البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

"سبع خواجات".. تاريخ الرأسمالية الأجنبية قبل يوليو 52

البوابة نيوز

يخوض الكاتب والروائي مصطفى عبيد مغامرة أشبه بالرحلات الاستكشافية خلال الجبال الوعرة في كتابه "سبع خواجات" الصادر مؤخرًا عام 2020 عن مركز إنسان للنشر والتوزيع، لاستجلاء سير رواد الصناعة الأجانب في مصر، حيث اختار سبع شخصيات مهضومة الحق في التعريف بها والإشادة بدورها رغم ما قدمته من خدمات جليلة.


يعتقد المؤلف أن إعادة قراءة مسيرة الرأسمالية الأجنبية في مصر قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 تكشف الكثير من الإنجازات الحضارية التي تحولت عن عمد إلى إخفاقات، كما تكشف المزيد من الحقائق المشوهة، وذلك بشرط القراءة الموضوعية، والبعد عن التعصب الوطني والرؤية التآمرية، فالنظرة العدائية للأجانب إبان الثورة أسهمت في جعل المعلومات شحيحة ومشوهة ومبتورة.
تتميز الشخصيات السبعة التي قدمها "عبيد" بأن سيرها شديدة الغموض والتعقيد، فهو لم يبحث عن الشخصيات الأجنبية المؤثرة المعروفة مثل البارون إمبان أو نوبار باشا أو جروبي، بل بحث عن شخصيات لا تقل أهمية أبدا، بينما يحيطها الجهل والتشويه، كما أن هذه الشخصيات تتنوع من حيث الجنسيات، فنحن أمام مستثمرين من: بلجيكا، إيطاليا، اليونان، سويسرا، أرمينيا، الشام؛ لتكون الفرصة مناسبة للحديث عن أوضاع هذه الجاليات في مصر، وعلاقتها بالسوق الصناعية والتجارية.


هنري نوس.. مؤسس اتحاد الصناعات المصرية
يأتي "نوس" أول الخواجات السبعة، فبمجرد أن تسري الحياة في تاريخ مؤسس جمعية الصناعات المصرية ورئيسها لمدة 16 عامًا، فهي بالضرورة سوف تنتقل إلى الجمعية نفسها التي تم طمس ذكرها بعد قرار الرئيس جمال عبدالناصر بإنشاء اتحاد الصناعات المصرية عام 1958.
أصدرت الجمعية مجلة "مصر الصناعية" عام 1925، التي أصبح أرشيفها مادة ثرية لقراءة خطب المؤسس الأول لاتحاد الصناعات، خاصة ما تم نشره عن أهمية الكهرباء، ومطلب إنشاء الطرق، والأحياء المزدحمة في القاهرة وأهم الفرص المتاحة للاستثمار فيها.
وتُعد شخصية "نوس" مدخلا لاستعراض الكثير من المعلومات عن الجالية البلجيكية التي ينتمي لها، وأبرز شخصياتها، وعن صناعة السكر مجال البراعة للمستثمر البلجيكي، كما يركز المؤلف على جانب الخدمات العامة الذي اهتم به "نوس" عندما أنشأ عيادة طبية شاملة في بولاق لتقديم خدمات العلاج الأولية، كما أسهم في جمع التبرعات لإنشاء جامعة القاهرة، ووصلت جهوده لدرجة أن يمنحه السلطان حسين كامل لقب "بك" مكافأة لمجهوداته في العمل العام، وهو ما جعله يطالب بلقب "البارون" من بلاده ليلحق بصديقه البارون إمبان.
تميز "نوس" بعلاقاته مع الساسة فكان على صلة كبيرة مع رئيس مجلس الوزراء إسماعيل صدقي باشا، فضلا عن خطبه المكتوبة بالعربية في المجلة لمواساة الشعب المصري في رحيل سعد باشا زغلول حيث وصفه بـ"مناط آمال الأمة ومعقد رجائها، سعد رسول الحرية وحامل لوائها".


صامويل سورناجا.. رائد صناعة البناء والخزف
يصل المستثمر الإيطالي صامويل سورناجا إلى مصر نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، ويبرع في مجال أدوات البناء والخزف، يلعب دور الرجل الثاني في جمعية الصناعات المصرية، وينقل المؤلف أن مصانع سورناجا تحولت بعد عام 1920 إلى أكبر وأهم قائد لسوق مواد البناء المصري، وأنها توسعت لتشمل طوب المنازل والديكورات والمواسير والحراريات..
وفي حديثه عن الجالية الإيطالية، يعتمد المؤلف ثلاثة أسباب جعلت الجالية الإيطالية تحل في المرتبة الثانية من حيث عددها بعد الجالية اليونانية، وهي: طبيعة الطليان التي تميل إلى الذكاء الاجتماعي والتواضع والتفوق في الأعمال الحرفية التي تمس الناس. تقارب الشعبين المصري والإيطالي في كثير من العادات نتيجة العلاقات التجارية بين مصر وعدد من المدن الإيطالية. معاناة إيطاليا نهاية القرن التاسع عشر من أزمات بطالة متلاحقة؛ ما دفع الكثير من الفنيين والحرفيين وبعض أصحاب الأعمال إلى الهجرة لبلدان البحر المتوسط.
ومثلما تعرض المؤلف للجالية الإيطالية، لم يهمل صفات الرجل ومهارته في العمل، واهتمامه مثلا بتدريب العمالة، أو الانخراط في المعارض التسويقية لدورها الهام في العملية الإنتاجية، أيضا يتطرق لديانة سورناجا، حيث عاش اليهود في مصر تاركين بصمات كبيرة في مجال الصناعات.


كوتيسكا.. ملك السبرتو
في الفصل الخاص باليوناني ثيوخارس كوتيسكا ملك صناعة السبرتو كما لقبته الجرائد آنذاك، يستهل "عبيد" حديثه بلمحة أدبية عن قصة الأديب الراحل سعيد الكفراوي، التي تحمل اسم "كوتيسكا" بمجموعة قصص "يا قلب مين يشتريك" حيث يذهب بطل القصة إلى المقهى بعد نزوله محطة المترو التي تحمل اسم الرجل، ليسأل الناس عن سبب تسمية المنطقة باسم كوتيسكا، ولا يجد جوابًا شافيًا. من هنا ينطلق "عبيد" ليسرد معلوماته الوافية حول شخصية كوتيسكا، وكأنه أحد زبائن مقهى الأديب الكفراوي محاولا تقديم إجابة شافية حول سؤال القصة.
يصفه المؤلف أنه أحد أفراد واحدة من العائلات العريقة التي استمرت في نشاطها حتى بعد وفاته، حيث لعب دورًا هامًا في صناعة من الصناعات المهمة التي عرفتها مصر وهي صناعة السبرتو.
يلفت "عبيد" إلى حجم الجالية اليونانية، فهي أكبر جالية أجنبية تواجدت في مصر في العصر الحديث، وقد زادت أعدادهم منذ حكم الوالي محمد على الذي رحب بهم، وأخذ منهم مستشارا له يسمى توسيتاس.
يرى المؤلف أن تشابه العادات بين الشعبين اليوناني والمصري، لعب دورًا كبيرا في التقارب بين الجنسيتين، إلى جانب عدة عوامل مهمة أبرزها أن اليونانيين دائما ما يستغلوا ذكائهم الاجتماعي وقدرتهم على التعايش مع الآخرين، أيضا تمتع الشعبين بصفات مشتركة مثل خفة الدم والسخرية من الهموم، وأهم هذه العوامل هو وقوع اليونان خارج نادي الدول الاستعمارية.
ينقل "عبيد" عن الدكتور فرغلي هريدي أن الجالية اليونانية لم تتأثر بالأحداث الجارية مثل الحرب العالمية الثانية التي أثرت في الجالية الإيطالية والألمانية، والعدوان الثلاثي الذي تأثرت به الجالية البريطانية والفرنسية.
يعتقد المؤلف أن عمل كوتيسكا في مجالات متعلقة بالاستيراد والتصدير وأنظمة الشحن والجمارك واختلاطه بالمسافرين جعله يسمع عن مصر وسحرها ومقومات النجاح فيها فضلا عن النمو السريع في ظل نظام حكم يبحث عن التحديث والتطوير..
وصل الإسكندرية في العام 1875 ومن المرجح أنه بدأ حياته بالعمل في تجارة السلع الأساسية وخاصة الغذائية، كون علاقات مع الأجانب جعله يحصل على تعاقد مع الجيش البريطاني لتوريد أطعمة ومنتجات غذائية ومشروبات كحولية، حيث نجح الرجل في تقديم أسعار تنافسية جعلته يحظى بالموافقة، التي فتحت له أبوابًا كثيرة منها كسب علاقات ونفوذ مع شخصيات مصرية وأجنبية بريطانية.
أدرك الرجل حاجة السوق المصرية للكحوليات التي تدخل في صناعة الخمور والعطور وغيرها، فقرر أن يخوض تجربته في هذا المجال، حيث بدأ في صناعة الكحول الأسهل والأقل جودة في مصنعه بمنطقة طرة، الذي أنشأه في عام 1892، واستمر في استيراد أنوع أخرى من الكحول لسد الطلب عليه، ثم استكمل عملية التطوير والتحديث في مصنعه بشكل هائل بعد ادخار أرباحه والحصول على قروض تمويلية.
استطاع بعد أقل من 15 عامًا أن يوفر كل احتياجات الكحول للمصانع المنتجة للويسكي والبراندي كما تم استخدامه في صناعة المطهرات والعقاقير الطبية والأدوية الأساسية في المستشفيات والمراكز الصحية..
ويشير المؤلف إلى الدور المجتمعي والخدمي الذي لعبة كوتيسكا في مجالات التعليم والصحة والخدمة العامة، فقد تبرع بشراء أول سيارة إسعاف لنقل المصابين في الحوادث عام 1916، إلى جانب إنشاء مستشفى ضخم في الإسكندرية، حيث عرف باسم المستشفى اليوناني والذي روعي في تصميمه نموذج العمارة الأوربي.


لينوس جاش.. مطور صناعة الغزل والنسيج
عشق رجل الصناعة السويسري لينوس جاش مصر، وعبر ما يقرب من خمسين عامًا قضاها فيها اكتسب الكثير من سمات الشخصية المصرية، عاصر سبعة حكام مختلفين، وجمع بين العهد الملكي والعهد الجمهوري، ثم مات ودفن في مقابر الجالية السويسرية.
أسس "جاش" عدة شركات في مجال الغزل والنسيج، ووضع أنظمة متطورة وجديدة للعمل، وأفكارًا حول مواجهة الأزمات والتعامل مع متغيرات الطلب في الأسواق.
تأسست شركة الغزل الأهلية بالإسكندرية عام 1912، وشارك جاش ضمن الفريق الأوربي المؤسس للشركة، ثم أصبح مديرا لها بعد هجرة مديرها الألماني، وتضاعف الطلب عليه بعد توقف المصانع الأوربية لظروف الحرب، ليستغل جاش الموقف فيوسع نشاطه بشكل كبير.
ما يفسر المكانة الكبيرة التي وصلت لها الشركة، هو ما ينقله المؤلف عن دراسة لأنشطة الأجانب في مصر، والتي ترى أن شركتي السكر والغزل الأهلية وحدهما كانتا تستحوذان على أربعين في المائة من إجمالي الأموال المستثمرة في الصناعة المصرية عام 1939.


جوزيف ماتوسيان.. الدخاخني الأكبر
يوضح الكاتب أن اليونانيين والأرمنيين برعوا في صناعة السجائر، وفي الوقت الذي اختار فيه الأرمن أن تكون سيجارة الطبقة الأرستقراطية من صناعتها، فإن اليونانيين اختاروا صناعة عدد مختلف من الماركات الشعبية.
بدوره يقتحم ماتوسيان صناعة السجائر بوصفه رجل صناعة أرمني، ليس الأول كصانع وإنما هو مرحلة مهمة وحيوية في مراحل تطوير صناعة السجائر في مصر..
يتبع ماتوسيان سياسية تسويقية جديدة، حيث وضع كوبونات داخل علب السجائر لحضور عروض نجيب الريحاني وبديعة مصابني بتخفيض لأصحاب الكروت، كما قام برعاية الفرق المسرحية الناشئة
في عام 1927 اندمجت شركة ماتوسيان مع الشركة الشرقية لدخان التي أصدر الملك فؤاد قرار إنشائها عام 1920وكانت الشركة محط تغيير كبير، من استحداث نظم الإدارة وتجديد الماكينات وتدريب وتأهيل العمالة، ونشط في مجاله حتى لقبته الصحافة بملك السجائر.
بعد ثورة يوليو لم يرحل الرجل مثل كثيرين من الأرمن، لكنه ظل في صناعته، والتقى بالرئيس جمال عبدالناصر واستمع لنصيحته بالبدء في صناعة سيجارة مصرية بنفس مذاق الـ"كينت" وهو ما جعلهم يفكرون في تلبية طلبات الرئيس وصناعة سيجارة "كليوباترا".
يتوسع الكاتب في الحديث عن الأرمن وما تعرضوا له من مذابح على يد العثمانيين، كما يستعرض تاريخ صناعة الدخان بشكل عام في مصر قبل ماتوسيان وبعده، حيث يبدأ مع رحلة التبغ التي وصلت مصر منذ العصر المملوكي، ثم الوالي محمد على باشا تاجر الدخان الذي جلبه إلى مصر، ثم السماح للمزارعين بزراعته..
ويلقي الضوء على وظيفة غريبة اسمها "الخرمان" وهي وظيفة تميزت بها المصانع المصرية عن الأوربية، وهو الشخص الذي يدخن السجائر ولديه خبرة على تصنيفها حسب درجة جودتها، فهي تعتمد على سلامة التذوق.


إرنست ترامبلي.. صناعة الأسمنت
أما ترامبلي فهو سويسري أدار أول مصنع للإسمنت في مصر، لكن الباحث يشتكي في بداية الحديث عنه من صعوبة الحصول على أخباره، خاصة أنه لا توجد منتجات تحمل اسمه، ولم يرأس منظمات أعمال أو غرف تجارية، ولم تحمل أي شركات أو محلات اسمه..
ويعود "عبيد" لزيادة الحديث عن الجالية السويسرية التي بدأت تتدفق إلى مصر عقب كتابة علماء الحملة الفرنسية عن سحر تاريخها وآثارها، ما أسهم في زيادة العشرات منهم دارسين وباحثين بعدما عرف المجتمع السويسري مصر كأحد أهم بلدان الشرق القديم، وتميزت عن غيرها من الجاليات بالخبرة والدراية في الأعمال الفنية حيث كانت أفضل الجاليات تعليمًا.
أدار ترامبلي مصنع الإسمنت، وتوسع في الاستعانة بالعمالة المصرية، والتعاقد مع الحكومة لاستخراج الخامات من 65 فدانًا بمديرية الجيزة، وأنشأت الشركة مصنعًا للبلاط وآخر للأكياس الورقية في ضوء التطوير والتحديث..
حصل ترامبلي على نيشان الملك فؤاد في الصناعة والتجارة، وأشرف على غرفتي التجارة السويسرية بالقاهرة والإسكندرية، ولعب دورًا دبلوماسيا بين مصر وسويسرا لتسهيل إقامة علاقات مباشرة بين البلدين.
يصحح المؤلف أخطاء الباحثين السابقين الذين عدوا عددا من الشخصيات الأجنبية الفاعلة في السوق المصري كشخصيات يهودية لكنها في الحقيقة شخصيات أجنبية مسيحية كانت لديها علاقات كثيرة ومنفتحة على الكل.
الكونت دي زغيب.. صانع المربى الأول
يشيد "عبيد" بمصر بوصفها بلدا زراعيا، يمتلك مقومات صناعة المربى، لديه محاصيل زراعية كثيرة يمكن الاستفادة منها في مجال المربى إلى جانب احتضانها مصانع السكر واتساع سوقها..
يحل "دي زغيب" كصناعي كبير من أهل الشام، رأسمالي متنوع الأنشطة، وصاحب أول مصنع للمربى والشربات، حيث برزت أسماء كبيرة من الشوام في مجالات مختلفة من الصناعة إلى الحياة السياسية والثقافية والفنية، فقد احتلوا مكانة خاصة.
توقف المصنع بعد وفاة "دي زغيب" عام 1920 ولم تفلح محاولات استعادة نشاطه وبعثه من جديد فيما بعد، حتى تم بيعه في عام1925 ليتم تحويله إلى مصنع عطور.
ترك الرجل قصرا في الإسكندرية، فيذكره المؤلف وما تعرض له من مراحل إهمال، وأيضا قصره بالقاهرة الذي تم هدمه بالكامل عام1964 في الوقت الذي وضعت فيه دراسات لتحويله إلى فندق سياحي كبير.


سبع خواجات.. جهود مضنية
يعلق "عبيد" في نهاية كل شخصية بتسجيل عدد من الدروس المستفادة من حياة هذه الشخصية..
ويظهر الجانب الأدبي الكامن داخل المؤلف من حين لآخر، يلاحظه القارئ عندما يستند في معلوماته إلى أحداث روائية وهو ما فعله عند الحديث عن ماتوسيان ومحلات سجائره التي ظهرت في رواية "بين القصرين" ورواية "زقاق المدق" وكلاهما للأديب نجيب محفوظ، أو عندما يستهل الحديث عن شخصية ملك السبرتو ليشير إلى قصة الكفراوي في مجموعة "يا قلب مين يشتريك"، أيضا يذكر أن الشاعر اليوناني كفافيس تلقى علاجه في المستشفى اليوناني بالإسكندرية.
تصبح ثورة يوليو تحولا أساسيًا في تاريخ كل شخصية، وحول ما تعرضت له الصناعة الأجنبية في مصر بعدها يستعرض "عبيد" رأيين، حيث يذهب فرغلي هريدي أن ما حدث كانت تطورا طبيعيا للأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد، فهي أقرب لرد الفعل على التعنت الأجنبي في تمويل السد، وفي التحفظ على الممتلكات المصرية بالخارج، في حين رأى عبد السلام صبيح أن الانقلاب على الاستثمارات الأجنبية كان مُعدًا له منذ البداية.
خلال مغامرته البحثية في تاريخ الشخصيات لا يغفل "عبيد" عددا من الشخصيات الأجنبية اللامعة والتي نجت من هول التهميش، فنجده يذكر تجربة اليوناني نسطور جناكليس الذى استثمر في مجال النبيذ والسجائر وحقق نجاحات جعلته يغزو السوق الأمريكي بالمنتج المصري، والسويسري جاكومو جروبي صاحب أول وأكبر مشروع لمحلات الحلويات المتخصصة في مصر، الذي رحل في عام 1947 بعد أن ترك ثروة هائلة، ومن الشوام نجد عيسى أفتيموس في مجال التجارة، وألفريد شماس في مجال زراعة القطن، وحبيب سكاكيني في مجال المقاولات، والمغامر البلجيكي إدوارد إمبان "البارون إمبان"، له قصر شهير بمصر الجديدة، يعود له الفضل في تطوير شبكة الترام العامة في القاهرة، بعد قيامه بإنشاء خطوط السكك الحديدية في بلجيكا وفرنسا.
يدرك القارئ أثناء متابعة صفحات الكتاب حجم الجهد الشاق والتعب الذي بذله الباحث في الوصول إلى كل هذه المعلومات، فقد اعتمد على مجموعة من المؤلفات التي ركزت على بدايات الحركة الصناعية في مصر، والدراسات التي ناقشت تطور الصناعات، إلى جانب العودة إلى الأوراق الأولى للجمعية المصرية للصناعات، والغوص في أرشيف مجلة "مصر الصناعية"، كما اعتمد على السير الذاتية مثل سيرة إيثار زميرلي الفتاة السويسرية التي عاشت طفولتها في الإسكندرية وكتبت عنها كتاب "من كامب شيزار إلى حمام كليوباترا"، والذي استفاد منها عددا من المعلومات حول الجالية السويسرية، ومذكرات نجيب الريحاني التي أخذ منها طريقة تسويق ماتوسيان لصناعة السجائر بالتعاون مع الفرق المسرحية الشهيرة.