البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مولد مار جرجس فى الرزيقات.. وطن وشعب واحد.. نجلاء باخوم: نعيش بجينات متوارثة منذ عصر الفراعنة.. والمعبد يتجاور مع الكنيسة والمسجد.. مديرة مدرسة أرمنت: مصر غالية

مولد مارجرجس
مولد مارجرجس


أكثر من 500 مولد لأولياء الله الصالحين وللقديسين يحتفل به المصريون مسيحيين ومسلمين، واحتفلت «البوابة نيوز» مع المسيحيين بمولد مارجرجس بالرزيقات وليلته الختامية الأربعاء الماضى، لكر تؤكد أن مصر شعب واحد لا يستطيع أحد أن يفرق بين المسلمين والمسيحيين على مر الزمان وإلى يوم الدين.
بدأت احتفالات مولد دير مارجرجس بجبل الرزيقات غربى محافظة الأقصر، والتى بدأت 11 نوفمبر الجارى، واستمرت حتى الليلة الختامية يوم الأربعاء الماضي، بحضور الآلاف من المحبين من المسلمين والمسيحيين.
ومع بدء شهر نوفمبر الجارى انطلق المريدين والباعة من المسلمين والمسيحيين بالتوافد على دير مارجرجس بالرزيقات من أجل نصب الخيام في محيط الدير بالمنطقة التي حددتها إدارة الدير لهذا العام، كما سافرت الآلاف من الأسر قبل هذا الموعد للإقامة بالدير على مساحة تزيد على 60 فدانا بداخل خيام أقيمت خصيصا لهذا الغرض بخلاف المنطقة المحيطة التى تكتظ بالآلاف من الزوار مع اقتراب الليلة الختامية.
يشار إلى أن تاريخ بناء دير مارجرجس بالرزيقات يعود إلى الفترة ما بين عامى 1850 إلى 1870 ميلادية وفى بعض الروايات الأخرى إلى ما قبل عام 1896 فى عهد الأنبا مرقص أسقف كرسى إسنا فى ذلك الوقت وورد ذكره فى كتابى تحفة السائلين ودليل المتحف القبطى.
كما يحتفل الآلاف من المسلمين بمختلف القرى والمدن المحيطة بدير مار جرجس، حيث يزورون الدير أثناء الاحتفالات للحصول على «البركات»، ويذكر كبار السن بالقرية أن مارجرجس هو ذاته سيدنا الخضر، ويقمن كل عام بزيارته لكونه كما يطلقون عليه «رجل الله» وتحمل الكثير من أجل الدين ويستخدمه الله فى عمل الخير حتى بعد قرون من موته، وتمارس الفتيات المسلمات نفس طقوس الأخوة الأقباط في المولد حيث يوقدن الشموع أمام أيقونة «صورة» الشهيد طالبين شفاعته «كرامته» فى تحقيق بعض الأمنيات.
وقالت النائبة نجلاء باخوم، عضو مجلس النواب عن قنا، أن المولد يستقبل المسلمين قبل المسيحيين، ومجموعة نواب الأقصر وزارة كل من الدكتور بهجت الصن عضو مجلس الشعب، وكان فى استقباله كل من أبونا توماس الرزيقى أمين الدير وأبونا فام الرزيقى، والنواب أمانى الشعولى ومعها الدكتورة حماده العمارى وكان في استقبالهم الأنبا بيمن عضو اللجنة المسئولة عن الدير وأبونا فام الرزيقي وأبونا توماس الرزيقى أمين الدير، وايضا زار حزب حماة وطن بقيادة علاء الراجحى أمين الحزب وبعض الأعضاء الدير، موضحة أن مدير أمن الأقصر، زار الدير أكثر من مرة لتفقد حالة الأمن هناك.
وتابعت: «نحن في قنا والأقصر وأرمنت نعيش فى تعايش وسلام ويمثل الدير رمز لذلك التعايش الذى نعيشه حيث يتجاور كل من معبد الأقصر بكنيسة السيدة العذراء مسجد سيدى أبو الحجاج، مما يؤكد أن أصالة وتعايش شعبنا المصرى جينات محبة ورثناها منذ بدء الحضارة ولا يستطيع أحد ان يمسها».
وأضاف محمد الطاهر، موجة بوزارة التربية والتعليم، رئيس المجلس المحلى السابق للمحاميد المجاورة للرزيقات، أن المسلمين يحتفلون مع المسيحيين بمولد مار جرجس، متابعًا: «نتفائل له لأنه يأتى بالتزامن مع موسم حصاد القمح ونزور ونتبارك ويقوم الدير بعزومتنا على أكلة فسيخ، وفى تقديرى أن عدد المسلمين من الزوار والتجار يساوى عدد المسيحيين، ويحب أولادنا وبناتنا شراء ملابسهم من المولد لانه يرتبط عادة بافتتاح المدارس، هذه بلدنا التى لا تعرف التفرقة بين أهلها أى ان كانت ديانتهم».
ومن جانبها قالت هدى عبدالمريد، مدير مدرسة أرمنت الثانوية بنات، عضو المجلس القومى للمرأة: «المولد ملتقى المسلمين والمسيحيين زرت المولد هذا الأسبوع وكنت ازوره سنويا منذ طفولتى مع والدتى وجارتنا المسيحية خالتى أم نصر، والآن يطلب منى البنات الطالبات إجازة لزيارة المولد وكنت أرحب دائما بإعطائهم إجازة للتبرك بالمولد»، مضيفة: «كل بناتنا في وئام وسلام وأنا منحت بناتى الطالبات المسيحيات اجازة وسمحت بعد كتابهن فى الغياب وأن يذهبن إلى الدير، وانا زرت الدير من قبل لتهنئة قداسة البابا هناك انا ووفد من المجلس القومى للمرأة، وقد رأيت المسلمين أكتر من المسيحيين هناك».
وتابعت: «هذا إن دل ذلك على شىء إنما يدل على ضرب المسلمين كل دعاوى الفتن عرض الحائط، وستظل مصر تردد دوما أنا غالية وأعدائى رخيصة أنا غم لأحمد ولعيسى، أنا جامع وفى ضهره كنيسة، بيصلوا هما الاتنين، تحيا مصر».
ومن جهتها، أوضحت هدى بكرى عضو المجلس المحلى السابق لقرية الرزيقات: «أنا لا أتحدث عن مولد فحسب بل أهل بكل معنى الكلمة فى الرزيقات بحرى والرزيقات قبلي وقرية الفرقان كلنا بالفعل أهل ومجلس محلى واحد، ويوميا نتزاور ونمارس الحياة اليومية بيع وشراء وتجارة، وكل تجهيزات العرائس تشتري من الرزيقات، والدير يضم أراضى وعمال لا أريد ان أقول مسلمين ومسيحيين بل أهل الرزيقات جميعا لأننا نشرب من ماء واحد ونأكل طعامنا من صنع أيدينا والدير دائما وجهتنا ولذلك يجب ألا نتوقف أمام الفتنة التي يحاولون إثارتها من فيديو مسيء للمسيحية والإسلام».

الموالد على مر التاريخ
عرفت مصر الفرعونية ما يشبه «المولد» وتشير النصوص المصرية إلى الاحتفال أو العيد، لاسيما فى عصر إمبراطورية الدولة الحديثة، بحسب التقسيم التاريخى لمصر القديمة، فضلا عن المواكب الدينية التى كانت تقام تمجيدًا للآلهة وتضرعا لها، حيث صورت نقوش جدران المعابد المصرية احتفالات بأعياد دينية عديدة، أبرزها على سبيل المثال عيد الإله «مين»، وعيد زيارة الإله «آمون» لمعبد الأقصر، الذي كان يطلق عليه عيد «أوبت» الكبير ويوافق خروج موكب الفرعون، تتقدمه القرابين التى يعتزم الكهنة ذبحها في هذه المناسبة.
ومع دخول المسيحية مصر، في منتصف القرن الأول الميلادى، أخذت الاحتفالات الدينية شكلا جديدا عُرف بأعياد القديسين، من منطلق تكريم شخصية حملت صبغة القداسة فى الوعى الجمعى لأفراد يعتقدون فيها، ويقيمون لها الصلوات مع ذكر معجزاتها وسيرة حياتها، وتقديم النذور والشموع والذبائح لإطعام الفقراء، كى تشفع لهم عند الله لقضاء حاجتهم.
ودخل الإسلام مصر عام 642 ميلاديًا بثقافة الاحتفالات الدينية المجردة من تكريم أشخاص، تمثلت في مناسبة دينية محددة، كالاحتفال الرمزى بشهر رمضان، وعيدى الفطر والأضحى، إلى أن تولى الفاطميون حكم مصر وأسسوا فيها خلافتهم عام 969 ميلاديا، فأدخلوا ثقافة الاحتفالات الشعبية والدينية، كان من بينها الاحتفال بأولياء الله، الموالد، وأعياد أقيمت من منطلق الدعاية للدولة الفاطمية وحكامها، كما يهدف إلى ترويج الاعتقاد فى شخص الولي أو القديس، استمرارا للترابط بين المعتقد الشعبى والشعائر الدينية المقدسة.
وأصبحت المعتقدات الخاصة بالأولياء جزءا من الثقافة الشعبية المصرية، الشفهية والمكتوبة، التى تجسد عالما ماديا وروحيا لشخص تحول إلى رمز ديني لدى جماعة محلية، لذا، يحرصون على إحياء سيرة الولى ومناقبه بالاحتفال بمولده و"التبرك" بزيارته، ومن هؤلاء الأولياء سيدنا الحسين والسيد البدوي والسيدة زينب وغيرهم.

من اللد بفلسطين إلى الرزيقات
وقال الراهب القمص توماس، وكيل دير مارى جرجس الرزيقات العامر: «النهضة والاحتفالات لديرنا ازدادت وتباركت منذ زيارة البابا شنودة الثالث للدير 1975، كان الدير عبارة عن كنيسة قديمة ولكن ببركة الله بدات الحياة الرهبانية في الدير منذ عام 1978، والمولد يقوم بمناسبة ذكرى مقدسة وهي بناء اول كنيسة في اللد بفلسطين للشهيد العظيم مار جرجس، وهذا كان يحدث منذ عهد الانبا اغاثون رئيس دير الأنبا بولاو مطران الإسماعيلية المتنيح، وظهرت كثير من المعجزات من البطل الشهيد مار جرجس، وتزايدات الوفود والزائرين».
وتابع: «تقام الصلوات والقداديس والترانيم والحياة الروحية جنبا إلى جنب مع النشاط التجارى والاجتماعي فى سوق من الخيام يشارك فيه الإخوة التجار المسلمون بنسبة أكبر من التجار المسيحيين، وكما يقال يكون لديهم من الإبرة للصاروخ مع تخفيضات كبيرة على المبيعات بما يجعل الحياة الروحية تمتد إلى الرزق وكأن هذا السوق أوكازيون سنوى بشفاعة ماري جرجس ويقبل عليه الزوار من أسوان للإسكندرية لشراء كل احتياجاتهم».
وأضاف القمص توماس: «كل الشكر لرجال الأمن الذين يؤمنون المولد والملايين القادمة من الزوار من البداية للنهاية، وستظل مصر مباركة وببركة مارى جرجس يكون دائما المولد أكبر رد على كل محاولات المغرضين لإفساد الوحدة الوطنية لأننا شعب واحد».
ومن جانبه قال الأب هدرا لطفى، وكيل مطرانية أرمنت للأقباط الأثوزكس وكاهن كنيسة مار جرجس بأرمنت الوابورات: «المولد يحتوى على مظاهر روحية ومجتمعية تحت رعاية البابا تواضروس عبر اللجنة الباباوية المكونة من الأنبا مرقص مطران شبرا الخيمة والمشرف على دير الرزقات والأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص وتوابعها والأنبا يؤنس اسقف أسيوط والجزء المجتمعي حيث يزور الدير في المولد مئات الالاف، وفرصة لتقديم تحية من القلب لكل القيادات والسياسية والتنفيذية والمجتمعة، والحكمدار اللواء علاء الطوخي يشرف بنفسة على المولد كما جاء للتهنئة أعضاء المجلس القومي للمرأة عمد ومشايخ وأعضاء مجلس شعب».

مارى جرجس كلمة موسيقية ترن فى قلوب المصريين
وأوضح الأب لوكاس حلمى الفرنسسكانى، من زوار الدير، أن مار جرجس الرزيقي، كلمة موسيقية ترن في قلوب المصريين عامة وشعب الأقصر والجنوب بشكل خاص، مضيفًا أن مار جرجس قبلة المصريين في شهر نوفمبر من كل عام حيث يترقبه الجميع بمحبة كبيرة، ويتوافد آلاف بل وبدون مبالغة ملايين من المصريين دون استثناء، مسيحيين ومسلمين، متوجهين نحو الأقصر، وهذه المرة ليس لزيارة الآثار المصرية التي تذخر بها المنطقة، وإنما للتوجه نحو قرية الرزيقات حيث الاحتفال بمولد ماري جرجس، وهناك نشعر بطبيعة المصريين الحقيقية والخالصة في تآخ ومحبة وتقدير كبير من كل إنسان لهذه المناسبة الروحية والاجتماعية.
وتابع: «كل زائر يشعر بهذا سريعا حيث تتعطل معظم المدارس والمصالح وتجد الشوارع خالية من الناس لمدة أسبوع، وتتوجه العائلات المسيحية وأصدقائهم من العائلات المسلمة، فى صورة مبهجة، إلى دير مار جرجس الرزيقي بكل فرح وتهليل، متابعًا: "فترة يعيشها المصريون وهم على طبيعتهم من نقاء وتلقائية دون تكلف، فيعبرون عن أسمى ما لديهم، فى الجينات المصرية من محبة وتسامح وتقدير واحترام كل للآخر».

من أهل البيت إلى العائلة المقدسة والقديسين
ويقول عادل أحمد أمين أستاذ الفلسفة الإسلامية والباحث فى الأديان والمذاهب، إن مصر تتميز بحالة خاصة وهى أنه لا يمر شهر تقريبآ دون الاحتفال بمولد أو استشهاد قديس أو قديسة أو أحد الأولياء الصالحين.
وتابع أن الأقباط يحتفلون بالقديسين والمسلمون يحتفلون بالأولياء الصالحين وخاصة أهل البيت، والغريب فى هذا الأمر التلاحم بين عنصرى الأمة والتوافق فى الاحتفال مع اختلاف العقيدة، مضيفًا: «الحقيقة أن المصريين يحتفون بقيمة أكثر من احتفالهم بشخص أو إنسان وحسب الترتيب الزمنى نجدهم أقباط ومسلمون يحتفون بالقديس مارى مرقص والقديسة دميانة والقديسة رفقة وأبنائها الخمسة وربما نجد أن أكثرية المحتفين من المسلمين وهذا أمر غير مستغرب في مصر خاصة أن المصريين جميعآ يحتفلون ويتبركون بمارى مرقص كونه رمزآ للإيمان فهو استشهد من أجل نشر التوحيد والقضاء على الوثنية والقديسة دميانة يرى فيها المصريون الوفاء متجسدآ لأنها قتلت رغم أنه كان من السهل عليها الفرار من القتل إلا أنها بشجاعة نادرة أبت أن تترك زميلاتها الأربعين وبنفس المنوال نجد القديسة رفقة وأبنائها الخمسة استشهدوا لتمسكهم بإيمانهم».
واستكمل: «على الجانب الأخر نجد الأقباط يحتفلون ويبتهجون في مولد الإمام الحسين والدسوقى والبدوى رضى الله عنهم، وسألت أحدهم فأجاب بأن الحسين رمزآ للثورة والتضحية من أجل الأمة والوطن وهو رمز للثوار والدسوقى كان رمزآ للزهد والوقوف ضد ظلم الحاكم أما البدوى فقد كان رمزًا للنضال ضد جيوش المستعمر لم يستكين في خلوته بل خرج مناضلًا محاربًا».
وأوضح: «هنا تتجلى عظمة وأصالة وعبقرية الشخصية المصرية التى خلقت تلك اللحمة بين عنصرى الأمة التى حار فيها الجميع حتى أن اللورد كرومر قال: لا أعرف ديانة المصرى إلا عند دخوله الكنيسة أو المسجد ويعود هذا لأصالة الشخصية المصرية التى تحتفل بقيمة أصلها قديس أو ولى كما ذكرت فالقديس مرقص رمز للإيمان والقديسة دميانة للوفاء والقديسة رفقة للثبات على المبدأ، والحسين رمز الثورة والدسوقى الزهد ودفع الظلم والبدوى للوطنية والكفاح».
وأكد أنه يوجد أمر أخر وحد المصريين وجعلهم لحمة واحدة هو تلك الحضارة الممتدة لألاف السنين والتى تشبعت بها الشخصية المصرية، أما الأهم فهو أن الإيمان يوحد المصريين رغم وجود عقيدتين فهو اختلاف لا خلاف لأنهم يختلفون في المنهج وليس المقصد فهم موحدون يؤمنون بإله واحد يبتغون الطريق لله الواحد ويختلفون إلى سبيلين كلاهما يلتقى مع الآخر في النهاية مما جعل من مصر حالة خاصة في إسلامها ومسيحيتها فالإسلام المصرى اقترن بالحالة المصرية والمسيحية كذلك فأصبح الإسلام الحقيقى والمسيحية الصحيحة فى مصر كلاهما يسير في خط مواز للآخر يتفقان فى النتائج ويختلافان في المناهج مما وحد المقصد مع وحدة العرق والتاريخ واللغة والفكر والعادات والتقاليد فأصبحت مصر تقريبآ عنصرآ واحدا لا عنصرين.