البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

أمير إسكندرية عمر طوسون

فى نص وصية الأمير عمر طوسون أمير الإسكندرية إلى أبنائه قبل وفاته بـ١١ عامًا، قال:
حضرة نجلى العزيزين سعيد طوسون وحسن طوسون، السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، وبعد
فمن نعم الله علينا وتوفيقه أن أُشْربت نفسنا حب العلم ونشره، وتأصلت فينا رغبة الاطلاع على ما فى بطون الكتب من أخبار وعلوم، ولما فى ذلك من حسن القصد ونبيل الغاية، اتجهت ميولنا إلى اقتناء نفائس المجلدات، والكتب والتأليف، قديمها وحديثها، بمختلف اللغات، حتى أصبح لدينا مكتبة جامعة فى شتى العلوم، وعلى الأخص فى التاريخ والآثار والأدب، مودعة فى سرايات الرمل والمحمودية والزمالك وديوان الدائرة.
ولما كان من رغباتنا الانتفاع بما حوته هذه المكتبة، فقد رأينا أن نوصيكما بإهدائها، بعد انتقالنا إلى الدار الآخرة، للهيئات الآتية، راجين من الله النفع والمثوبة. أولًا: كل ما يتعلق بالجيوش والحروب والمسائل العسكرية بجميع اللغات يهدى، إلى مكتبة متحف الجيش المصرى، ثانيًا: كل ما يتعلق بالآثار بجميع اللغات يهدى، إلى مكتبة المتحف الرومانى اليونانى فى الإسكندرية، ثالثًا: ما عدا ما تقدم من كتب علمية وأدبية وتاريخية، يهدى إلى مكتبة الإسكندرية بقسميها الأدبى والإفرنجى، فإن اشتمل كتاب أو مجلد على تأليف فى جملة نواح من التخصص المتقدم يكون الإهداء إلى الهيئة الأكثر ترجيحًا لما اشتمل عليه.
وتابع: «الله نسأل أن يسدد خطاكما، ويوفقكما إلى ما فيه الخير والفلاح والفائدة للعالم أجمع وللأمة المصرية خاصة، والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته، والدكما عمر طوسون»
إلى هنا تنتهى وصية الأمير الراحل عمر طوسون الذى لُقب بأمير الإسكندرية وصديق الفقراء وقد رحل عن دنيانا فى السادس والعشرين من يناير عام ١٩٤٤.
ومن حواديت إسكندرية: هو ابن الأمير محمد طوسون ابن الوالى سعيد باشا من زوجته الأولى باشاشات نور هانم.
عُرف عنه زهده وتقربه للبسطاء فُلقب بأمير الفقراء، كان شديد الوطنية ووصفه معاصروه «ابن بلد» كان يجيد ٤ لغات، شديد الولع بكل ما يتعلق بتاريخ مصر والسودان خصوصًا والتاريخ العربى عمومًا حتى إنه كتب ما يربو عن الستين كتابا معظمها يدور عن المسألة المصرية السودانية، حيث إنه كان من أشد أنصار وحدة وادى النيل وعدم فصله، كما طبع عدة كتب تدور حول المسألة المصرية السودانية على نفقته الشخصية وكانت توزع مجانًا ومنها: «كتاب عن المسألة السودانية باللغة الفرنسية ١٩٢٩، كتاب عن مسألة السودان بين مصر وإنجلترا عام ١٩٢٩ باللغة العربية، كتب عن بطولة الأورطة السودانية المصرية فى حرب المكسيك باللغة العربية ١٩٣٣».
أما عن لقبه «أمير الإسكندرية» يعود ذلك إلى اهتمام الأمير بالمدارس فى الإسكندرية حيث تم إنشاء عدة مدارس أو تطويرها على حسابه، وكان يتكفل بكل مستلزمات الطلاب وكان من يتفوق منهم يتم تعليمه على حساب الأمير فى المدارس العليا.
كما بنى عدة مساجد فى الإسكندرية وكان هو المسئول الذى نفذ بناء مقام أبى الدرداء فى الإسكندرية فى منطقة كرموز، حيث يحتفل أتباع ومريدو الطرق الصوفية بالصحابى الجليل كل عام، وتحديدًا فى رمضان.
وكان الأمير عمر طوسون هو المتبرع الأكبر لبناء استاد الإسكندرية، كما ساهم فى تشييد نادى سبورتنج، وكان يرأس مجلس إدارة النادى منذ أوائل القرن حتى وفاته عام ١٩٤٤، وتبرع بقصره لإنشاء كليه الآداب جامعة الإسكندرية فى وهو القصر المعروف بـ«نمرة ٣» على ترعة المحمودية.
يعود له الفضل فى إنشاء ما عُرف بحزب الوفد بحسب ما قال سعد زغلول فى مذكراته عن اقتراح الأمير عمر طوسون الذى دعا إلى تشكيل وفد مصرى يناط به التحدث باسم مصر فى مؤتمر فرساى سنة ١٩١٩ للمطالبة باستقلالها.
«إن الأمير يستحق تمثالًا من الذهب لو نجحت هذه المهمة». غير أن سعد زغلول انفرد بتأليف الوفد بعيدًا عن صاحب الاقتراح الذى غضب لهذا التصرف، وكادت تحدث أزمة تهدد الصف ثم تغلبت المصلحة العامة على هذا الخلاف، وعاود سعد زغلول الاتصال بالأمير عمر طوسون.
كان الأمير عمر طوسون شديد الثقافة فكان يمتلك مكتبة بها أكثر من ثمانية آلاف مجلد من نفائس الكتب والمخطوطات والصور والخرائط، والتى يندر أن تجتمع عند أحد، وقد أوصى قبل وفاته أن تهدى هذه المكتبة إلى المتحف الحربى والمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية ومكتبة الإسكندرية.
كان الأمير الراحل من العقليات السابقة لعصرها حيث قد سبق وناقش إشكالية نهر النيل فى كتابته ورغبة القوى الاستعمارية المتمثلة فى بريطانيا فى السيطرة عليه، وذلك عن طريق فصل السودان عن مصر وهو ما كان يسعى إليه الإنجليز بدعوة حاولوا ترسيخها لسنوات أن مصر تستعمر السودان فرد عليهم بجملته الشهيرة: «إن لم نحكم السودان، فلتحكمنا السودان»، مشددًا على ضرورة وحدة وادى النيل.
توفى الأمير عمر طوسون فى ٢٦ يناير ١٩٤٤، وحسب وصيته فى عدم إعلان حداد رسمى فى حال وفاته، حتى لا يتسبب فى أى إزعاج لأحد، ونفذ له الملك فاروق وصيته وقد هتفت الجماهير أثناء تشييع جنازته: «فى ذمة الله يا عمر.. الأمة تودعك يا أمير الإسكندرية».