البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مركز "سلام".. السهم انطلق والأهم "الهدف"

على أرض مصر، اجتمع قادة العمل الديني الإسلامي وقادة الفكر من أكثر من 42 دولة، ليشهدوا تدشين مركز "سلام" لمواجهة التطرف الديني، تحت رعاية دار الإفتاء المصرية، وكان ذلك إيذانا بانطلاق مشروعات كبرى في مواجهة الإرهاب والتطرف، وتجفيف منابعه الفكرية.
عمل دؤوب على مدار الساعة وبكل اللغات، باستخدام تكنولوجيا العصر ومنها  تطبيق "منارات"، والإصدارات الورقية وأهمها المرجع المصري حول قادة التطرف وأصوله، وأيضا الذاكرة الرصدية، وهو مجهود كبير لإفراغ المحتوى الذي تبثه المنصات التكفيرية لتنظيمات العنف "داعش" أو "القاعدة" وصولا لـ"بيت المقدس" و"حسم"، وكشف انحرافه عن حقيقة الإسلام؛ فلم يشرع القتال في الإسلام إلا درءًا للعدوان، وليس ابتداء، ولم يجعل القاعدة هي الإكراه على الدين، فقد تبين الرشد، وليس بعد ذلك إلا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ورد الشبهة بالتي هي أحسن.
حقيقة تيارات العنف
مركز "سلام" استطاع لم الشمل وجمع الكلمة في مواجهة التطرف، بالتعاون مع مراكز الاعتدال الإسلامية الكبرى، لكشف قادة التكفير وخطابهم المفخخ الذي أسقط المخدوعين الطامعين في الجنة والشهادة، وجعلهم يتشحون بالسواد، ينكفئون على أرواحهم وجماعتهم، يتركون مستقبلهم وأهلهم، ينظرون لمجتمعاتهم بوصفها جاهلية، لا تحكم بما أنزل الله، يجب اعتزالها، ومحاربتها لإقامة الخلافة الإسلامية المزعومة تحت الرايات السوداء، ولا يدري المغيبون أنهم ليسوا إلا عملاء مأجورين لكيانات أكبر وأجهزة مخابرات تستخدمهم ضمن أدوات لتفكيك الشرق الأوسط إلى بؤر صراع مستمرة بلا نهاية.
تجارب مكافحة التطرف
وكشفت تجارب الدول المتنوعة التي استعرضها المؤتمر عن أن محاصرة التطرف تأتي بتكاتف الدور الأمني اليقظ، مع المحاصرة الاقتصادية لأنشطة جماعاته، ونشر الوعي الديني الصحيح في المدارس والجامعات والمساجد.
كما جاءت تجارب هامة اعتنت بتأهيل عدد كاف من الأئمة وإرسالهم في أماكن التجمعات الشبابية لتفنيد الدعاوى الباطلة وإجابة تساؤلاتهم حول ما يروجه الخطاب المتشدد، من مثل تجربة شبكة "بريميد" الإيطالية لتدريب الأئمة والنشطاء في مجال مكافحة التطرف بمشاركة 12 جامعة، وتجربة هولندا لافتة في حشد العقول الإسلامية في محاربة الإسلاموفوبيا بردود عملية. 
وقد رصد مركز "سلام" معرضا مستقلا باسم "الشهيد" يجوب المناطق التي يتردد عليها الشباب ويرد على شبهات المتطرفين وكلها يدور في منطقة الولاء والبراء، والحكم بما أنزل الله، فتأتي أسئلة حول معنى الخلافة والعلاقة بالأقباط والإيداع في البنوك، وأسئلة مركزية حول تطبيق الشريعة والحدود، وتفسير آيات القتال في القرآن وغيرها من الشبهات الواجب ردها.
ويعد تأهيل المتورطين في قضايا الإرهاب داخل السجون، أحد مداخل محاربة التطرف من قبل دول عديدة، في عملية شاملة للجوانب النفسية والاجتماعية والفكرية الدينية، ومتابعتهم بعد انقضاء عقوباتهم بتقديم المشورة وفتح السبل لمشاركتهم الفاعلة في المجتمع كمواطنين، والتأكد من عدم انخراطهم في العنف مجددا، مثل تجربة بلجيكا وكازاخستان اللتان عرضتا في المؤتمر، وهناك تجارب لافتة للمناصحة والمراجعات الفكرية قادتها مصر والسعودية والأردن والمغرب العربي. 
التحالفات الدولية
حملت كلمات المشاركين قلقا من خطاب الإخوان المسلمين في الخارج، والمحرض على الدولة المصرية، والذي يستند لشبكة واسعة من التحالفات تصل لكثير من المسئولين الأوروبيين، ومن طرف آخر علاقة بتنظيمات العنف لوجستيا وماديا، وهو ما يجعلنا أمام خطاب مزدوج يتحدث عن الديمقراطية في الظاهر ويخفي التطرف في أدبياته وممارساته على الأرض، وقد سعت دار الإفتاء لتوضيح خطورة أدبيات الإخوان في كتيب هام تضمنته زيارة مفتي الديار المصرية د. شوقي علام للبرلمان البريطاني مؤخرًا.
ويقف الانتشار المكثف للإرهاب السيبراني، عبر منصات التواصل الاجتماعي، كتحد كبير أمام مراكز مكافحة التطرف، فهي تجند عشرات الشباب كل يوم مستغلة أزمات الربيع العربي، ولكن هناك اليوم عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على شبكات التواصل التي تتيح محتوى الكراهية عبر منصاتها.
لكن لم يأت ضمن الكلمات ما أشار لأثر التدخل الأمريكي العسكري في العراق وأفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر تحت ما يسمى بـ الحرب على الإرهاب وتشكيل تحالفات كبرى، ومن ثم الانسحاب الغربي وترك جيوب للتطرف، وهو ما يدفع ثمنه الأبرياء من أقواتهم وأرواحهم كل يوم!.
لكن تظل نقطة جوهرية هي التي عبرت عنها كلمات مفتيي القدس ولبنان واليونان، بخطأ ربط التطرف بالمسلمين وحدهم، فهي ظاهرة مؤسفة عانت منها كل الديانات والشرائع؛ ففي الهند تعرض كثير من المسلمين لأفعال عدوانية من قبل مهاجمون متطرفون من السيخ، ونقلت تصريحات مسئولة بالحزب الحاكم مضمونا مسيئًا للمسلمين، وكانت كلمة مفتي القدس هامة في هذا المقام بتوضيح ما يتعرض له شعب فلسطين والمسجد الأقصى الشريف على يد المتطرفون اليهود وكيانهم الغاصب، وهو التطرف الذي يغض العالم الطرف عنه. 
أسئلة من داخل البيت
حاليا لدينا في مركز "سلام" لمكافحة التطرف، حلم كبير للانتصار على التطرف، كما عبر رئيسه د. إبراهيم نجم في ختام المؤتمر، وهناك أكاديمية معتمدة تابعة لدار الإفتاء في مواجهة التطرف، سيتخرج منها أئمة وكتاب وناشطون متخصصون في هذا الشأن، ويمكن الاستعانة بهم في جولات منظمة لكل شبر في مصر، فنحن في أمس الحاجة لمن ينزل للشباب في اوساطهم ويحاورهم – عن علم- لكن بلغتهم.
دعونا نتسلح بشيء من الصراحة أيضًا، من المسئول عن ثقافة العنف اللفظي السائدة بين الشباب، وهي جد مرعبة! 
ولماذا تظل مواد التاريخ والهوية واحترام الآخر التي تقدم للطلاب موادا نظرية بحتة بلا جولات حية تدعمها، وتطبيق فني مثل إقامة المسرحيات والمناظرات وسواها.
ويجرنا ذلك لأن نسأل: أليس الدين هو باعث الأخلاق والحضارة الأول، أليس هو نفسه النبع الذي نتزود منه لرد الفكر المنحرف الشاذ الذي انتشر في الأفلام وحتى كارتون الأطفال، وهو نفسه المعين للرد على الفكر المتشدد، أليس التدين الحقيقي هو ما يحقق الثبات النفسي والسلوكي الذي يصون المجتمع من وباء العنف المستشري اليوم! ويصون شاب فقد حلمه في الثانوية من إلقاء نفسه هكذا من قمة البرج!!.. لماذا نعتبر الدين مادة تكميلية للطلاب وليس أساسية، ونحرم هؤلاء من الحصن الأول في الحياة!
وقد حمل المؤتمر شعار تجديد الخطاب الديني، فهو حق وواجب على أي مجتمع يبغي التطور، وهو سنة أيضا قام بها السلف في عصورهم، بدون تفريط في ثوابت الدين، لكن هذا الحق يستغل أحيانا للتشكيك في العقيدة والسنة، أو الحط من قدر الصحابة، أو النظر للتدين وممارساته كرجعية، وهذا يزيد الفجوة بين الشباب المتدين وبين النخب، ويزيد الأمر حين لا تتصالح الشاشات مع صورة الرجل المتدين وتجعله دائما درويشا أو متطرفا.

يمثل مركز "سلام" جنبًا إلى جنب مع مرصد الأزهر للفتاوى التكفيرية، صحوة مصرية في مواجهة التطرف، وعودة لدور القادة الدينيين الإصلاحيين، واستنادا لتراث الأزهر الإسلامي المعتدل الذي يأتيه العالم من كل حدب.
وجاء المؤتمر الدولي المصاحب لتدشين المركز لائقًا بريادة مصر الدينية، والدور المنوط بها في مواجهة وباء الإرهاب العالمي، وحتى يتحول الحلم لواقع يجب على الرسالة أن تكون بعلم الوصول من كل طفل وشاب في مصر.. هنا نحمل باقة نهديها لشهدائنا الأبرار وجنودنا المرابطين من خلفهم، وهنا تكون فرصة مواتية للشباب لفهم الدين قبل الانزلاق في طريق يستغل إحباطهم ويغريهم بجنة السراب وطريقها المعبد بالدماء!
يقول الله تعالى: }ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{ (125)