البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أحلام باريس تجمع أدونيس وعبد الرحيم علي

البوابة نيوز

قبل ٣٥ عامًا، كان العود أخضر ينمو على ضفتي النيل في الصعيد، يفتح نافذة للأمل، يغزل الحرف في حب مصر ويهديها أولويات العسل، يحمل الحُلم، ويعدو إلى حيث لا يمكن أن يصل، لكن شيئًا ما ناجاه أن يغمس قلمه في مدواته ويأخذ السطر صراطًا.. فيكتب:

 وجهي وطني

آه من وطني

 آه يا وطني.

في تموز كان أطيط نعله يعلو على صوت  العواصف.. يقفز فيُلامس السماء ويتغنى 

أحبك.. كما أجيد العزف في وهج الحقول

وبين وجهك والمدى أرض تخون!

زمن يهاجر في عيونك جمرتين

 وأنا أهاجر للصبابة في دمي.

من بين جيله استهوته لعبة صندوق الدنيا، فوضع عينه ورأى بلدانا بعيدة، غازلته التجربة فحزم أمتعته واستقل قطار الأماني إلى القاهرة، يحمل تعريفا مبدئيًا أنه واحد من أدباء الأقاليم، وحين الوصول وجد الوطن ينزف في ساحة المعركة، على ميمنة الجيش وجد "درويش" فارسَا، فمنعته عزة الصعيد أن يكون من الجنود، فرأى مكمن الثغرة وأراد أن يُغرد وحيدا بعيدًا عن سرب الأبابيل.

فتح كتاب البشر، وأعاد السؤال ليبحث له عن إجابة لماذا قُتل قابيل هابيل؟

حينما صعد للجبل في الصعيد كان مغامرًا، ولم يكن يُدرك أنه سيكون مطاردًا في شوارع القاهرة؛ لأنه سلط ضوء مصباحه على وجه الإرهاب القبيح.

«قال هذا زمن الخنوع»..  

قلت هذا زمن الخنوع 

تطاولت وحدك حتى انتهاء الفضاء 

وحين رفضت الرحيل المدجج باللافتات

عرفت الحقيقة 

أن الخروج من القلب جرم

وإن البقاء البقاء أكيد

لمن يرفض الموت فوق الموائد 

كر لا مفر منه في معركة الوطن، فلا معنى للحياة وعصبة الشر تتسلل في جنح الليل إلى حيث تصلي مريم في المحراب، ليحرفون أحاديث النبي ويخلطون الماء بالدماء.

لا تُصالح قالها حينما صادروا أحرفها.. لا تُصالح غامر بكتابتها حين صفدوا السطور فبات معلقًا على مشنقة الموت بين القاتل والمقتول.. يردِّدها

وصرت تحدق في البندقية 

تحفر فوق جبين المساء 

كلامًا عن الحلم حين يسير حقيقة

ولست شريدا!

ولست نبيا!

يتهادى إليه بين الجحافل "درويش"..  ها نحن قد تلاقينا.. 

درويش يا قبلتنا وقدوتنا
 يا حلمنا الأبدى بالفكرة

 نحن.. البداية والنهاية والتفاصيل

درويش

على أريكة الشعر امتدت يد "درويش" تربت على كتفه مشجعًا.. فقال: 

أتعلم أنني أقلعت عن كتابة الشعر بعد قراءتك؟
 لأني عرفت أنني لن أكون «درويش»

 قال له: كن أنت أينما كنت.. وابتسم.

من فتيل مسد المقصلة صنع سطورا وصراطا وعتادا وخُطى، 35 عاما في ساحة المعركة وألف موت يطارده وقد نجا، يتيمم من ثرى الوطن في دجى المحن ويصلي على وجه الأرض المتعبة.

الأبنودي

في خضم النزال يتذكر الخال ويقول: «لا أعرف لماذا أتذكر الخال عبدالرحمن الأبنودي كلما ألمت بي الملمات، ألوذ بكلماته العميقة في سنوات الأزمة، تفسر وتعطيني المعنى الحقيقي والمجازي لما حدث ويحدث في آن واحد».. يصمت.. يأتيه صوت الخال:

ويا مصر وإن خيروني 

ما أسكن إلاكي 

ولجل تتبسمي

ياما ببات باكي 

تسقيني كاس المرار 

وبرضْـه باهواكى

بلدى..!!.. ومالى إلّا إنتى.. ولو ظلمتينى

مقبولة منِّك جراح قلبى ودموع عيني

الجرح يشْـفَى.. إذا بإيدِك لمستينى

كُلِّك حلاوة.. وكلمة «مصر».. أحلاكى
يأخذه الموال، تتدافع إلى ثغره أشطر نٌقشت في صدره لمن جالسهم وجالسوه على أريكة الشعر واقعًا كان أو خيال.. ثم يتمتم وهو يترجل ليفتح الباب بعد أن سمع طرقات:

وهجك أغنية،

تتأرجح بين القلب وبين النبض،

زهر يتناثر فوق خدود الرمل

وجبين الشمس

فوق مياه النيل الحبلى بالصمت،

يتراقص فوق خطانا المؤودة

يتحور كبشًا!

ويصير الفدية

للركع والسجد فوق العتبات الملكية

وجهك وشمٌ،

تتلاقى فيه لغات العالم!

طعم عذابات النهر

وضفاف المدن المحزونة،

هذا الخوف المتمدد عبر عروق ضحايانا

وصنوف القهر الموبوءة،

ظلمة حارتنا في منتصف الليل

والشرطي الواقف تحت عمود النور،

إمرأةٍ تتقلص في ساعات الوضع

وصبي يبكي في البرد،

شيخ يتعبد..

يدعو الله ليذهب هذا القحط

وعجوز تترنح

كي تشعل مصباحًا

وفتاةٍ تكتب في الليل رسالة

لحبيب غاب عن الحارة.

أدونيس

ينفرج الباب عن أسطورة للشعر.. ها قد جئت أخيرًا!.. أدونيس!
أدعوكَ إلى مائدتي

وتكونُ الشمسُ، يكون الماءُ، كون العشب ضيوفًا

نتخاصمُ: أيّ رؤانا أعصفُ،

أيّ خُطانا أنأى

نتصالحُ تحت سماءِ الشّعرِ،

ونعلنُ مملكة الخَصْمَينِ

ووحدةَ هذينِ الخَصْمينْ

يصمت.. يرتشف الماء ثم يقول:
يسكن الآن وجهُكَ
قلبَ الشتاءِ،

ولا شيءَ غيرُ العواصفِ،

تجمع كفي بكفِّكَ عند افتراقِ الطريقِ،

لتعلنَ أنَّا التقيْنا

وأنَّا...،

وأنَّا...،

فلن ننكسرْ.
 
تُرى ماذا سيفعلان في "باريس"، يٌقال إنهما سيقيمان خيمة عربية للشعر لتكون مقصدًا لأرباب الحرف وعشاق الكلم، بها أرائك من الأمل ونمارق من الحُلم وأقداح من تاريخ العرب.


حكاية الصورة
خلفهما جدار للزمن حب موصول وتواريخ للسفر، براويز صُنعت من فكرـ أقلام وأعلام وعلامات وأثر.. صور لرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وعميد الأدب العربي طه حسين وأديب نوبل نجيب محفوظ وابن رشد وإحسان عبد القدوس..
 ثم أدونيس الذي أتاها عام 1981  في عمر الرابعة والخمسين يحمل حُلم إنشاء مؤسسة تُقدم وجوهًا شعرية وفكرية تُبحر ضد المألوف، وتبحث عن الذات المختلف عن الآخرين، وتحلم بالاكتمال عبر الاشتباك بالآخر، والتفاعل معه، تنشئ هوية مفتوحة على أفق التغيير المستمر واحترام تقديس الذات ةالبعد عن استلابها من قبل أي فكرة أو حضارة.


أحلام باريس تجمعهما
وربما كان الحلم يحتاج رفيقا آخر لاكتماله وتحقيقه فجاء عبد الرحيم علي إلى باريس في عام 2017  والمصادفة أنه كان عامه الرابع والخمسين هو الآخر ليلتقي بأدونيس مؤخرًا، فتجمع أحلام باريس بينهما ويتفقان على تبني أربعة مشروعات ثقافية وهي: 
أولًا: ترجمة لمختارات من شعر عشرين شاعرة عربية للغة الإسبانية.
ثانيًا: نشر مختارات شعرية لعشرين شاعر عربي يراهم أدونيس أنهم مبشرون بمستقبل كبير للشعر العربي، وذلك في شكل ديوان  لكل شاعر يحتوي على كامل تجربته.
ثالثًا: إعادة نشر مختارات من أهم ما قاله الشعراء العرب قديما بداية من امرئ القيس حتى يومنا هذا.
رابعًا: إقامة صالون ثقافي في باريس يُقدم من خلاله الشعراء والمبدعين للعالم.