البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

إسحاق الباجوشي يكتب: عيد الغطاس واحتفالاته

إسحاق إبراهيم الباجوشي
إسحاق إبراهيم الباجوشي عضو لجنة التاريخ القبطي

هناك إشارات تاريخية عديدة عن الغطاس والأحتفال به وردت عند كثيـر من المؤرخين القدامى في العصور الوسطى حيث جاء ذكر ذلك عند كلاً من المسعودي (توفى 957م)، وبن مماتي (توفى 1211م)، والقلقشندي (توفى 1418م)، والمقريزي (توفى 1442م)، أما عن المصادر القبطية والليتورجية منهم الأنبا ساويرس بن المقفع (ق: 10م)، وأبو المكارم (+ 1209م)، وبن كبر (+ 1324م)  وبن سباع (ق: 14م).

تحدث عن بعضها  الأستاذ صبحي عبد الملاك (باحث ومدرس في التـراث والتاريخ القبطي في معهد الدراسات القبطية، وأسبوع القبطيات بروض الفرج) نُشر في جريدة وطني السنة 41 العدد 1934 الصادر  بتاريخ 17 يناير 1999م تحت عنوان: "عيد الغطاس المجيد بين علماء الكنيسة والمؤرخين".

ونضيف ما جاء عند القلقشندي في كتابه: صبح الاعشي الجزء الثاني:

"السابع الغطاس ،يعملونه في الحادي عشر من طوبة، من شهور القبط. يقولون: أن يحيي بن زكريا عليه السلام، وينعتونه بالمعمدان غسل عيسى عليه السلام (السيد المسيح)، بُحيـرة الأُردُن، وأن عيسى لما خرج من الماء أتصل به روح القدس على هيئة حمامة ، والنصارى يغمسون أولادهم فيه في الماء على أنه يقع في شدة البرد الا أن عقبه يحمي الوقت ويقول المصريون: غَطَّستم صيفَّتم، ونَوْرَزْتم شَتيَّتم "

و يبقى لنا أن نشير إلى تباين الأبحاث حول تحديد استخدام المغطس في الكنيسة القبطية حيث أشار البعض في دراساتهم إلى وجود المغطس قبل العاشر، أما الأستاذ الدكتور يوحنا نسيم يوسف تعقيبًا على نسبة كتاب: "ترتيب الكهنوت" يشير إلى وجود المغطس بعد الرابع عشر، مستندًا لما ورد في كتاب: ابن سباع" الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة" حيث يرد ذكر  المغطس في الباب التاسع والتسعون منه تحت عنوان:  "في ذكر القيام بالأعياد السيدية،  وما يجب من تماجيدها"  محاولاً نفي نسبة الكتاب للأنبا ساويرس بسبب ورود المغطس في الباب الرابع منه حيث يذكر الآتي: "أما المغطس في البيعة فهو  نهر الأردن الحاضر الذي غطس فيه سيدنا يسوع المسيح له المجد...، وكما أن سيدنا له المجد شابهنا في كل شئ ما خلا الخطية وحدها لزمنا مشابهته في كل ما فعله في سيره بناسوته المجيد لذا أخذنا الغطاس مثالاً لما فعله هو بنفسه، ولما صار هذا المثال مؤكد في نفوس معلمي البيعة احتاجوا، ووضعوا في البيعة بيت الصلاة، والاستغفار مغطس تغطس الناس كلهم فيه الرجال،  وبعدهم النساء تشبهًا بنهر الأردن ... "، ويشير الدكتور يوحنا أن المغطس بما أنه –بحسب تقديره- بعد الرابع عشر إذا ينفي نسبة الكتاب للأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين (في القرن العاشر).

ولكننا وفقًا لبعض المغاطس الأثرية التي كانت في الفتـرة ما بين السادس والعاشر نشير أن هناك مغطس بدير العذراء بجبل الطيـر يرجع تاريخ نحته إلى نشأة الكنيسة في الربع الأخير من القرن الخامس (أنظر صورته) ويقع في الجهة الغربية القبلية من الكنيسة وحاليًا في بئـر السلم للكنيسة الحالية، وأيضًا هناك مغطس بدير السريان يؤرخ بالقرن الثامن الميلادي، وهناك مغطس أخر في دير القديس بقطر  بحاجر حجازة  مركز قوص، ويرجع لما قبل العاشر وبطل استعماله، ثم جعلوه طافوس (أي مقبرة)، والذي وجد فيه رفات الأنبا أثناسيوس أسقف قوص (ق: 14)، مما يشير إلى وجود المغطس في الكنيسة القبطية في الأماكن التي تبعد عن النيل والمسطحات المائية.

أما ما ورد عند أبو المكارم (قبل 1209م) لوجود مغاطس في بعض الكنائس منها:

" عدة بيع و كنايس بها مغطس مثل كنيسة الأميـر تادرس المشرقي بحارة الروم وكنيسةمارمينا فم الخليج و بيعة على اسم مرتا و مريم بدير ناهيا بها مغطس و أيضا بيعة السيدة الطاهرة بمنية طانا بالبراري يجاورها مغطس مبنى بناية رومانية و اتفق أنه لم يصل له شي من ماء النيل كجاري عادته كل سنة و أن الشعب اجتمع ليلة الغطاس و لم يجدوا فيه ماء و بعد خروجهم أمطرت و اشتد السيل حتى امتلا المغطس و فاض كعادته ثم انقطعت المطر و صحي الوقت وطلع القمر و أن الكهنة خرجوا كعادتهم و قدسوا على المغطس و غطسوا وكان فرح عظيم".

"وفي دير أبومقار مغطس تظهر منه آية عجيبة في كل ليلة كل سنة و هو أن ينظف من الرمل الذي يجتمع فيه و بعد ذلك يمتلئ ماء و لا يعرف من أين اتي و كان كل مَنْ به خطية ويغطس به يظهر على جسده لبس مثل لبس السمك وأيضًا لو اجتمع فيه كل الخلق لا يلتصق جسم الواحد بالأخر"، ويشير لذلك الأب متى المسكين في كتابه عن: "الرهبنة القبطية في عصر الأنبا مقار" نقلاً عن سيكار.

ويورد أبو المكارم فصل عن دير المغطس، وينقل المقريزي في خططه أن هناك كنيسة بنيت في نفس المنطقة التي استقر اقامة العائلة المقدسة فيها وكان بجوار الكنيسة مغطس، وانشئ بعد ذلك دير دُعيَّ بدير المغطس بجوار سخا، وظل عامرًا بالرهبان حتى نهاية نهاية القرن الثاني عشر.

أما العادات الشعبية المًصاحبة للغطاس عند الأقباط وبعضها متبقي إلى الآن منها:

يكثر نزول الأقباط للماء في عيد الغطاس وخاصة بعض فلاحي المنيا وأسيوط، وكذلك عمل مشاعل من القصب (حيث يتم تجويف أعلى العود، ووضع زيت وفتيل وإنارته) لأكل أفراد البيت وهذا ما رأيته في قرية سلوه بحري بكوم أمبو أسوان، أما في قرى ملوي يتم زيارة دير الأنبا بيشوي بدير البرشا حيث يقضى الأقباط الليل سهارى، وكانوا حتى وقت قريب شاهدته بنفسي يقومون بالنزول في النيل بعد أن يعبروا للبـر الشرقي، أما ما هو منتشر الآن من عادات هو طبخ القلقاس ومص القصب بعد عمله مشاعل، وكذلك عمل البلابيصة وهو تجويف البرتقالة ووضع زيت وفتيل للإنارة، وهي عادات مصاحبة للعيد يأولها البعض إلى القلقاس ينتزع منه المادة اللازجة السامة بالماء كما تُنتزع الخطية بالمعمودية، والقصب يأول إلى حلاوة الحياة بعد المعمودية، أما البلابيصة المضاءة تشير إلى الأستنارة الروحية بالمعمودية.

وهناك عادة طقسية أشار إليها الدكتور رشدي واصف في دراسته الليتورجية وهي ليتورجية تقديس مياه النيل في الغطاس.

وهناك صورة نادرة محفوظة فى مكتبة الكونجرس تعود لبداية القرن العشرين، وهي لأقباط مصر على ضفاف نهر الأدرن أثناء زيارتهم في عيد الغطاس حيث كانوا يغطسون في النهر الذي شهد عماد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان في مكان اسمه المغطس، وكانوا يحملون معهم زجاجات من الماء عند عودتهم لمصر ويهادون بها الأ قارب والأصدقاء ويحتفظون بها في البيوت للبركة ويشربها المرضى والحزانى والذين عندهم مشكلة وكانوا يحتفظوا بالملابس التي غطسوا فيها لكي يتم تكفينهم بها عند الوفاة.