البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

مصير الإرهاب رهينة اتفاق واشنطن - كابول

لم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن تفسيرًا منطقيًا لتركها مخازن قواعدها العسكرية السابقة في أفغانستان عامرة بالآلاف من قطع السلاح والمئات من الآليات والمعدات العسكرية المتطورة لتصبح غنيمة سهلة تستحوذ عليها عناصر حركة طالبان.

الغنائم العسكرية الثمينة التى حصلت عليها طالبان ومن بينها معدات لمنظومة دفاع جوى أمريكى متطورة تعيد إلى الأذهان مشاهد حمولات الأسلحة والمعدات العسكرية التى كانت تلقيها الطائرات الأمريكية في أحضان تنظيم داعش على الأراضى العراقية تحت ستار إلقاء حمولات مؤونة ومساعدات غذائية لآلاف المشردين الذين طردهم التنظيم الإرهابى من قراهم ومدنهم.

في الشرق الأوسط يدرك سكان بلدان المنطقة علاقة الولايات المتحدة بالتنظيمات الإسلاموية الإرهابية منذ استخدمتها في الحرب الأفغانية السوفيتية في ثمانينيات القرن الماضى وقد تعزز ذلك الإدراك بدعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة لما يسمى بالإسلام السياسى وقد تجلى ذلك بوضوح في دعم إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما لجماعة الإخوان الإرهابية في مصر قبل وأثناء أحداث يناير٢٠١١.

وفى العراق وسوريا أكدت كل الشواهد أن ما تسمى بقوات التحالف الدولى بزعامة واشنطن لم تكن تستهدف بضرباتها الجوية عناصر تنظيم داعش الإرهابى وربما قدمت له بعض المساعدات اللوجيستية التى مكنته في عضون أشهر قليلة من السيطرة على مساحة شاسعة من أراضى البلدين.

بعض المهووسين بشعارات المقاومة الإسلامية في عالمنا العربى إلى جانب بعض المحللين والمراقبين الأمريكيين اعتبروا انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هزيمة عسكرية نكراء منى بها الجيش الأمريكى توازى هزيمته في فيتنام؛ والسؤال هل من عاقل يصدق أن ما خلفته الولايات المتحدة من معدات وأسلحة متطورة جاء نتيجة الفوضى التى صاحبت عملية الإنسحاب؟! هل جرى الانسحاب تحت وطئة نيران عناصر حركة طالبان لدرجة أن ضباط وجنود الجيش الأمريكى تركوا دباباتهم وطائراتهم ومنظوماتهم الدفاعية وهرعوا إلى مطار كابول للهروب على متن الطائرات العسكرية الأمريكية؟!

غياب تفسير منطقى لذلك المشهد وصمت المجتمع الدولى ممثلًا في الاتحاد الأوروبى وقمة الدول الصناعية السبع الكبار الطارئة حول أفغانستان إزاء هذه المسألة يؤكد أن ما جرى كان عملية تسليح منظمة ومتفق عليها لعناصر حركة طالبان على حساب الجيش الأفغانى المنظم الذى صنعه الأمريكان وتركوه ضعيفًا وغالب معداته وآلياته العسكرية بحاجة إلى عمليات صيانة امتنعت عنها واشنطن رغم مطالبات الحكومة الأفغانية السابقة.

عملية التسليح غير المباشرة على ما يبدو أنها كانت ضمن بنود الاتفاق الذى توصلت إليه واشنطن مع حركة طالبان عبر سلسلة مفاوضات طويلة استضافتها الدوحة العاصمة القطرية.

وحتى الآن يكتنف الغموض هذا الاتفاق وأظن أن بنوده السرية ستتكشف خلال الأشهر القادمة بعد أن يستتب الأمر تمامًا لحركة طالبان في أفغانستان.

قمة السبع الكبار التى انعقدت بالأمس وتضم دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكندا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبى اعتبرت أن فتح طالبان ممرات آمنة إلى مطار كابول أمام الراغبين للهرب من أفغانستان شرطًا أساسيًا للتعامل مع الحركة وكأنها أرادت إعطاء انطباع بأنها وباقى الدول الأوروبية على استعداد لاستقبال كل مواطن أفغانى يخشى من حكم طالبان فيما الواقع يؤكد وبحسب تصريحات البنتاجون والبيت الأبيض أن إقدام طالبان على إغلاق الطريق المؤدى إلى المطار جاء بتنسيق مع المخابرات المركزية الأمريكية حيث لن يسمح للوصول إلى المطار سوى للمؤهلين للحصول على تأشيرة خاصة بحسب تعبير الرئيس الأمريكى جو بايدن ويقصد المواطنين الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأمريكى طوال السنوات الماضية غير أن اللافت في هذه القمة أن أعضاءها وبحسب بيان الرئاسة الفرنسية قد توافقوا على شرط آخر يثير لدينا نحن مواطنو بلدان الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص الكثير من السخرية؛ فقمة السبع اشترطت على طالبان قطع علاقتها مع كل التنظيمات الإسلاموية الإرهابية بل والمشاركة في الحرب على الإرهاب؛ وكأنهم يطلبون من حركة طالبان الإسلامية التى يصنفونها إرهابية بأن تشرع في شن عمليات عسكرية ضد حلفائها في تنظيم القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المنتشرة في أفغانستان.

لا أعتقد أن الدول السبع الكبار جادة في هذا الشرط لأن ذلك يعنى أن تكون طالبان جزءًا من التحالف الدولى للحرب على حلفاء الأمس؛ ومع ما قد يعنيه ذلك من اشتعال صراع يدخل أفغانستان في دوامة لا نهائية من الحروب على الأقل بالنسبة لحركة طالبان التى تسعى لمصالحة وطنية وإقامة نظام حكم مستقر، إلا أنه يعنى أيضًا إشعال فتنة داخل الحركة ذاتها وإحداث شقاق بين عناصرها الذين قد لا يوافق بعضهم أو أغلبهم على سيناريو من هذا النوع لأنهم سيقاتلون من يعتقدون أنهم رفقاؤهم في حمل راية الإسلام.

هذا الشرط الأخير للسبع الكبار يثير المزيد من الشكوك حول حقيقة الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وطالبان، وما إذا كان يأتى في إطار إستراتيجية أمريكية – أوروبية لإعادة رسم خارطة الإرهاب أو بالأحرى إعادة انتشار وتوزيع التنظيمات الإسلاموية الإرهابية بعد تجميعها في أفغانستان لتواصل دورها الوظيفى لخدمة الأجندة الأمريكية وإدارة صراعاتها مع روسيا والصين ومصالحها في الشرق الأوسط بحسب توقعات مراقبين ومحللين.

ما يمكن قوله في التحليل النهائى أن أمريكا لم تخرج مهزومة وإنما في إطار إستراتيجية جديدة ولو كانت هى والدول السبع الكبار والاتحاد الأوروبى جادين للضغط على حركة طالبان لاحترام حقوق الإنسان والحريات وحقوق المرأة فعليهم إفساح المجال أمام دول مثل مصر والسعودية والإمارات لإقامة حوار مع طالبان يبدأ سياسيًا ودبلوماسيًا وينتهى فكريًا على الأقل لنضمن جميعًا أن يحدث تغييرًا ملموسًا في أفكار وتوجهات الحركة يعمل على جنوحها للإسلام المعتدل المستنير وهو ما سيضمن حينها تخلي الحركة عن تحالفاتها السابقة مع التنظيمات الإرهابية والحيلولة دون تحول أفغانستان إلى مركز لتجمع التنظيمات الإرهابية على أن يدرك الجميع أن عملية من هذه يلزمها الكثير من الوقت والصبر والعمل الدبلوماسى الشاق.