكون الأمر أن من يقسم لك يؤكد لك أنه صادق ولن يخلف كلماته.

   بناءً على ما سبق صار القسم أساسًا لقبول أفعال إنسانية كثيرة هامة، لعل أهمها الشهادة في المحاكم أمام القضاة لدرء تهم أو إثبات حقوق عن أفراد من البشر بعينهم في حالات محددة هي القضايا المختلفة. إلا أن هناك استخدام آخر للقسم موجه لأفراد غير محددين في حالات عامة وهو قسم مزاولة المهنة. حين يتخرج الطالب من كلية الطب يقسم قسم أبقراط من أجل القيام بواجباته كطبيب على أفضل ما يكون الطب. يعرض القسم من يقسمون به لمظلة من الحماية، إذ لا يمكن أن يقوم المقسم بفعل ما يخالف هذا القسم مهما حدث. ويعد هذا حقًا أصيلًا من حقوقه غير قابل للمناقشة، فلا يمكن أن يفشي الطبيب أسرار المريض مطلقًا، حتى وأن كانت هذه الأسرار تغير مجرى الحياة في كثير من الميادين. إلا أن القيام بأي فعل يخالف هذا القسم يعرض المخالف أيضًا لعقوبة النكث بالقسم، وهي عقوبة تختلف حسب قوة المخالفة ونوعها أحيانًا.

   إذا كان الطبيب والمهندس يقسمان حتى يرعيا شئون الإنسان في ميدانيهما، فمن باب أولى أن يكون للإعلامي قسمٌ يحميه، ويحمينا من سقطاته. إن قسم مزاولة المهنة ليس تقليدًا يشبه التقاط الصور على السجادة الحمراء في حفل تخرج بهيج. إن الأمر أكبر من ذلك. إن القسم يجعل ممارس المهنة مسؤولًا وواعيًا بصفة أكبر لما يقوم به. يجعلنا ننتظر منه الالتزام بأمور محددة تفيدنا وتجنب أخرى لا تفيد. إن قسم مزاولة المهنة يعطي للمهنة قيمة عليا في ميزان الصدق.

 إن الإعلام يعالج جروح الحقائق ويوصل المعلومات في وقت وشكل متاسبين، ويوجه المجتمع وأفراده لما يجب عليهم أن يفعلوه، ويجنبهم ما يجب أن يتجنبوه، ويوصلهم لرؤية مستقبلية مسؤولة عن الحياة. إن الإعلامي يمسك طوال الوقت مبضعًا للحقيقة يشق به جروحًا ويقطع به مواضع الألم، ويملك أسلحة لا يمكن مداواة آثار هجماتها بعملية جراحية تنتهي مه نهاية يوم طويل، أو بتناول علاج ناجع التأثير. إن الإعلامي حين يهجم قد يحرك حربًا بأسلحة ثقيلة من المعلومات التي يمتد آثارها لزمن طويل. وقد لا يزول هذا الأثر على الإطلاق لأن من يعرف ليس كمن لا يعرف أبدًا مهما طال الأمد. إذا كان الإعلامي كل ذلك، أليس من الأولى أن يكون له قسم يشعره بمسؤولية عمله ويعكس للآخرين المهمات العطيمة المعلقة بممارساته.

   يحتاج خريجو الإعلام قسمًا ملائمًا ينص عليه قانون العمل بشكل عام لكل أجهزة العمل الإعلامي داخل الدولة، يشعر الخريج أنه انضم لكتيبة شرف مزاولة هذه المهنة التي إن صلحت صلح الوعي، وما أدراك ما الوعي، أليست كل اسلحة الإعلام الآن تقوم على فكرة الوعي الصحيح حتى لا يزيد ضحايا الوعي المزيف في وقت صار الخداع الإعلامي فيه أسلوب حياة على مواقع التواصل الاجتماعي؟