البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

جريمة الاعتداء على مدرس

أزعجتنى واقعة مدرسة المستشار محمود برهام للتعليم الأساسى فى مدينة بلقاس بالدقهلية، والتعدى على مدرس بالمدرسة من جانب ولى أمر، باقتحام الفصل أثناء الحصة وتقييد المدرس (الشاب – ٢٤ سنة) وشل حركته وطلب ولى الأمر من نجله أن يضرب المدرس بالحذاء الذى يرتديه على رأسه.

 

ما جرى مؤشر خطير على حالة الانفلات الأخلاقى فى المجتمع، وحتى إن كانت الواقعة فردية، فهى عنوان «فوضى» أخلاقية، وتراجع مزعج فى أصول التربية، فى الوقت الذى تنهار فيه القيم الاجتماعية، وتراجع دور الجهات المعنية على رأسها وزارة التربيةوالتعليم فى ضبط السلوك الطلابى ومن أولياء الأمور فى الحرم التعليمى المقدس، الذى لا يقل عن حُرمة دور العبادة.

 

القضية جد خطيرة، وأعتقد أن هناك وقائع أخرى أخطر، فى حالة انحراف مجتمعي، بشأن تراجع وضع المدرس فى المنظومة التعليمية، خصوصا أن ما قام به المدرس هو تعنيف هذا التلميذ (المدلل) ومشروع تلميذ فاشل، وعاق من أب ينال صفرا كبيرا فى مفاهيم التربية والسلوك الإنساني، حيث قام المدرس بمدرسة المستشار محمود برهام للتعليم الأساسى، بتعنيف التلميذ بالتعليم الأساسي، لتعديه على زميله بألفاظ نابية، وهو أقل عقاب قام به مدرس الدراسات الاجتماعية، بل كان يجب أن يكون العقاب أكبر، خاصة أن التلميذ نموذج للصفاقة تعلمها وتلقنها من أب صفيق.

 

والسؤال الذى حيرنى طويلا أين كانت إدارة المدرسة ومدير المدرسة وهيئة التدريس خلال تلك الواقعة المشينة، فى حق الجميع، وعدم التعامل المطلوب لمواجهة جريمة فى حق زميل لهم فى المدرسة؟ فإذا كان ما تم قد علموا به، ولم يتعاملوا معه بالشكل المناسب، فتلك جريمة أخرى، وتقع عليهم مسئولية، بل يجب محاسبة كل من علم وشاهد الجريمة، وتجاهلها، أو غض البصر عنها، مهما كانت المبررات.

 

والمسئولية الأخرى تقع على هؤلاء فى الإدارة التعليمية، والمديرية أو وكالة الوزارة، التى تقع فى نطاقها جريمة مدرسة بلقاس، فكيف صمتت على ما جري، فتجاهل ما حدث يعنى أن المرة القادمة سنجد بلطجية يقتحمون «الحرم المدرسي» فى أى مكان، ويعبثون بالعاملين فيها، وربما يصل عبثهم لجرائم أكبر وأكبر.

 

صحيح أن محكمة جنح بلقاس بمحافظة الدقهلية ومن قبلها النيابة العامة، ووحدة مباحث مركز الشرطة سارعت باتخاذ كل الإجراءات، وسرعة البت فى الواقعة، بمعاقبة ولى الأمر بالحبس عامين مع الشغل، وكفالة ٣ آلاف جنيه وتعويض مدنى مؤقت ١٥ ألف جنيه، إلا أن هذا لا يكفى على الإطلاق، فالردع فى هذه الحالة مهم جدا.

 

فالواجب اتخاذ قرار بشأن ولى الأمر المتعدي، والذى لا يصلح أن يكون وليا لأمر أطفال فى التعليم الأساسي، علاوة على قيام المدرسة ومن ورائها إدارة التربية والتعليم والمديرية ووزارة التربية والتعليم، بتحديد موقف هذا التلميذ أو قل مشروع طالب فاشل.

 

على وزارة التربية والتعليم أن تحمى مدرسيها من مثل هؤلاء، الذين، هم نتاج لصناعة حالة من الفوضى، فى زمن أصبحت فيه المدارس مستباحة أمام الدخلاء، فكيف يتم السماح لأولياء الأمور اقتحام حرمات المبانى التعليمية، أمام كل من هب ودب، ليرتكب ويفعل ما يريد، فى أشكال لم نألفها من قبل، وعلى وزير التربية والتعليم أن يتحرك ليضع حدا لمثل هذا العبث، خصوصا أن واقعة مدرسة مدينة بلقاس، ليست إلا نموذج لوقائع مشابهة، لم يتم الإعلان عنها، وأنا شخصيا أعلم بعدد من مثل تلك الوقائع المشينة فى حق أعضاء هيئات تدريس، دون أن يتحرك أحد بشأنها.

 

وأتذكر هنا كم كانت منّزِلة المدرس عندما كنا تلاميذ وطلابا، فالمدرس إذا مر من شارع، إما نهرب إلى مداخل البيوت، أو نبحث عن شارع آخر، ولم يكن هذا مجرد خوف من المدرس، بل تجسيد للاحترام، والذى كنا نراه من آبائنا وأجدادنا، للمعلمين، والذين لا يطلقون عليهم سوى «المربى الفاضل» الأستاذ... والسؤال: هل بقى شيء من هذا أن نعيده، بيننا وبين أبنائنا، أم سنترك الأمور لمزيد من الفوضى؟!