البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

العالم على أعتاب شتاء ساخن

هذه المرة ليس بسبب التغيرات المناخية، وإنما على خلفية تداعيات الأزمة الأوكرانية التى تشهد تطورات متسارعة؛ منها ما يتعلق بتهديد نووى وشيك، ومنها ما يرتبط بالانقسامات فى الداخل الأمريكي، وبعضها يتعلق بتفاهمات وتحالفات جديدة بين أعداء الأمس سعيًا لتفادى أزمات الاقتصاد وفى القلب منها نقص الغذاء.
بعد فشل الرئيس الأوكرانى فلودومير زيلينسكى فى إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة بالمسارعة فى اتهام روسيا بقذف بولندا بصاروخين ثبت فيما بعد أنهما أوكرانيين؛ عاد مجددًا لشن ضربات صاروخية مكثفة على محطة الطاقة النووية بزابوروجيا طالت هذه المرة مخزنين أحدهما للوقود النووى والآخر للنفايات النووية.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية أطلقت تحذيرات من وقوع انفجارات ضخمة بالمحطة مشددة على أن استمرار القذف يهدد بكارثة نووية محققة.
وبينما أصرت أوكرانيا على نفى تورطها، نشر رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان الروسية فيديو يوثق استهداف المحطة النووية بأكثر من 15 صاروخًا أوكرانيًا.
زيلينسكى الذى بات مصدرًا لقلق المسئولين الغربيين الداعمين له والسياسيين والبرلمانيين المعارضين لسياسات واشنطن والاتحاد الأوروبى إزاء الأزمة على حد سواء بسبب سلوكياته؛ يسعى جاهدًا لتوريط حلف النيتو فى مواجهة مباشرة مع روسيا ولن يترك فرصة دون أن يستغلها.
لقد أصبح الممثل الكوميدى يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن العالمى وقد يستثمر أى تقدير خاطئ لحادث مشابه لصاروخى بولندا لإشعال فتنة عالمية؛ لكنه على ما يبدو قرر ألا ينتظر تلك الصدفة فذهب مباشرة إلى محاولة تفجير محطة زابوروجيا النووية لإدراكه أن أى تسرب إشعاعى كبير سيشكل تهديدًا حقيقيًا لمعظم الدول الأوروبية وهو ما من شأنه رفع احتمالات المواجهة العسكرية مع روسيا الاتحادية ذلك أن واشنطن وحلفائها فى النيتو قد لا يلتفتون للتحذيرات الروسية الراهنة ويعمدون إلى تصديق الرواية الزيلينسكية.
فى واشنطن تحدثت تقارير صحفية عن تجاهل الرئيس الأمريكى جو بايدن عدة مكالمات هاتفية واردة من زلينيسكى بعد واقعة بولندا وهو ما يعكس ليس فقط امتعاض الداعم الأول لأوكرانيا وإنما أيضًا مخاوف أمريكية رسمية من خروج الممثل الكوميدى عن حدود الدور المرسوم له بما يجعله يمثل تهديدًا حقيقيًا على الأمن القومى الأمريكى؛ وهذا ما بدأ بعض الساسة الأمريكيون التعبير عنه بوضوح.
هنا قد يطرح تساؤل عن مستقبل زيلينسكى كرئيس لأوكرانيا وما إذا كان البيت الأبيض قد يعمل على خطة لإبعاده واستبداله بشخصية أخرى ربما تكون قائد الجيش الأوكرانى؟!.
فى سياق متصل خرج رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلى بتصريحات مفادها أن تراجع حدة العمليات العسكرية خلال فصل الشتاء قد تمثل فرصة لبدء ترتيب مباحثات تمهد لعملية مفاوضات تنهى الصراع العسكرى، وبالتزامن مع هذا التصريح الذى اعتبره بعض المراقبين تحول فى الموقف الأمريكى تحدثت تقارير صحفية عن حث مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان فلودومير زيلينسكى على إبداء مرونة للتفاوض مع الروس؛ وفى ذات الوقت حرص مسؤولون بالبيت الأبيض والبنتاجون على التأكيد أن أوكرانيا وحدها من يقرر الانخراط فى مفاوضات سلام من عدمه.
فى ظنى أن هذه المواقف الأمريكية المتضاربة بشأن إمكانية البدء فى ترتيب مباحثات سلام ليست إلا محاولة يائسة لكسب المزيد من الوقت خلال فصل الشتاء فى ظل التقارير المتكررة حول نقص مخزونات الأسلحة والذخيرة لدى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين فى حلف النيتو؛ حتى يكون هناك فرصة لتعويض المخزونات التى تم إهدارها فى هذه الحرب.
لا أعتقد أن استراتيجية الولايات المتحدة بشأن إطالة الصراع مع روسيا على الأراضى الأوكرانية قد تغيرت لاسيما أنها المستفيد الأول اقتصاديًا حتى الآن بعد أن نجحت فى فرض هيمنتها على الاتحاد الأوروبى عبر بيع الغاز المسال بأربعة أضعاف سعره؛ واستغلالها لأزمة الطاقة الأوروبية بسن تشريع لدعم المستثمرين على أراضيها على نحو دفع قادة الاتحاد الأوروبى إلى التهديد بشن حرب تجارية ضد واشنطن التى لم تراع مصالحهم.
بوسع واشنطن إذا أرادت إنهاء هذا الصراع عبر التفاوض، الضغط على زيلينسكى بعدة طرق أقلها وقف إمدادات السلاح للانخراط فى مفاوضات السلام دون شرط أو قيد، لكنها لم تفعل ذلك ولن تفعل.
فى المقابل تدرك روسيا أن النجاح الجزئى للحزب الجمهورى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس الأمريكى باستعادة السيطرة على مجلس النواب، سيكون من شأنه تعطيل أو على الأقل إبطاء خطط بايدن لدعم أوكرانيا؛ ليس فقط بسبب مواقف الجمهوريين المعلنة ضد سياسة الدعم المفتوح وإنما أيضًا بسبب تنامى التوقعات بشأن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة التحذيرات من ركود اقتصادى عالمى.
مهدت روسيا لفصل الشتاء باستهداف البنى التحتية لمحطات الطاقة الأوكرانية ما سيؤثر سلبًا على قدرات الجيش الأوكرانى خاصة فيما يتعلق بأجهزة الحرب الألكترونية والاستطلاع وتوجيه المقذوفات المختلفة والطائرات بأنواعها فكلها يعتمد على الكهرباء، وظنى أن الجيش الروسى سيكثف من هجماته خلال الأشهر المقبلة بهدف طرد القوات الأوكرانية من جميع الأراضى التى مازال يتمركز فيها فى مناطق دونتيسك بإقليم الدونباس والذى حقق فيها تقدمات مهمة خلال الأيام الماضية وقد نشهد تقدمات مماثلة تمكنه من استعادة ما تبقى من أراضى زابوروجيا والجزء الذى انسحب منه مؤخرًا من خيريسون.
الكرملين لن يشرع فى الانخراط بأية مفاوضات سلام إلا بعد إحكام سيطرته على كافة المناطق التى تم ضمها كنتيجة للاستفتاء الأخير.
على الصعيد الأوروبى ستظل الانقسامات تعمق خلافات دول الاتحاد الرئيسية مع تفاقم أزمة الطاقة المتوقع بعد إقرار سقف لأسعار النفط والغاز الروسى، وفى ظل استمرار ضعف القارة العجوز فى مواجهة الحرب الاقتصادية التى يشنها الحليف الأمريكى مما دفع وزيرة الخارجية الفرنسية إلى الدعوة إلى الاستقلال عن الهيمنة السياسية والاقتصادية الأمريكية، وجعل وزير الدفاع الألمانى يصرح بضرورة العمل على تعزيز قدرات جيش بلاده استعدادًا لمواجهة محتملة مع روسيا دون الاعتماد على الاتحاد الاوروبى أو انتظار المساعدة من حلف النيتو؛ وهو التصريح الذى يعكس حالة عدم الثقة فى الشركاء الأوروبيين من ناحية والحليف الأمريكى من ناحية أخرى.
بقدر برودة فصل الشتاء التى ستعانيها شعوب القارة العجوز بسبب انقطاعات التيار الكهربائى المتوقعة خلال يناير وفبراير المقبلين؛ بقدر ما سيكون هذا الشتاء ملبدًا بغيوم تحمل أحداثًا ساخنة قد تغير وجه العالم مع قدوم الربيع المقبل.