البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

يوسف طنوس يكشف أسباب غياب "السلطنة" عن الموسيقى العربية

مؤتمر الموسيقي العربية
مؤتمر الموسيقي العربية

أكد الدكتور يوسف طنوس أمين عام الجمعية العلمية العربية للكليات والمعاهد العليا للموسيقى التابعة لاتحاد الجامعات العربية، خلال كلمته التي ألقاها صباح اليوم في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الموسيقى العربية، بدار الأوبرا المصرية، أن التقسيم هو من صلب هوية الموسيقى العربية الأصيلة ومميّزاتها.

وأضاف طنوس: يُعتبر التقسيم، تأليفاً موسيقياً إرتجاليّاً على آلة موسيقية، دون تدوين أو أداء سابق، فيه من الإبتكار والإبداع ما يُغني الموسيقى العربية وما يتماشى مع كلّ مناسبة فيها، وفيه أيضاً ما يُطرب السامع، وما يُظهر براعة المؤدي في استنباط الجمل اللحنية وتواليها بتقنيات أدائية غنيّة ومتنوّعة.

وأكمل: التقسيم في الموسيقى العربية لا يقوم فقط على إتقان العزف على آلة ما، بل على الأداء المتقن الذي يزاوج بين تقنيات العزف والجوّ الموسيقيّ المطلوب من إحساس عميق ومن دفق عاطفيّ ومن تلاوين لحنيّة وزخرفات نغميّة وعزفيّة تشدّ المستمع وتأسره، وتُدخله في جوّ "الطرب"، ويُظهِر التقسيم قدرة المؤدّي على ابتكار الجمل الموسيقية ودمج معها ما خزّنته ذاكرته من جمل وتقنيات عزفيّة من عنديّاته أو من غيره، وكفاءة استخدامه للمقامات والإيقاعات وتقنيات الآلة وسبر إمكانياتها.

وتابع: للتقسيم يفترض الجمع بين الابتكار المباشر ومخزون الذاكرة، وبين الموهبة والخبرة، وبين التقنيّات العزفيّة العالية والإبداع الموسيقيّ. وكلّ ذلك ينتفي عندما يكون العازف مقلِّداً أو ناسخاً لتقسيمات غيره أو مردِّداً لتقسيماته الخاصّة ذاتها التي سبق وأدّاها، دون أيّ تطوير فيها.

وواصل: التقسيم مغيّب بشكل عام عن معظم الأغاني والموسيقى العربية المعاصرة. وذلك ناتج عن أسباب عدّة، منها: تغيير في الذوق الموسيقي العربي العام، تراجع الإبداع في التقاسيم أمام النسخ والحفظ اللذين ازدادا مع انتشار التسجيل الموسيقيّ، عدم التمسّك بمقوّمات ومميّزات الموسيقى العربيّة، تقليد أعمى للموسيقى الغربيّة، إلخ.

وشدد طنوس على أهمية التقسيم قائلا: يبقى التقسيم، والإرتجال عامّة، أحد أسس الموسيقى العربية. إنه يؤكد هويّتها الإبداعيّة المتنوّعة وقدرة العازفين على استنباط أساليب عزفيّة وموسيقيّة في ارتجال آنيّ يتنوّع ويتبدّل حسب قدرة كلّ عازف وفنّه وحسب الجوّ الموسيقيّ وما يتطلّبه. فالارتجال يجلب كلّاً من المؤدي والجمهور إلى النشوة والطرب، حيث يصل المؤدي إلى حالة "السلطنة" والجمهور إلى حالة "الطرب".

مضيفا: التقسيم يجعل من العازف المتمكّن والمبدع فنّاناً غبّ الطلب يفوق بتقاسيمه الألحان المكتوبة، لأن تاريخ الموسيقى العربيّة شهد ويشهد الآلاف من العازفين، ولكنّ قلّة منهم اشتهروا بتقاسيمهم وإبداعاتهم فيها وأصبحوا نماذج للعديد من العازفين الساعين إلى التقاسيم عن موهبة أو عن استنساخ، فوحده التقسيم الأصيل والمبدِع يبقى ويدوم، أمّا التقسيم المستنسخ والمنقول فهو يفضح صاحبه ويؤول معه إلى غياهب النسيان.

وأكمل طنوس: إنّ غياب التقاسيم عن الموسيقى العربيّة المعاصرة سيُفقدها إحدى أهمّ ميزاتها، ألا وهو الإبتكار الفوريّ الذي يعكس مدى قوّة موهبة العازف فنّاً وتأليفاً، وتقنيّاته الأدائيّة.

وقد حدد طنوس أسباب غياب التقاسيم عن الموسيقى العربية الحديثة، قائلا: ندر التقسيم في الموسيقى،  العربيّة المعاصرة منذ أواخر القرن العشرين لأسباب عديدة، منها:
- تغيّر الذوق العربيّ العام، أو تغييره لأسباب سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة تحت غطاء العولمة.
- تراجع الموسيقى التقليديّة من وصلة ومالوف وغيرهما أمام موجة الأغاني المرقِّصة المستورَدة التي لا تستوعب التقسيم ولا تُعير انتباهاً للقوالب التقليديّة للموسيقى العربيّة.
- توجّه الموسيقى العربية نحو الأغنية القصيرة والإيقاعية وهذا ما حرم الموسيقى العربية من وجود التقسيم فيها أو اختزل وجودها إلى جملة سريعة لا تفي بالغرض وليس فيها إبداع أو أصالة. 
- الخوف من تفوّق التقسيم على الغناء ولحنه وأدائه. مع سطوع نجم المغنّين والمغنّيات، بات العديد منهم يخشون من أن يسرق نجوميّتهم أو يظلّل عليها تقسيمٌ مبدِع يُلهب شعور المستمعين وحماسهم ويُنسيهم اللحن ومؤدّيه.
- تغييب العازفين أمام تعظيم المغنّين والمغنّيات الّذين لا يريدون نجوماً على المسرح غيرهم.
- عدم إهتمام العازفين بالإبداع في تقاسيمهم -هذا إذا وُجدت- وعدم إلمام العديد منهم بأصول التقاسيم والمقامات وشخصيّة كلّ منها وسير عملها.
- تقييد الملحّنين للعازفين من خلال رسم التقاسيم لهم وتحديد ارتجالاتهم في مؤلّفاتهم وفي حفلاتهم (مثلاً محمد عبد الوهاب، الأخوان رحباني).
- هبوط مستوى الإنصات والتذوّق الفنّي عند الجمهور، وتفضيله الرقص على السّماع، ممّا دفع أكثريّة العازفين لصرف النظر عن التقاسيم والارتجالات.
- تفضيل الجمهور العزف الإستعراضيّ المبهر على العزف التقليديّ.
- عدم التركيز على تعليم التقاسيم والإرتجال في المؤسسات التعليميّة مع تناقص دارسيّ آلات التخت الموسيقيّ.
- إهمال وسائل الإعلام لتقديم التقاسيم المنفردة في برامج خاصّة بمعزل عن الغناء أو عن عزف الأوركسترا، وغياب مباريات التقاسيم في معظم المهرجانات والفعاليات الموسيقية.