البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الأزمة الأوكرانية.. موقف مصرى يفضح إزدواجية العالم المتحضر!

جاء موقف الدبلوماسية المصرية من طرح مشروع قرار تعليق عضوية روسيا فى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فاضحًا لازدواجية معايير النظام الدولى الحالى فى التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وانتهاكه لدور المؤسسات الدولية بالعمل دائمًا على تسييسها وتوجيهها لخدمة مصالح أطراف بعينها.
الخميس 7 أبريل الجارى شهد اجتماعًا استثنائيًا للجمعية العامة للأمم المتحدة جرى خلاله التصويت لصالح مشروع قرار لتعليق عضوية روسيا فى مجلس حقوق الإنسان وذلك فى إطار سياسة حصار موسكو اقتصاديًا ودبلوماسيًا عبر سلسلة عقوبات اقتصادية ترافقها أخرى دبلوماسية بدأت بطرد الدبلوماسيين الروس من قبل الولايات المتحدة وحلفائها فى غرب أوروبا وصولًا إلى صدور قرار بتعليق عضويتها بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
الموقف المصرى من مسألة طرح مشروع القرار يعد فى أقل توصيف له مواجهة حاسمة وجادة للآليات التى استقرت فى منهج وأسلوب عمل بعض العواصم الغربية لتسييس المؤسسات الدولية والتلاعب بأدوارها لخدمة مصالحها على حساب الأهداف النبيلة التى من أجلها وجدت تلك المؤسسات وفى القلب منها تعزيز العمل الدولى الجماعى والتعاون المتكافئ بين جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة لحفظ والسلم والأمن الدوليين.
بيان الدبلوماسية المصرية عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة تحلى بالشجاعة والقوة للدفاع عن مصالح كافة أعضاء الأسرة الدولية وأكد فى عبارات واضحة أن مصر لا تنظر لمشروع القرار فى سياق الأزمة الأوكرانية أو أنه يتصل بأى صورة بمبدأ عدم استخدام القوة، وإنما تعتبره مرتبطًا بالتوجه نحو تسييس أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وأن الموقف المصري المبدئي والثابت، إنما يرفض هذا التوجه، لما ينطوي عليه من إهدار للغرض الذي أنشئت من أجله المنظمة ووكالاتها وأجهزتها، وما يقود إليه ذلك من دحض لمصداقيتها وللعمل الدولي متعدد الأطراف.
الدبلوماسية المصرية العريقة اعتبرت مجرد طرح مشروع القرار منعطفًا خطيرًا فى مسار عمل الأمم المتحدة يؤثر على مصداقيتها ودورها فى حفظ السلم والأمن الدوليين.
وبكلمات صريحة لا تحتمل اللبس، أكد البيان المصرى عدم الارتياح لاستمرار المعايير المزدوجة والكيل بأكثر من مكيال، لافتًا إلى تكرار الاكتفاء بقرارات أقل حسمًا وأكثر تساهلًا إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان واضحة فى ماض ليس بالبعيد.
الدبلوماسية المصرية قالتها بوضوح، لا وجاهة لطرح مشروع القرار أصلًا مؤكدة على رفضها الصارم لأى انتهاكات تقع ضد حقوق الإنسان وضرورة مواجهتها بشكل حاسم وملائم وفقًا للآليات الأممية.
هذا ملخص الموقف المصرى الذى انتهى إلى رفض التصويت على مشروع القرار؛ واللافت فى هذا الموقف ليس فقط فضحه لازدواجية معايير النظام الدولى الحالى والقائم على هيمنة القطب الواحد، ولا حتى قوة واتزان السياسة الخارجية المصرية فى مواجهة الأطراف التى تتلاعب بالمؤسسات الأممية لخدمة مصالحها، لكن اللافت حقًا فى الموقف المصرى وما يمكن قراءته بين سطور بيان الدبلوماسية المصرية أنه جاء معبرًا عن ضيق وانزعاج بالغ من النظام الدولى بتركيبته الحالية ووعي مصرى تتشارك فيه العديد من الدول بأن الوقت قد حان لإحداث تغيير جوهرى فى هذه التركيبة بحيث يقوم على تعددية الأقطاب حتى تضمن الأسرة الدولية بقاء المؤسسات الأممية محايدة بعيدة عن آليات التسييس كى تستمر فى لعب الأدوار التى من أجلها توافقت كل دول العالم على وجودها.
الموقف المصرى يقول ببساطة أن الأمم المتحدة ومؤسساتها ووكلاتها ملك للجميع وليس حكرًا على أعضاء حلف النيتو.
من جانبها قررت موسكو الخروج من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تعبيرًا عن رفض قرار تعليق عضويتها، وليس بعيدًا عن هذه المسألة، لم تحرك الأمم المتحدة ساكنًا إزاء فضيحة تورط وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون فى تمويل ثلاثين معملًا ببحوث الحرب البيولوجية فى أوكرانيا وحدها، وانخراط نجل الرئيس الأمريكى جو بايدن فى عمليات تمويل تلك المعامل ناهيك عن تقارير أخرى تتحدث عن وجود أكثر من 60 معمل للحرب البيولوجية تابعين للولايات المتحدة فى العديد من دول العالم.
لم تلتفت الأمم المتحدة إلى الوثائق الرسمية التى تدين واشنطن، واعتراف تائب وزير الخارجية الأمريكى للشئون السياسية فكتوريا نولاند بتبعية ثلاثين معملًا للحرب البيولوجية فى أوكرانيا للبنتاجون؛ بينما سارعت إلى إدانة روسيا واتهامها بارتكاب ما قال الإعلام الغربى أنها جرائم حرب ارتكبها الجيش الروسى فى مدينة بوتشا القريبة من العاصمة الأوكرانية كييف؛ دون أن تتمهل لحين إجراء تحقيق دولى محايد بعيدًا حتى عن الإدعاءات الروسية فى هذا الصدد والتى تنفى تورط الجنود الروس فى هذه الجرائم، وبعيدًا حتى عن رسائل مواطنين أوكران من سكان هذه البلدة نفوا فيها كل ما نشره الإعلام الغربى من مزاعم.
على أية حال، هذه الازدواجية اعتدناها فى الشرق الأوسط، فبدون أدلة عن امتلاك صدام حسين أسلحة نووية تم تدمير العراق، وبناءًا على تقارير صحفية فى الإعلام الغربى تم توجيه ضربات صاروخية ضد الشعب السورى بحجة قيام الجيش العربى السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد عناصر التنظيمات الإرهابية، ومثل ذلك حدث فى ليبيا وأفغانستان ناهيك عن استخدام ورقة حقوق الإنسان المزعومة للضغط على العواصم العربية الساعية لاستقلال قرارها السياسى لا سيما القاهرة والرياض.
مجمل القول، بدون قيام نظام دولى جديد سوف تتحول الأمم المتحدة ومؤسساتها بشكل علنى غير خجل إلى مجرد إدارات تابعة لوازارات الخارجية فى واشنطن وحلفائها فى العواصم الأوروبية وسيمضى العالم نحو حرب ثالثة لا محال خاصة مع امتداد الاستفزازات الأمريكية إلى مناطق المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبى.
الرهان الآن ليس فقط على نتائج الصراع فى شرق أوروبا أو المحيط الهادئ وإنما أيضًا على تشكل تكتلات إقليمية ودولية تدعم الرؤيا المصرية بشأن تعزيز الدور المحايد وغير المسيس للمؤسسات الأممية وغيرها من الرؤى والمواقف والمبادرات الاقتصادية والسياسية التى شرعت بعض الدول اتخاذها سعيًا لإقامة عالم متعدد الأقطاب.