البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

بركان الغضب في تونس

الأزمة تتحدث عن نفسها في كافة أرجاء تونس؛ المحلات مغلقة والشواطئ خالية والوجوه حزينة ولا كلام إلا عن الغضب الذي يغلي كالبركان في دماء التوانسة بسبب تدهور الوضع الصحي ومسؤولية النهضة عن التدهور العام في البلاد. إنها تونس التي تنهشها الانقسامات السياسية وينال منها فيروس كورونا اللعين فتخاصمها خضرتها وسياحتها وبهجتها المعتادة في مواسم الصيف. 
مظاهر الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على حياة الناس غير خافية عن الأنظار والشارع التونسي أصبح لديه الوعي بورطته والمتسببين فيها وتتعالى الأصوات داخله بضرورة الاستجابة لدعوات أطلقتها قوى شبابية  للخروج للشارع والاحتجاج ضد جماعة النهضة التي باعت للشعب الوهم وروّجت الأكاذيب ويتعامل قادتها وفي مقدمتهم مرشد الجماعة راشد الغنوشي مع كمّ الأزمات التي يتعرض لها الناس بلا مبالاة على طريقة "شاهد مشافش حاجة"، برغم كون الفوضى التي تتخبط فيها تونس هي صناعة إخوانية وبتوابل حرّيفة خصوصي من صنع الغنوشي أملا في الحصول على توليفة غريبة تشبه طبق "اللبلابي" وهو أكلة شعبية تجمع مكونات كثيرة جدا مثل الحمص والبيض والخبز والطماطم والهريسة "الحراقة" والكمون والليمون وغيرها.
إنها فعلا صناعة الفوضى وتجاهلها في نفس الوقت وإلا كيف يمكن تفسير مطالبة أتباع النهضة للحكومة والضغط عليها من أجل التسريع في صرف التعويضات التي تقدّر بأكثر من مليار دولار عمّا يسمونها "حقبة الديكتاتورية"؟! هل هناك حماقة وعدم شعور بالمسؤولية أكثر من هذا على الرغم من أن العالم كله يعرف أن الدولة تشارف على الإفلاس وتعيش هذه الأيّام على وقع جمع المساعدات والتبرّعات من الدول الصديقة وفي مقدمتها مصر لمقاومة الجائحة المستفحلة التي سجلت معدلات انتشار في بعض مناطق الجنوب لم تشهدها الهند. 
وقد أجّجت مطالبات صرف تعويضات للإخوان الانتقادات والغضب ضد النهضة وتسارعت وتيرة الدعوات للناس من أجل النزول إلى الشوارع لإنقاذ وطنهم وحياتهم من التدمير الشامل الذي لحق بهم ولم يبق على أخضر أو يابس، بل وتدعو هذه الحملات التونسيّين إلى إعلان الثورة الثانية في ذكرى عيد الجمهورية الذي يوافق الخامس والعشرين من يوليو الجاري، وهي أيضا توافق ذكرى اغتيال النائب محمد البراهمي عام 2013 وهو من القيادات الشعبية ذو التوجه القومي العروبي. وترفع هذه الحملات الإعلامية شعار "المستشفيات أولى بالتعويضات"، في إشارة إلى أنّ التعويضات التي تطالب بها النهضة الأجدى والأولى أن يتم تخصيصها لدعم المستشفيات التي تخوض حربًا شرسة ضدّ الوباء. 
وعند الاستماع إلى نقاشات القوى السياسية وأطروحاتهم وخاصة الشباب منهم يتجدد الأمل في بزوغ فجر مغاير لتونس وقريبا جدا.. الكثيرون لديهم ايمان وقناعة بأن جماعة الإخوان بمختلف أذرعتها العلنية والسريّة ومآمراتها للتمكين والسيطرة والإبتزاز ليست قدرا على الشعب المثقف الواعي الذي يريد الحياة ويستحقّ الأفضل. وينتظر الناس من بعض الحكماء في الأحزاب والاتحاد التونسي للشغل وكافة مكونات المجتمع المدني بلورة خطة إنقاذ يجتمع عليها هؤلاء الرموز ويُعلون المصلحة الوطنية ويرفعون خريطة طريق إلى رئيس الجمهورية لوضع حد لهذا التدهور في الأحوال الاقتصادية والمعيشية والصحية وإيقاف العبث الذي تمارسه هذه الجماعة خاصة في ضوء تعطل جلسات البرلمان بسبب استمرار العنف الدائر داخله، وكان آخر تلك الأحداث الاعتداء بالعنف على النائبة عبير موسي مرتين في يوم واحد دون التحقيق مع النائبين المعتديين في لجنة القيم أو إحالتهما للقضاء! 
ويبدو أن الغنوشي يتهرب من المعركة المحتمدة بعد أن حمى وطيسها حيث أعلن مساعده في مجلس نواب الشعب من خلال تدوينة أن الغنوشي في المستشفى. ونشرت عدة وسائل إعلامية أنه أصيب بكورونا رغم كونه أخذ اللقاح. 
وفي نفس السياق، يطالب بعض السياسيين والنخب الفكرية والثقافية أيضا الرئيس قيس سعيّد بتفعيل الفصل 80 من الدستور الذي يتيح له حل البرلمان، وربما الذهاب إلى انتخابات مُبكرّة، حيث ينصّ هذا الفصل حرفيّا على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها يتعذر السير العادي لدواليب الدولة أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن عن التدابير في بيان للشعب".
سيستفيق التونسيون قريبا من الهزيمة التي فُرضت عليهم...حتى لو بدا للبعض أن تونس مستكينة تحت وطأة أزمتها ويردد البعض أن "الشعب عيّاش" بمعنى لا يحب المعارك ويكفيه العناء الذي يقاسيه في سبيل تأمين لقمة العيش...ومهما كانت محاولات التأقلم وكبت الغضب فإن تونس وأبناءها دائما يدهشون العالم باستيقاظهم بعد غفلة وانتفاضهم بعد غفوة، فجينات أجدادهم هنبعل وعليسة جينات محاربة ستفور في دمائهم لتضيء عتمة الظلام.