البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ليه لأ 2.. مباراة فنية وإنسانية

حلم الأمومة يطارد أغلب الفتيات بمجرد إدراكهن، فهي فِطرة الله التى اختصهن بها، والتى جعلت الرسول يضرب بهن مثالًا عن رحمة الله تعالى، فيقول فى الحديث الشريف: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: والله. فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها"

 ورغم صعوبة وقسوة آلام الحمل والولادة، إلا أن أغلب النساء يسعين للإنجاب بشغف، ولا تمنعهن قسوة الآلام من إعادة التجربة، وإذا تعذر حملهن لأي سبب، يبذلن كل ما فى استطاعتهن كى يحققن ذلك الحلم، والذى قد يدفعهن أيضا للزواج من 

البداية، خشية من فوات سن الإنجاب!.. وفى تناول شيق وجديد لتلك القضية، عرض المسلسل الجديد"ليه لأ٢" على موقع "شاهد" الإلكترونى.

ويناقش قضية التبنى، التى لا تعد حلا فقط للأطفال الذين جاءوا للدنيا دون ذنب يقترفوه، ووجدوا أنفسهم دون سند أو مأوى، بل تكون حلا وعوضا للكثير من الأسر أو الأشخاص 

الذين حرموا نعمة الإنجاب.. فيحكى عن طبيبة عيون جميلة تعدت منتصف الثلاثينات من 

العمر، وتعيش بمفردها بعد وفاة والديها وسفر أخيها، لعدم استطاعتها قبول فكرة الزواج دون حب.. فتشغل وقتها بالعمل، وبزيارة الأرض التى يملكانها كى تعالج الفلاحين بالمجان..

ولطيبتها وحنانها المعروفين لأهل القرية تفاجأ ذات ليلة بمنتقبة تقذف لها فى سيارتها 

برضيعة، وتكتشف أنها ابنة أحد العاملين لديهم، والتى أنجبت من خطيبها قبل الزواج،وتخشى من تهديد والدها الذى يريد قتل الرضيعة.. تضطر الطبيبة لاصطحاب الطفلة لمنزلها وهى لا تعرف كيفية التعامل معها.. 

حتى تسلمها لواحدة من دور الرعاية التى اطمأن قلبها لها، ولكنها تحزن بشدة لارتباطها بها رغم قلة الوقت، وتكتشف حاجتها للأمومة، وتقرر كفالة الطفلة فى بيتها، إلا أنها أثناء ترددها على الدار يتكون بينها وبين أحد الأطفال علاقة حب تشعرها بأمومتها الحقيقية، فتقرر تبنيه بدلا من الرضيعة التى تتعهد برعايتها عن بعد.. تواجه عراقيل وانتقادات كثيرة من المحيطين بها، ومن شقيقها بعد عودته واستقراره مع أسرتها فى منزلها.. إلا أنها تتغلب على كل الظروف وتتمسك بالطفل يونس  الذى اعتبرته ابنها فعليا.. فى نفس الوقت نرى خطوطا درامية عديدة لشخصيات أخرى، 

كطليقة الرجل الذى أحبها بعد ذلك، والتى تفتقر للمشاعر الطبيعية للأم، وبمجرد ولادتها 

تمردت على أمومتها، وتركت ابنتها فى حضانة أبيها، والذى مارس مع ابنته دور الأب والأم معا..

ولأنانيتها  المفرطة حاولت لي ذراعه بحبه لابنته بعد شعورها بحبه لامرأة أخرى.. كذلك الشقيق وزوجته واللذان حاولا حث أبنائهما لعدم التعامل مع الطفل المكفول لاختلافه عنهم، وشاهدنا نظرات التعالى التى ينظر بها البعض لهؤلاء الأطفال، أو لفئات أخرى من المجتمع حرموا رغما عنهم مما أنعم الله به على كثيرين غيرهم.. المسلسل يمس المشاعر بعمق، ورغم إيقاعه البطئ إلى حد ما، إلا أنه لا يخل من الإمتاع فى كل لقطاته.. وهو فكرة وسيناريو وحوار دينا نجم، وبمشاركة آخرين فى الكتابة التى أشرف عليها مريم نعوم.. وبقيادة المخرجة المبدعة مريم أبو عوف التى أدارت العمل ككل باحتراف، وقدمت كل أبطال العمل والممثلين والكومبارس فى أفضل صورة..

وتألقت  الفنانة الجميلة منة شلبى وأدت دورها بمنتهى العذوبة والإحساس والنضج، كذلك الفنان الموهوب أحمد حاتم الذى برع فى دوره، والفنان مراد مكرم الذى ولد نجما منذ ظهوره الاول فى مجال التمثيل، وتزيد براعته ونضجه مع كل دور..أما المفاجأة فهو الطفل الرائع سليم مصطفى الذى أدى دور يونس بمنتهى البراعة والبراءة، وأبكانى فى مشاهد عديدة بأدائه السلس وتعبيراته دون كلمات.. وأبدع خالد الكمار فى موسيقاه التى أجادت التعبير عن تلك الحالة الإنسانية الفريدة، كما برع كل المشاركين فى ذلك العمل بكل عناصره الفنية..عمل فنى راق يحقق المتعة ويدفع المشاهد للتفكير والتغيير، ويرمى حجرا فى المياه الراكدة، ليجعلنا نتساءل عن مصائر هؤلاء الأطفال، ودور المجتمع ككل نحوهم، ليس فقط بالتبنى أو الكفالة، بل بالاحتضان والرعاية، بمنحهم جزء ولو ضئيل من الوقت، فهم بحاجة إلى رعاية نابعة من القلب.. صحيح المسلسل قدم نموذجا مثاليا لدور الأيتام، والذى نتمنى أن نراه فى كل دور الرعاية، رغم أن ما نقرأه ونسمعه من وقائع تدمى القلب، يؤكد أنه ليست كل دور الرعاية هكذا!.. ولكن ربما يشكل هذا النموذج قدوة لدور أخرى، أو يزيد حالة الوعى المجتمعى تجاه هؤلاء الأطفال، فيزيد الاهتمام بهم أو يذكرنا بمسئوليتنا نحوهم، ولن يعم هذا النموذج الناجح لدور الأيتام، إلا بزيادة الدور الرقابى، ليس من الدولة أو المجتمع المدنى فقط، بل منا جميعا، فليس هناك ضمانة أكثر من تواجد الناس دائما، سواء للتبرع بالمال أو بالوقت، وهو ما يضطر تلك الدور للاهتمام بالأطفال.. وجاءت نهاية المسلسل ناعمة وحانية، ولكنها تصفع المجتمع القاسى الذى لا يرحم البشر فى كل الأحوال، من خلال عرض المسرح المدرسي الذى قدمه يونس وأصدقاؤه، لقصة جحا وابنه والحمار، حيث انتقدهم الناس حين ركب جحا الحمار وترك ابنه، وحين استجابوا لرأى الناس انتقدوا الابن لتركه أبيه، وحين ركبوا معا انتقدوهم لأنهم لم يرحموا الحمار!! وهى الرسالة التى يجب أن نعيها جميعا، أن رضا الناس غاية لا تدرك، فلا ننشغل إلا بإرضاء الله وضمائرنا فقط.