البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

معرض الكتاب .. "أمريكا الأفريقية" يرصد فترة حساسة من تاريخ الولايات المتحدة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يشارك كتاب أمريكا الأفريقية، الصادر عن دار نهضة مصر، للمؤلفة الدكتورة راندا رزق، أستاذ الإعلام التربوي بكلية التربية النوعية بجامعة القاهرة، ضمن إصدارات الدورة 53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

ويتناول كتاب أمريكا الأفريقية فترة حساسة في تاريخ الولايات المتحدة، والتي تمس أوضاع السود في الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، ويرصد الكتاب التشابك الأمريكي على مختلف الاصعدة من خلال المسرح، حيث يعتني بدارسة المسرح الأفرو أمريكي ومراحل تطوره، ودور الفن في التشابك الثقافي وتعزيز العلاقات.

كما يرصد الظروف الفنية والاجتماعية للسود داخل المجتمع الأمريكي خلال هذه لفترة، بإلقاء الضوء على حركة الزنوجة كنموذج لحركات المقاومة التي تبناها السود كرد فعل على الأوضاع التي عانوا منها خلال هذه الحقبة.

ويعتبر هذا الكتاب دراسة معمقة للمسرح بوصفه تمثيلًا حقيقيًا للعلاقات الأفرو أمريكية، بكل ما مرت به هذه العلاقات من شد وجذب، وتعزيز هذه الصورة عن طريق رصد نماذج تحليلية وتطبيقة لتحليل التداخل والاشتباك الثقافي الناتج عن هذه العلاقات المضطربة.

كما يعتني هذا الكتاب بتناول التشابك الأفرو أمريكي من منظر أنثروبولوجي، عن طريق تحليل الروح الشعبية والطقوس الإفريقية في مسرحيات العشرينيات والثلاثينيات. بالإضافة لرصد التمرد الاجتماعي في المسرح الأفرو أمريكي في فترة الأربعينيات والخمسينيات، عن طريق تحليل مسرحية "حدود الحياة" كنموذج تطبيقي.
وخلص الكتاب إلى أن المسرح الإفريقي الحديث أصبح له شكله الإبداعي الذي نشأ من خلال تربة تجربة السود في أمريكا، وقد أصبح أيضًا يجسد العلاقة التي تربط بين الحاضر والماضي، وهو يعكس بتأثيره جماليات الأداء الإفريقي ومبادئه. ويوظف استراتيجيات اتصال ترتكز على مفهوم متكامل للعناصر الحركية والبصرية والسمعية والشفهية التي تُوجه في الوقت نفسه إلى طاقات الإنسان بصفة عامة. وبتلك الطريقة تحولت النظرة إليه باعتبار أنه المسرح الذي يحتضن أي انفصالات تعسفية بين الصور الدرامية والغنائية.

وتقول المؤلفة: من هنا نتبين أن إفريقيا والتقاليد الثقافية التي تميزها تحولت الآن إلى حقيقة نهائية تُنكر تماما المركزية الأمريكية وتقاليد مسرحها، وأصبحت تسعي إلى ترسيخ مفاهيم الاستمرارية والتجذر والعلاقة باعتبارات أساسية في حدود رؤيتها. وستكون تلك الجهود الرئيسة مبذولة في مثل هذه المحاور.

ولا شك أن أدب المسرح في إفريقيا قد نشأ في تناقض المواقف الاستعمارية، وأن ذلك أثقله بمشكلات غريبة خاصة. وقد كانت إحدى تلك المشكلات تمثل سؤال الولاء والتحيز لإفريقيا. فمن بدايته - منذ فترة الاستعمار - واجه المسرح الأدبي مشكلات عديدة في تنمية الشعور بالولاء لإفريقيا وتقاليدها وشعوبها. حيثُ في حالة نيجيريا وغانا - المستعمرتين - كان ظهور أدب المسرح برعاية مؤسسات أجنبية حديثة. إذ تعاونت نوادي اجتماعية وأدبية وصحف ومؤسسات إنجيلية وتعليم بشكل مؤثر لكي تؤسس للمسرح الأدبي؛ حيثُ أنه كان متوافقا مع تقاليد المسرح الأوروبي. حيثُ صارت المسرحيات التوراتية والصور الغنائية ومواكب الاحتفال باليوم الوطني ومسرحيات شكسبير غذاء مسرحيا. وقد حدث ذلك السيناريو مع بعض التعديلات في جميع أنحاء إفريقيا المستعمرة – سواء كانت القوة الحاكمة فرنسية أو بريطانية أو هولندية. وقد تم التنويه على تغذية فكرة التقليد التي تُصاغ أفكارها من خلال رؤية الاستعمار على اعتباره مؤسسة حضارية وتحضيرية.

وقد تنكرت لأي دلالة أو أصالة علي التقاليد الإفريقية، وحضت الإفريقيين السود علي على أن يُحاكوا ممارسات وقيم ومؤسسات المستعمرين، وقد اشتدت هذه الرؤى عن طريق التطورات الاجتماعية التي تتمثل في: التعليم والتحضر والتجارة والطرق والنقل، وتحديث أساليب الاتصال مثل الإذاعة والصحف والسينما. وقدم كل هذا مرة معجزات أكدت على ضرورة محاكاة الأوروبيين. ونتيجة لذلك أيضًا توظفت نزعة الاستعمار وظهر المسرح الأدبي من خلال شراكة لمواصلة أهداف فكر التقليد المحاكاة.
 

وعلى الرغم من ذلك لكنه تمض تلك التطورات بدون تحديات. حيثُ في أربعينيات القرن الماضي، ظهرت أصوات إفريقية معارضة وقوية في مشهد استعماري في غرب إفريقيا على الأقل. وقد كان هناك من يسعون إلى تعديل تغذية المسرح الاستعماري من خلال تقديم الموسيقي والملابس الإفريقية والأفكار في العروض الرئيسة. ثم ظهرت بعد ذلك حفلات موسيقية وتقاليد مسرحية شعبية في مواطن عدين مثل نيجيريا وغانا في وجود مثل تلك الظروف، وقد أفسحت الطريق سريعًا للعروض التي تميزت بالتجارب الإفريقية الوطنية باعتبارها إطارًا مرجعيًّا.
وقد كان هناك الكثير من الإفريقيين مثل (كوبنا سيكي) ومسرحيته (الوميض) وهي مسرحيته مشهورة؛ وقد سخر من أيديولوجية المحاكاة وقد نادى بالاهتمام بالتقاليد الإفريقية الشفهية. وقد اكتملت تلك الجهود مع مؤلفين مسرح وطنيين مثل أزيكوي وكيسلي هايفرد وأتو أهوما و ج.ب. دانكوا الذين سعوا بعزيمتهم الفكرية إلى مزج نزعتهم القومية الناشئة مع تأكيد ملائمة تقاليد الثقافية الإفريقية. وفي الختام تبلورت تلك الجهود في إرادة قوية وحاسمة مع الآراء الإفريقية المستنيرة من أجل رفض فكر المحاكاة. ثم أصبحت النزعة القومية بعد ذلك تركز أكثر على التاريخ الإفريقي وتقاليد الأفارقة الشفهية والفولكلورية مع تسليط الضوء أكثر على التعبير الإفريقي والفكر الإبداعي.

ومع نهاية ستينيات القرن العشرين توحدت هذه المذاهب في عدة مبادئ مثل حركة الزنوجة والشخصية الإفريقية، وكذلك في حركات تأسيس المسرح الوطني. وقد تضمنت الأفكار الرئيسة في تلك الاتجاهات نزعة إحيائية ثقافية، ورغبة في إيجاد التقاليد الفنية الجديدة التي تركيز على أن تجعل الماضي الإفريقي مناسبا للتجارب المعاصرة. وتضمنت كذلك تفويضات بممارسة الدول الجديدة في إفريقيا الثقافة باعتبارها سلاحا سياسيا أو مهمة دبلوماسية إفريقية. وقد كان من المتوقع بالنسبة للإبداع الإفريقي في ستينيات القرن الماضي هو أن تظهر الميول والاتجاهات على المسرح الأدبي.

إن الاعتقاد الذي كان مسيطرا بين مؤلفي المسرح الإفريقيين هو أن المسرح لا يزال يتمتع بطابعه العام العالمي في إطاره الفكري والقضايا التي يطرحها على المتلقي، وذلك أن المسرح كان يمثل ساحة دولية للتعبير عن اهتمامات إنسانية عامة، مثلما هو واضح في كتابات الإغريق وكتاب المسرح الإلزابيثي على سبيل المثال. ولم تكن هناك أخطاء في العمل على أن يستدعي المسرح الأدبي الشاب في إفريقيا إلى تلك الساحة الدولية ولتأكيد ارتباطه بمثل هذه القيم الإنسانية العامة.
وقد أدي ذلك التيا، في فكرته الأساسية إلى أن ظهرت اقتباسات مباشرة من مسرحيات أوروبية. لأنه منذ ظهور مسرحية (مونتو) سعي المؤلف المسرحي (جو دو جرافت) إلى ترسيخ هذا الملمح في المسرح الغاني عن طريق الاقتباس لمسرحيات شكسبير، وفي تلك التقاليد، تصبح (هاملت) هي (هاميل) في حين تظهر (ماكبث) باسم (مامبو)، وهذه عبارة عن معالجات تتكون من خلال المحافظة على كل شيء عند شكسبير في تلك المسرحيات ما عدا الأدوات والملابس وإعداد الخلفية والمشهد حتى تناسب المشاهدين الغانيين.

وبالإضافة إلى ذلك نجد أن أشكال الاقتباس الآخر ارتبطت بالتحولات الفكرية التي كانت فيها المادة الإفريقية هي المادة الكلاسيكية نفسها الموجودة في التقاليد الأوروبية. وبناء على رأي (وول سوينكا) نتبيَّنُ أن ذلك مستمد من نماذج ملهمة موجودة في كثير من الدراما والأدب الأوروبيين، علاوة على أنه موجود كذلك في أسلوب العرض. وقد جادل (ج. ب. كلارك) في أن ذلك من الممكن تفسيره بمعنى أن أنه توجد مراحل من التطابق والصدفة في طريق الحياة عند الناس بين عدة شعوب منفصلة بأزمان ومسافات بعيدة، ومن يحملون ممارسات وثقافات متمايزة. حيثُ في خلال السنوات الأولي من تجربة (إيفووا سازرلاند) في المسرح الغاني، أصبح المضمون الرومانسي والتاريخي والملحمي والعقائدي للقرائن المثيرة من الأمور التي جعلتهم يستغلون التراجيديات اليونانية والأعمال الدرامية الكبيرة.

وقد تطور ذلك الفن في العالم العربي وفي القارة الإفريقية من خلال عدة مراحل من الاقتباس والممارسة وإن تعرض في بداياته للرفض والجفاء. حيثُ في إفريقيا يرى الباحثون والنقاد أن الرصيد الثقافي الإفريقي شفوي في الأساس، حتى وإن وجدنا خطوطا وكتابات قديمة لم يتم تفكيك طلاسمها بعد، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك محاولات وإرهاصات شبيهة بالمسرح في مختلف أرجاء القارة تعتمد على الغناء والرقص والحكاية كأسلوب لتوصيل الخطاب بين قبائل متنوعة وداخل قرى وأرياف إفريقية. أما بالنسبة للمسرح الإفريقي بهذا الشكل الحديث الحالي، فإنه يعتبر موروثا فنيا خلفه استعمار الغرب.

ومن المؤكد كذلك أن المسرح الإفريقي قد تطور بفعل سياسات حكومية حتى أصبحت له سماته الإفريقية الخالصة، ومن ثم أصبح له جمهوره الخاص، بل ومعارضه وقاعاته. 
لقد ظل المسرح الإفريقي يعاني غياب المرأة بشكل ملحوظ، فالمرأة باعتبارها ممثلة، لا تأخذ فيه مكانا رئيسا. بل إن المسرح الإفريقي، كالمسرح العربي، تارة يكون أقرب ما يكون ذكوريا؛ لأن النص المسرحي كثيرا ما لا يمنح أدوارا مهمة للممثلات المسرحيات، حيث إن العادات الإفريقية القديمة كانت قد حالت بين المرأة وبين التحاقها بميدان المسرح، ولكن بدأت الوتيرة تخف بعد ذلك. مع العلم أن عام 1939 شهد أول صعود للنساء على خشبة المسرح في مدرسة ريفسك في السينغال حيث لعبت النساء بعضا من الأدوار الصغيرة في أول مسرح أقيم في إفريقيا الفرانكفونية.

ومن الملاحظ هنا أن المسرح في إفريقيا يُعنى كثيرا بالأبعاد التاريخية. فهو في كثير من جوانبه تغلب عليه الإيحاءات والرموز التي تعبر عن الأمجاد السابقة. وإن افترضنا أنه لا يوجد عيب في ذلك، فللا بد إذن - في قاعات العرض الإفريقية - من قيام مسارح سياسية واجتماعية تعبر عن التحولات وترافق التطورات.

ومن جانب آخر نجد أن كثير من نصوص المسرح الإفريقية تتميز بلغة شاعرية طنانة تتجه إلى اللاواقعية أكثر من اتجاهها إلى الأسلوب المباشر العام. بالإضافة إلى أن معظم المسرحيين - ممثلين وكتاب - قد تأثروا بالأنماط الكلاسيكية وغلبت عليهم الارتجالية، واختاروا التمثيل بلغات أخرى أقرب إلى أمزجة المتخصصين منها إلى أذواق الجماهير العريضة.