البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

رحيلك أبى.. غصة فى الروح وحزن غير مكبوح

 

مر عام وذكراك لا تفارق عقلي وجوارحي فرحيلك ترك غصة في روحي، وجرح غائر في نفسي لا تضمده الأيام مهما مر منها الكثير والكثير، ما زلت أتذكر ذلك اليوم وكأنه البارحة حينما جاءتني مكالمة من شقيقتي في أول أيام العيد وظننتها مكالمة لتهنئني بحلول عيد الفطر المبارك ومنذ الثانية الأولى انخلع قلبي حينما سمعت صوتها مجهش بالبكاء وأخبرتني بأنك فارقت الحياة فجلست مشلول الفكر والحركة من الصدمة لفترة من الزمان لا أستطيع النهوض من مضجعي إلى أن كسر الصمت صوت زوجتي التي في الأغلب استيقظت على صوت نحيبي “ماذا حدث لماذا تبكي؟” فرددت وأنا أجاهد كي ينطلق صوتي “لقد مات أبي” أصعب جملة تلفظت بها طوال حياتي.

ولولا الصبر الذي أستمده من إيماني بالله سبحانه وتعالى ما تجاوزت أبدًا تلك المحنة، فقد توفيت وأنت في بلد آخر وبعيد عن عائلتك بسبب الغربة التي أبغضها وزاد مقتي لها منذ تلك اللحظة حيث عشت عمرك تسعى لتوفير الأفضل لنا وإن كان ذلك سيجور على راحتك، ولكن يا للحسرة فكل ملذات الحياة لا تساوي لحظة بقربك، وتتوالى الصواعق عندما تذكرت أن هناك جائحة عالمية تدعى "كورونا" تسببت في شلل حركات الطيران بين الدول وأنني سأُحرم أيضا من النظرة الأخيرة لوجهك ولن أطبع قبلة على جبينك لآخر مرة في الحياة، كما إنني لن أستطيع إيصالك لمثواك الأخير لتزداد أحزاني والهم في قلبي، فكم هي قاسية قلة الحيلة وما أسوأ الشعور بالعجز.

ولكنني أيضًا سأتذكر دائمًا أنك كنت مصدر الفخر لي بين كل الناس ليس فقط لأنك محبوب من كل من يعرفك بل لأنك أحد أبطال نصر أكتوبر المجيد 1973 وأنك أحد البواسل الذي استردوا لنا الأرض والعرض وجعلونا أصحاب سيادة على بلادنا ولعل الجرح الغائر في ساقك الذي خلفته إصابتك على الجبهة كان دائما مصدر أستمد منه القوة والعزة وأتفاخر به أمام الناس فإنني ابن البطل، ورغم ذكرياتنا الجميلة التي تدور في خاطري على الدوام فإنني أتذكر أنك زرعت بداخلي الوطنية منذ نعومة أظافري فلم أكن وصلت لسن الالتحاق بالدراسة لكنك حرصت أن تروي لي ذكرياتك خلال خدمة الوطن ورسمك خطة العبور وخطط التمويه التي خدعتم بها العدو على ورقة بيضاء امتلأت بتفاصيل حرب الكرامة طبعت في ذاكرتي حتى يومنا هذا، بل إنني أعلم كل جرة قلم بها وكأنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من ذاكرتي، وسأرويها لأبنائي وأحفادي إن كتب الله لي العمر لأراهم وسأحكي لهم عن أمجادك في الزود عن تراب وطننا الغالي وأغرس بداخلهم روح حب الوطن التي زرعتها في نفسي إياها.

قد تكون لم تر ابنتي ولن تراها سوى في الجنة بمشيئة الرحمن، إلا إنني كلما وقعت عيني عليها رأيتك فسبحان البارئ المصور قد ورثت حفيدتك خفة ظلك وروحك الجميلة التي أحبها الجميع، وفي الشكل أيضًا أنظر إلى عينيها فأرى عينيك ولون شعرك ورسمة أذنيك واسلوب سيرها على الأرض يذكرني بك، وليست الجينات الوراثية فقط هي نقاط التلاقي والتشابه بينك وبين فلذة كبدي بل إنها ولدت في نفس يوم مولدك الرابع من سبتمبر ليبقى ذلك اليوم ذكرى مولد اثنين من أعز الناس إلى قلبي على الدوام.

كم أشتاق أيضًا لمناقشاتنا واختلافاتنا ومشاكساتنا في تشجيع كرة القدم، وأشتاق لنصائحك التي قومت بها سلوكي حينما كنت أتعصب لفريقي وأتجاوز في حق المنافس، ولتعليمك لي أنها رياضة تسمو بها الروح والأخلاق وأن التعصب يجردها من هدفها الأساسي فلا داعي إذن لممارستها أو متابعتها لو سيكون الحال كذلك.

فمن غير أبيك سيلقي بنفسه أمام عجلات سيارة GMC الضخمة ليفديك عندما عبرت الطريق ذات مرة دون أن تنتبه غير آبه بما سيحدث له، كما أنني لم أنسى كم كنت أعشق عندما كنت صغيرا إمضائك على أي ورقة وأتساءل باندهاش كيف تفعلها بهذا الإتقان فتستمر في تعليمي للحصول على إمضاء خاص بي يتناسب مع حروف اسمي.

الكثير والكثير من المواقف التي قد أستمر في سردها لفترات طويلة لكن مهما حكيت وكتبت سيظل لساني وقلمي عاجزين عن شرح ما بداخلي من مشاعر مهما اجتهدت.. لم ولن أنساك وستبقى أبد الدهر أول قدوة وأول بطل في حياتي، ولعل كل كلمات الشكر لن توفيك حقك على المبادئ التي رسختها بداخلي وأسعى جاهدًا لتطبيقها، وليس بيدي شيء سوى أن أسأل الله لك  الدرجات العلى من الجنان وأن يجمعني بك في الفردوس الأعلى.