إنذار.. الجفاف يصيب ثلثي أوروبا والخسائر مليارات (تفاعلي)
يبدو أن المصائب على القارة العجوز لا تأتى إلا جملة، فلم تكد أوروبا أن تتعافى من آثار وباء كورونا حتى أصابتها لعنة الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها، قبل أن تستعيد توازنها كان للتغيرات المناخية رأى آخر حيث تعرضت لأقسى موجة جفاف منذ 500 عام.
المرصد الأوروبي لمراقبة الجفاف أعلن أن قرابة ثلثي القارة الأوروبية عرضة لتهديد الجفاف، لافتًا إلى أن أحدث البيانات التي تم جمعها أظهرت أن 60% من أوروبا عرضة حاليا لخطر الجفاف، مشيرًا إلى أن 45% من أراضي القارة الأوروبية تعرضت للجفاف بحلول منتصف شهر يوليو الماضي، محذرًا من حدوث عجز مائي شديد في 15% من القارة، مما يؤثر على إنتاج الغذاء والطاقة ومياه الشرب والحياة البرية".
الجفاف يصيب شرايين المياه فى أوروبا
أزمة التغير المناخي أصابت شرايين المياه في أوروبا، لاسيما بعد تسجيل القارة العجوز درجات حرارة قياسية، تسببت في تبخر مياه أنهارها الكبيرة، كما تهدد بتبخير نحو 80 مليار دولار من اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
نهر الراين والذي كان يعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد في ألمانيا وهولندا وسويسرا لعدة قرون، تحول إلى حفرة طويلة حيث أصابه الجفاف بقوة، مما يعيق حركة نقل البضاع من خلاله حاليًا، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرج.
وتسببت درجات الحرارة المرتفعة بالأنهار بفعل التغير المناخي، فى ارتفاع درجة حرارة مياه نهري "رون" و"غارون" بفرنسا لدرجة باتت لا تسمح بتبريد مفعلات فرنسا النووية بشكل فعال.
أما نهر "بو" في إيطاليا فقد شهد انخفاضًا كبيرا بمنسوب المياه فيه، فبات غير كاف لري حقول الأرز.
واستمرارًا لما أصاب شرايين المياه فى القارة العجوز يعانى نهر الدانوب، والذي يشق طريقه عبر مساحة 1800 ميل بين وسط أوروبا والبحر الأسود، من الجفاف هو الآخر، مما يعيق حركة تجارة الحبوب وغيرها.
كما بلغ معدل جفاف منبع نهر التايمز أعلى مستوياته على الإطلاق في اتجاه مجرى النهر، حيث وصل الجفاف إلى مجرى النهر بشكل أكبر مما كان عليه في السنوات السابقة، وقال مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا، إن يوليو كان الأكثر جفافاً في إنجلترا منذ عام 1935.
خسائر اقتصادية بالمليارات
الجفاف الذي يصيب الأنهار في أوروبا الآن يسبب اضطرابات قوية في حركة التجارة عبر الأنهار، والتي تعد عنصرًا مهمًا للنقل بين الدول الأوروبية، وبالتالى القدرة على استخدام النقل النهري أصبحت محدودة بشكل كبير، خاصة في ظل قلة الأمطار، ما يتسبب في زيادة تكلفة بدائل النقل الأخرى بشكل كبير، حيث ارتفعت أسعار الشحن بنحو 30 بالمئة.
وتزيد أزمة جفاف الأنهار وتعطل حركة النقل النهرى فى أوروبا الضغوط على الاتحاد الأوروبي لدعم قطاعات النقل، في وقت يواجه فيه الاتحاد العديد من التحديات بسبب أزمة أوكرانيا ونقص الغاز وغيرها، حيث تمثل الأنهار والقنوات المائية أهمية كبيرة للاقتصاد الأوروبي، إذ تساهم حركة النقل النهري بنحو 80 مليار دولار في اقتصاد منطقة اليورو، بحسب بيانات هيئة "يوروستات"، وهو مبلغ قد تفقده ميزانية دول الاتحاد الأوروبي إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.
فيما حذر مركز الاتحاد الأوروبي للبحوث المشتركة في تنبؤات نشرها مؤخراً أن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف ربما يؤديان إلى انخفاض إنتاج الحبوب في أوروبا بنسبة تتراوح ما بين 8 و9%.
وفى ألمانيا، وضع الجفاف الذى أصاب نهر الراين برلين فى مأزق ودمر خطتها للتغلب على نقص الغاز إذ أن صعوبة النقل النهري قد تعيق حركة نقل الفحم إلى ألمانيا، ما قد يهدد خطة الحكومة الألمانية لإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم.
غضب الطبيعة أصاب فرنسا أيضًا فتحولت وهي الدولة المصدرة للكهرباء، عاجزة عن سد النقص المحتمل للكهرباء للدول الأوروبية، فنحو نصف مفاعلاتها النووية متوقفة لأعمال الصيانة، كما أن النرويج تقلل من تصدير الكهرباء حاليا بسبب اتجاهها لتوفير استهلاك الغاز، وملء احتياطياتها منه.
ولفت المرصد الأوروبي لمراقبة الجفاف أيضًا إلى أن ظروف الجفاف أدت أيضا إلى تزايد حرائق الغابات، خاصة في المناطق المطلة على البحر المتوسط، حيث التهمت النيران منطقة يزيد حجمهما على حجم مدينة روما الإيطالية بأكثر من الضعفين خلال شهر يوليو فقط، وأن تقديرات شبكة معلومات الاتحاد الأوروبي بشأن حرائق الغابات تشير إلى أن الحرائق اجتاحت منطقة إجمالي مساحتها 587 ألفا و868 هكتارا في دول الاتحاد منذ بداية العام، وذلك مقابل حوالي 158 ألف هكتار فقط خلال الفترة ما بين عامي 2006 و2021.
عطش القارة العجوز
تعاني العديد من الدول الأوروبية ، بما في ذلك إسبانيا وألمانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا والمملكة المتحدة، من موجات الجفاف هذا الصيف التي أضرت بالمزارعين والشاحنين وشجعت السلطات على تقييد استخدام المياه.
مع موجة الجفاف الأسوأ على الإطلاق، فقد فرضت فرنسا قيودًا على استخدام المياه حول البلاد، كما باتت نحو 100 بلدية تعتمد على مياه الشرب التي يتم نقلها بالشاحنات نتيجة جفاف أطول نهر في فرنسا، "نهر لوار"، والذي يعد هو أيضًا مصدر مياه التبريد لـ 12 محطة طاقة نووية.
وفى المملكة المتحدة تم إعلان الجفاف بشكل رسمى في عدة مناطق بجنوب غرب وجنوب ووسط وشرق إنجلترا، حيث أعلنت الحكومة البريطانية رسميًا حدوث جفاف في عدة أجزاء من إنجلترا ، بعد شهور من انخفاض هطول الأمطار القياسي ودرجات حرارة غير مسبوقة في الأسابيع الأخيرة وانخفض مستوى الأنهار الإنجليزية بشدة وأصبحت حدائق لندن المعروفة بألوانها الخضراء عادة، يسيطر عليها الجفاف.
وبالتالى وأعلنت بعض شركات المياه فى بريطانيا إجراءات استثنائية لحسن إدارة الماء بحظر خراطيم المياه، وري الحدائق أو غسل السيارات أو ملء أحواض السباحة الخاصة.
وكان تم الإعلان عن الجفاف رسميًا في إنجلترا آخر مرة في عام 2018، ونشرت وكالة البيئة البريطانية تقريرًا يقول إن إنجلترا ككل شهدت شهر يوليو الأكثر جفافاً منذ عام 1935.
ومنا جانبها أعلنت الحكومة الهولندية رسميا عن حدوث نقص في المياه، وفرض قيود لم يسبق لها مثيل على استخدام المياه تضمنت منع مزارعين من ري محاصيلهم وحظر غسيل السيارات بالمياه.
وتم تسجيل رقم قياسي في الجفاف في إسبانيا خلال الفترة ما بين شهري مايو ويوليو مما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في الخزانات بنسبة 40% بالمقارنة بالفترة السابقة.
وتسعى ألمانيا بجهد قوي لاتخاذ التدابير اللازمة لإبقاء نهر الراين مفتوحًا أمام حركة النقل، من خلال القيام باعمل التجريب، وإطلاق المياه من الخزانات لتعويض نقص المياه النابع من الجبال الجليدية.
وفي إيطاليا أدى أسوأ جفاف شهدته البلاد منذ عقود إلى خفض بحيرة جاردا ، أكبر بحيرة في البلاد، إلى ما يقرب من أدنى مستوى لها على الإطلاق وارتفاع درجة حرارة المياه إلى درجات حرارة تقترب من المتوسط في البحر الكاريبي.
كما لم يشهد شمال إيطاليا هطول أمطار غزيرة منذ شهور، وانخفض تساقط الثلوج هذا العام بنسبة 70 %، مما أدى إلى جفاف الممرات المائية الحيوية.
وانخفض منسوب المياه بنهر بو أطول أنهار إيطاليا والذي يتدفق عبر قلب إيطاليا الزراعي والصناعي لأدنى مستوى في نحو 70 عامًا، في خسائر بمليارات اليورو للمزارعين الذين يعتمدون عليه عادة في ري حقول الأرز.
مساهمة أوروبا فى التغيرات المناخية
وباتت موجات الحر المتكررة بشكل متزايد في أوروبا عنصراً مذكراً بشكل صارخ لأزمة المناخ التي تتكشف أبعادها، حيث تتجه درجات الحرارة المرتفعة لأن تصير أمراً أكثر شيوعاً، بينما يستمر العالم في حرق الوقود الكربوني.
ويحتل الاتحاد الأوروبى المركز الثالث بنسبة 7.52٪ بين أكبر 10 كيانات مسببة للانبعاثات الحرارية فى العالم، بعد الصين المسئولة عن 26.1٪ من الانبعاثات العالمية، ثم الولايات المتحدة التى تساهم بنسبة 12.67٪ ثم الهند رابعًا بنسبة 7.08٪.
ويتضح من خلال بيانات "معهد الموارد العالمية"، بحسب الأمم المتحدة أن أكبر ثلاث جهات في العالم والمسئولة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تساهم بمقدار 16 ضعفًا عن القاع، حيث تساهم أكبر ثلاث دول مسببًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري - الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة - بنسبة 41.5٪ من إجمالي الانبعاثات العالمية، في حين أن أقل 100 دولة تمثل 3.6٪ فقط، بشكل جماعي، فيما تمثل أكبر 10 بواعث أكثر من ثلثي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
ولفت المعهد إلى أن قطاع الطاقة هو أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري فهو أكبر مساهم في انبعاثات غازات الدفيئة على أي قطاع آخر ، حيث يمثل 73٪ من الانبعاثات العالمية في عام 2017.