البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

علي جمعة: تكلم الأطفال في المهد دليل براءة الرسل

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

صرح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن السنة النبوية الشريفة أوردت عدة أحاديث تكلم فيها أطفال وهم لا يزالون رضعا في المهد‏،‏ وكان تكلم هؤلاء الأطفال دليل براءة للرسل أو لأولياء الله الصالحين تارة‏،‏ وتعليمًا وتثبيتًا للناس على الحق تارة أخرى، ومن أمثال ذلك شاهد يوسف وابن ماشطة فرعون والطفل الرضيع في قصة أصحاب الأخدود، وقد جمع أحد الأحاديث قصة ثلاثة ممن تكلموا في المهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: تكلم في المهد ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته، فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني لك صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين.

وتابع "جمعة" عبر حسابة الشخصي على فيسبوك قائلًا: “كانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي ﷺ يمص إصبعه، ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل (صحيح البخاري)”.

وأوضح رئيس اللجنة الدينية، أن الحديث يشير إلى الإيمان بخوارق العادات من المعجزات والكرامات التي جعلها الله تعالى دلالة على صدق رسله وصلاح أوليائه ونجاة لهم من ظلم الناس، ولكن بجانب ذلك نرى في الحديث معاني أخرى وخيوطا رابطة ودقائق خفية من وراء القصص المذكورة فيه, منها على سبيل المثال الدلالة على دور الأم وعظم حقها، وضرورة طلب رضاها وبرها، والتأكيد على أن هذا الواجب من أعظم الواجبات التي يبتغي بها المرء وجه الله تعالى.

وقال الدكتور علي: إنه فذكر عيسى "عليه السلام" يشير إلى دور السيدة مريم أمه في نشأته ورعايته وما كان من تحدثه في المهد دفاعًا عنها، قال تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم:29-32]، وفي إجابة دعاء أم جريج عليه مع كونه شغل عنها بصلاته ما يفيد أن إجابة طلبها وبرها مقدم على نوافل العبادات خاصة إن علم الإنسان تأذي والدته بعدم إجابة طلبها، وفي دعاء المرأة في القصة الثالثة لولدها أن يعطيه الله تعالى ما ظنته خيرا له ويصرف عنه ما ظنته شرا له إشارة إلى شدة حرص الأم على ولدها ورعايتها له وطلبها لصلاحه في الدنيا.

مردفًا: ويدلنا رد طفلها عليها بعكس ما دعت به على أن نفوس أهل الدنيا تقف مع ظواهر الأمور ويطلبون عادة الخير في الدنيا، أما أهل الحق فإنهم يرون ما لا يراه الناس فيطلبون صلاح الآخرة، ومثل ذلك قوله تعالى في شأن قارون وقومه: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) [القصص:79-80]، ومعرفة المؤمن بهذا الأمر تجعله ذا قلب راض بما يأتيه به الله، وإن بدا على صورة غير التي يحب، وصدق الله إذ يقول: (وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة:216.

واختتم "جمعة" حديثة قائلًا: مما يستفاد أيضا من القصة أهمية اللجوء إلى الله تعالى عند الشدائد، وهذا اللجوء لا يكون بمجرد القول أو القصد، بل يضاف إلى ذلك العبادة، إذ هي الطريق إلى استحضار معيته تعالى واستجلاب نصرته، وصدق الله إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153]، وفي الحديث عن حذيفة قال: كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر صلى (سنن أبي داود)، وحزبه أي نزل به مهم أو أصابه غم، قال الإمام النووي: الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبا، وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم وتهذيبا لهم (شرح صحيح مسلم)، فاللهم علمنا ما جهلنا وانفعنا بما علمتنا وهب لنا فهما يهدينا إلى سواء السبيل.