البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مذابح الأشجار والحدائق بالمحافظات.. تحديات مؤتمر المناخ

من حقنا أن ندق جرس إنذار بخطورة مذابح الأشجار والحدائق بالمحافظات خصوصًا والحكومة تستعد لمؤتمر المناخ فى نوفمبر المقبل بشرم الشيخ.

فى السويس تم تدمير الأشجار الكثيفة المعمرة من حديقة الخالدين أمام المحافظة، التى ترعرعت من سنوات، وتركت الحديقة كما يقول السواسية "قرعة"، وكأن هناك مسئولين ضد الخضرة.

حيث تم التوسع بإزالة الأشجار من طريقي بورتوفيق على الجانبين وخلع الأشجار من الكورنيش، وكأن هناك إصرارا على خلع الأشجار من الطرق العامة، وتركت الحدائق التى صرف عليها مئات الألوف من الجنيهات مغلقة بالأبواب الحديدية أمام حي السويس، فضلا عن خلع الأشجار التى أصبحت معدومة فى كل طرق السويس العامة بين القاهرة – السخنة – الإسماعيلية وطريق النفق إلى سيناء.

قرأت الكثير عن القلق وعدم الرضا بين المواطنين فى مناطق متفرقة بسبب مذابح الأشجار وإزالة الحدائق.. وشعرت بصدمة كبيرة واندهاش.. حينما انتهيت من قراءة تقرير دولي يحدد نصيب الأشجار لكل مواطن على مستوى العالم وباختصار غير مخلٍ كانت لغة الأرقام هي التى تتحدث بدقة حيث كشف التقرير أن:

كندا يصل نصيب الفرد فيها إلى 10136 شجرة يليها جرينلاند الدنماركية 4964 شجرة ثم فى المرتبة الثالثة أستراليا بنصيب 3266 شجرة لكل مواطن هناك، ثم الولايات المتحدة الأمريكية حيث نصيب الفرد 699 شجرة، فرنسا 203 أشجار ثم إثيوبيا التى يصل فيها نصيب الفرد من الأشجار إلى 143 شجرة أما الصين 130 شجرة ثم بريطانيا 47 شجرة.

وللأسف يأتي نصيب الفرد فى مصر أقل من شجرة واحدة وفي ذيل القائمة الدولية، هذا غير مواسم مذابح الأشجار شبه الدورية والتى يتم فيها تقطيع الأشجار باسم توسعة الشوارع وأخرى من أجل بيع الأشجار، فضلا عن ظاهرة اغتيال الحدائق العامة فى المحافظات مع انحفاض مساحات المشاتل التى تملكها المحليات فى المحافظات مع غياب إحصاء دقيق عن حجم الأشجار والحدائق فى بلادنا.

ومن هنا للأسف نتساءل: كيف ذلك؟ إذا كنا نعتبر أنفسنا بلدًا زراعيًا.. فهل هذا التوصيف الصحيح فى ظل تحديات كبيرة.. رغم ما تملكه مصر من مساحات من الأراضي.. ووجود نهر النيل و12 بحيرة وسد عالٍ غير المياه الجوفية.. ومياه الأمطار والسيول التي يتم هدرها، فضلا عن مليارات من مياه الصرف التى يمكن معالجتها من أجل إنشاء الحدائق والأشجار وحتى الغابات الشجرية والعديد من خطوط شبكات المياه العكرة التى تملكها بلادنا.

وإذا كان الواقع يقول إن معظم الطرق الصحراوية بما فيها المشروعات المعتبرة القومية - للطريق الدائري – الطرق الإقليمية والحرة.. فإنها جميعا طرق دون أشجار إلا ما ندر.. وعلى سبيل المثال فإن كل طرق السويس – القاهرة – الإسماعيلية – البحر الأحمر وسيناء كلها كما يقولون "قرعة" دون أشجار ظليلة، اللهم إلا شجرة يتيمة عند إحدى نقاط الإسعاف بأول طريق السويس - القاهرة.

أما باقي الطرق فحدث ولا حرج، حيث الشمس المحرقة والتغيرات المناخية وازدياد عناصر التصحر التى تهدد الطرق بالأتربة والغبار وتجريف السيول ويمتد ذلك إلى حتى الطرق المحلية.

وإذا كنا نتحدث عن نصيب الفرد وحجم الحدائق العامة فى المحافظات فحدث ولا حرج، حيث قلة الحدائق العامة وإذا وجدت تقام حولها أسياج وأسوار من الحديد مع انعدام للصيانة المستمرة أو التطوير لتلك الحدائق، خاصة بعد افتتاحها الرسمي مع صور المسئولين.

وتكفي قراءة إحصائية عن الحدائق والأشجار فى المحافظات بالمحليات، لندرك كيف أصبحنا لا نميل للخضرة والجمال والوجه الحسن.. وقد نسينا حتى التوجهات الدينية وما قاله الرسول عليه السلام "إذا جاء يوم القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" والمعنى عميق.

عمومًا يحق لنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة الموضوعية والعلمية: 

•        كيف نرضي لبلادنا أن تكون فى ذيل الدول فى نصيب الفرد من الأشجار على مستوى العالم.. ونتحدث عن الحضارة؟

•        أين الوزارات المعنية "الزراعة – الري – الإسكان - البيئة" وأين كليات الزراعة؟!

•        أين تلك الهيئات التى تحمل أسماء رنانة "التنمية الحضرية – المجتمعات العمرانية الجديدة – هيئة التجميل والنسق الحضاري – هيئات التجميل والنظافة فى المحافظات.. ومراكز الأبحاث الزراعية وبحوث الحدائق"...؟!

•        أين مديريات الزراعة المنتشرة فى المحافظات وفروع جهاز شئون البيئة؟

•        أين تلك الجمعيات البيئية والاتحادات الأهلية لحماية البيئة والتطور الحضري..؟!

وبعد.. من المسئول عن الأشجار، هل المحليات فى المحافظات؟! أم وزارة الري؟ أم الزراعة؟ أم هيئات الطرق؟ ولصالح من يتم بيع الأشجار الخشبية لأصحاب أفران تدميس الفول أو بعض المصانع؟

وأخيرًا..  إن مصر التى كانت تشتهر بالأشجار على كل الطرق بين المحافظات وكانت تلك الطرق نتباهى بطولها وأشجارها الكبيرة.. وقد تعلمنا وعرفنا أشجار "الكافور والبوتسيانا الجميلة صاحبة الورد الأحمر والبنفسجي.. أشجار التوت – الكازورنيا – الصوبريات – البامبو – السسيال وأشجار الجاتروفا وغيرها من الأشجار العطرية والمثمرة، فضلا عن الأشجار المنتجة للأخشاب والتى تتم فيها التجارة غير المشروعة أو المعلنة والتى لا يعرف أين تذهب إيرادات البيع وأموال أخشاب الأشجار؟!

وهنا لا نتحدث فقط عن القيم الجمالية وحماية البيئة من الشمس أو الأمطار أو حتى التغيرات المناخية وحماية البيئة من التلوث كما نتحدث عن القيم الراقية لحماية المواطن الذي له حق الاستمتاع بالخضرة وتأثير ذلك على الصحة العامة فى بلدنا.

أين تلك الأشجار الجميلة والتى تسر الناظرين وهنا "حدث ولا حرج" وهنا كانت إشارة ذكية فى عدم اكتمال مشاريع الغابات الشجرية التى أعلنت عنها من قبل وزارة البيئة التى تصل إلى ما يقرب من 85 غابة، وذلك لتكون مصدات للأتربة والرياح والتجميل فى المحافظات فضلا عن تحسين البيئة ومواجهة المتغيرات المناخية.

فى السويس أهملت الغابة الشجرية التى صرف عليها الملايين وفي الكثير من المحافظات.. ما زالت تلك الغابات مشروعات تحت التنفيذ وأخرى أصابها الإهمال.. نحن نتحدث عن الهدر وعن القيم الإنسانية والجمالية وليس عن مشروعات وهمية لا تتم متابعتها.

لقد أشار الشاعر الأبنودي فى إحدى قصائده بقوله "تزرع شجرة.. أو تبوس بقرة.. وبعد ما تمشي تموت" فى إشارة على الإهمال.

من حقنا جميعًا أن نجد حدائق أو شجرة ظليلة نجلس تحتها أو ننظر إليها من أجل نفس مطمئنة وهنا تجدر الإشارة إلى القيم الاقتصادية فى زراعة الأشجار فى صناعة الأخشاب وتصنيع الورق والصناعات الدوائية وصناعة الصمغ والفلين.. وحتى الصناعات الغذائية.

فضلا عن صناعة الأثاث وحتي الصناعات العطرية الجميلة.. فأين نحن من النظرة الاقتصادية وتوفير فرص العمل لهؤلاء الذين يعملون فى زراعة الأشجار والحدائق والغابات الشجرية ويعملون على صيانتها؟.. أين التنسيق؟ ونقول ونطالب ونؤكد على حق الجميع فى هواء نقي وجلسة تحت شجرة ظليلة أو التريض فى حديقة عامة محترمة.

 وبعد نذكر:

•        أن الدستور فى المادة " 45 " نص على "تكفل الدولة حماية وتنمية المساحات الخضراء فى الحضر والحفاظ على الثروة النباتية.. ".

•        أن قانون البيئة رقم 4 لسنة 94 وتعديلاته ولائحته التنفيذية قد جرّم الاعتداء على الأشجار والخضرة وتلوث البيئة.

•        أن قانون الإجراءات الجنائية قد جرّم الاعتداء على الأراضي الزراعية وتدمير الأشجار.

•        خُصص 21 مارس اليوم العالمي للغابات من قبل الأمم المتحدة.

وأخيرًا ما أحوجنا أن نفتح ملف زراعة النباتات والخضر والأشجار ومتابعة مشاريع الغابات الشجرية فى محافظات "السويس – بني سويف – أسيوط – سوهاج – قنا – الأقصر – البحر الأحمر ومطروح" وغيرها وفق لما أعلنته وزارة البيئة.

لقد سمعنا الكثير عن حوادث مذابح الأشجار فى الكثير من الأماكن كان آخرها الأماكن التراثية فى مصر الجديدة. 

وبعد ما أحوجنا إلى وجود تنسيق بين المحليات بالمحافظات والوزارات المعنية "الزراعة – البيئة – الري – الإسكان " ومنظمات المجتمع المدني من الجمعيات المهتمة بتطوير البيئة.

كما أننا فى حاجة إلى متابعة التنفيذ للمبادرات التى نسمع عنها بزراعة مليون شجرة التى أطلقتها محافظة القاهرة بالتعاون مع الزراعة وبعض الشركات.

نحن فى حاجة إلى النسق الحضاري والإنساني من أجل مصر التى نريدها أفضل وأرقى بالعمل والمتابعة من أجل حياة كريمة تليق بالشعب المصري العريق وبكفاحه وتضحياته.