البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

لماذا انحسرت الصحافة الثقافية؟

انحسار المساحة المتاحة للأعمال الثقافية بشكل عام والابداعات الادبية بشكل خاص أصبح أمرا واضحا خلال العقد الأخير، وواكب ذلك انحسار أكبر في عدد الإصدارات الصحفية التقليدية بشكلها المكتوب كما شهدنا في الوقت نفسه غروب نجم عدد من المؤسسات الصحفية الكبيرة وصعود بطيئ لمؤسسات جديدة أخرى  تكافح لتظل في الساحة تقاتل من أجل البقاء في ظل أزمة وجود تواجه المهنة بشكل عام  .

أزمة الصحافة الثقافية إذن مزدوجة ،فهي تعاني أولا من انحسار لعدد الإصدارات الصحفية ،كما تعاني الآن انحسارا آخر في المساحة المتاحة لنشر الأعمال الادبية والثقافية بشكل عام في كل الإصدارات المتاحة حاليا، سواء كانت إصدارات خاصة أو حزبية أو مما تملكه الدولة.

الإصدارات الصحفية الأدبية المنوعة ربما كانت أقل تطورا عما قبل ،كما أنها خلت تقريبا من الأسماء الكبيرة التي كانت تقود العمل الصحفي في تلك الاصدارات والتي كانت في وقت قريب تضم نجوما لامعة في مجال الأدب والإبداع منهم رجاء النقاش وأحمد عبدالمعطي حجازي وثروت أباظة وجمال الغيطاني وفاروق جويدة وغيرهم.

وعلى الرغم من الإصدارات التي تصدرها وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة إلا أن الصحف السيارة هي الأكثر انتشارا، خاصة بعد أن استفادت تلك الصحف من التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات مثل الإنترنت، فأصبحت مواقعها الالكترونية نافذة سهلة ورخيصة ،يمكن للجميع الاطلاع عليها في مصر وخارج مصر، في حين ما زالت الإصدارات المتخصصة التي تصدرها وزارة الثقافة تفتقر إلى هذه الميزة التي تتيح للقارئ العربي في مصر وخارج مصر أن يطلع على محتواها بسهولة ويسر.

واكب انحسار الإصدارات الصحفية ،انحسار آخر في الصحافة التليفزيونية ،فرغم زيادة أعداد القنوات الخاصة بجانب أعداد القنوات التي يبثها التلفزيون الرسمي للدولة، فإننا وللمفارقة لم نشهد إضافة حقيقية في البرامج التلفزيونية الثقافية في القنوات الجديدة، سواء الخاصة أو الحكومية إلا فيما ندر من البرامج أهمها برنامج "في المساء مع قصواء" الذي تقدمه الاعلامية المجتهدة قصواء الخلالي على قناة سي بي سي.

وفي القنوات الحكومية يتم ابتذال المحتوى الأدبي من خلال قناة "النيل الثقافية" ،وهي القناة الرسمية  في التليفزيون المصري التي تبث برامج ثقافية متخصصة في كافة مجالات الإبداع والثقافة، في المحتوى الذي يتم تقديمه يسيئ للكيان الثقافي في مصر، لأن معظم من يتم استضافتهم عبرها من أنصاف الموهوبين ،وأنصاف المثقفين، وتصديرهم عبر القناة يسيء للحركة الثقافية المصرية ،خاصة أن القناة المذكورة تبث عبر الأقمار الصناعية لكافة أنحاء العالم.

وربما يكون هناك بعض العذر للقناة نظرا لرفض كبار المثقفين قبول الاستضافة فيها والظهور عليها ،وهو أمر شائع في كافة قنوات التليفزيون المصري ،خاصة في السنوات الأخيرة ويرجع ذلك إلى سوء الخدمات التي تقدم للضيوف، وتقدمه القنوات الخاصة ،خاصة أن هؤلاء الضيوف يعانون كثيرا من زحام المواصلات وبعضهم لا تتوفر لديه سيارة خاصة.

يتزامن هذا التراجع مع تراجع مستوى مقدمي البرامج الثقافية التي كانت تعج بالنجوم، ابرزهم الشاعر والمثقف الكبير فاروق شوشة، والشاعر المعروف جمال الشاعر.فضلا عن الصوت الإذاعي الموسوعي عمر بطيشة ،والسيدة نادية صالح والشاعر الكبير إبراهيم أبو سنة.وخلت الساحة تقريبا الا من قلة نادرة ما زالت تكافح مثل الاستاذ الشاعر السيد حسن في الاذاعة المصرية.

في المقابل أصبحت برامج الطبخ هي السلعة السائدة التي تستحوذ على كل القنوات، بل إن هناك قنوات تم تخصيصها للطبخ فقط، ولا توجد قناة خاصة – وهي القنوات الأكثر مشاهدة الآن وانتشارا - تهتم بتقديم البرامج الثقافية التي تهتم بالإبداع الأدبي بشكل خاص ،ولذلك أصبحنا نفتقر إلى نجوم في عالم الأدب يهتم القارئ بمتابعته كما كان في السابق.

كل هذه العوامل أدت إلى إثقال كاهل المثقف  والمبدع بالترويج لنفسه بنفسه ،من خلال أساليبه الخاصة ،في الوصول إلى القارئ من خلال الندوات المحدودة التي لا يحضرها غالبا إلا قلة محدودة من المهتمين والنخبة، أو من خلال بحثه عمن يكتب عنه مقالات نقدية أو خبر هنا أو هناك ليبرز عمله. وهي جميعا طرق لا يجيدها إلا أصحاب الحظوة من الاصدقاء ،أو من يسمون"الشلة" ،التي لا تخدم سوي أعضائها دون غيرهم ،مهما كانت قيمة العمل أو مستواه.

نحن بحاجة ماسة لاعادة النظر في كل ما سبق ،وإلا سيكون نجيب محفوظ هو أول وآخر الحاصلين على نوبل ،خاصة أن لدينا مواهب قادرة ،على أن تسير على الدرب في مجالات القصة والرواية والشعر والنقد ،لكنهم يعانون من التجاهل، أو لنقل قلة الأضواء على ما يقدمونه من إبداع.