في الاحتفال بمئويته.. كيف تطورت الرؤية النقدية لمحمود أمين العالم؟
تناول الناقد الأدبي الدكتور صلاح السروي في ورقته حول تطور الرؤية النقدية عند محمود أمين العالم عددا كبيرا من العناصر المكونة لهذه الرؤية، في إطار الاحتفالية المئوية للعالم في حزب التجمع صباح اليوم السبت .
تناول السروي إشكالية الشكل والمضمون والذي قال: كان للمقال الذي نشره الدكتور طه حسين في جريدة الجمهورية القاهرية عام ١٩٥٤ له دور كبير في تفجير هذه المعركة الأدبية الكبرى التي نشبت بينه من ناحية، ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس من ناحية أخرى. فقد قدم طه حسين في هذا المقال تصوره لطبيعة الأدب الذي يعبر - للغرابة - عن تصور المدرسة الكلاسيكية، وهو يرتكز على أن: " اللغة هي صورة الأدب، وأن المعاني هي مادته"، إلى جانب عنصر ثالث لم يفصل القول فيه ولم يحدد موقعه بين العنصرين السابقين، وربما ذكره بتأثير من وعى رومانتيكي مكتسب من ثقافته الأوربية، أسماه "عنصر الجمال".
وتابع السروي : ربما كان يقصد أنه ناتج عن العنصرين السابقين: أي اللغة والمعاني. وخطورة هذه النظرة تكمن في أنها تقوم على أساس الفصل بين اللغة والمعاني، بحيث يمكن تصور أن اللغة إنما هي وعاء فارغ يمكن ملؤه باية معان، وأن المعاني بدورها إنما هي أطياف هائمة تبحث لها عن لغة تتجسدها أو شكل تتلبسه. وهذا أمر يتأبى على التصور المجرد، أو الواقعي، فإذا جردنا اللغة من معانيها فكيف يمكن أن تكون؟ وكذلك الأمر لو جردنا المعاني من ألفاظها، فكيف يمكن أن نتصورها أو أن ندركها؟ إنها نواتج تلك الرؤية المثالية التي تقوم على الفصل بين الروح والأشكال، وتتصور عالما مثاليا هيوليا متعاليا، ولكنه قد يتعين في أشكال محددة.
وفي مقابل هذه النظرة تقوم الجمالية الماركسية على إقامة وحدة جدلية بين الشكل ومضمونه، فالأشكال عند ماركس تتحدد تاريخيا بنوع المضمون الذي تحققه وتجسده، وهذا ما يجعلها تتغير وتتحول بتغير المضمون، فليس.. "للشكل أي قيمة ما لم يكن شكلا لمضمون "، والعكس صحيح ، فالجمالية الماركسية تقوم على إبراز الصلة الجدلية بين الشكل والمضمون وسط واقع لايني يتحول ويتغير طارحا معطيات وشروكا تاريخية جديدة، وبالتالي مفاهيم ورؤى وتصورات جديدة.
وأوضح السروي أن محمود أمين العالم حاول التعبير عن هذا الفهم الماركسي على نحو متطور ونام، كما سبق القول. لقد استفز مقال طه حسين السابق الإشارة إليه محمود العالم وعبد العظيم أنيس، فقاما بالرد عليه بمقال عنوانه: "الأدب بين الصياغة والمضمون" (أدرج ضمن كتاب: "في الثقافة المصرية"١٩٥٥)، حيث يرى الكاتبان، بداية، أن قصر مفهوم "الصورة" على اللغة فقط، وقصر مفهوم "المادة" على المعاني فقط، لا يكشف عن إدراك سليم لحقيقة الظاهرة الأدبية.. "ذلك أن اللغة أداة من أدوات الصورة، فان قصرنا الصورة على اللغة، فقد تحدثنا لا عن الصورة، بل عن الأسلوب".
وتابع : تجرى التفرقة هنا بين الصورة والأسلوب، أي بين الصورة والطريقة الفنية التي تتجسد بها الصورة. فتصبح اللغة أداة فنية أسلوبية، تقوم على تجسيد الصورة، وليست هي الصورة نفسها. إذن ماذا يمكن أن نعني بالصورة؟ إن الصورة هي عملية التشكيل الأدبي ذاتها، إنها تلك العملية الداخلية الفاعلة.. "في قلب العمل الأدبي لتشكيل مادته وإبراز مقوماته".