البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

السيسي يقف على خارطة شرق أوسط مختلف


لم يخفِ أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة تخطيطهم لرسم خارطة شرق أوسط جديد، فإذا بالرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي يعيد صياغة الخارطة ليقدم شرق أوسط مختلف عن ذلك الذى عرفه العالم قبل 60 عامًا.
سبع سنوات كاملة مضى خلالها مشروع الفوضى الخلاقة يستكمل مخططه الذى بدأ مع مطلع هذه الألفية؛ بعد أن كاد ينجزه بوصول تنظيم الإخوان الإرهابى إلى سدة الحكم في مصر لولا أن ثورة الثلاثين من يونيو أجبرته على استبدال مخططاته بسيناريوهات أوشكت على تطويق الدولة المصرية بحزام النار من مختلف الاتجاهات.
في سيناء شرقًا واجهت القوات المسلحة أشرس وأعتى التنظيمات الإسلامية الإرهابية المدعومة خارجيًا بكل أنواع الدعم المطلوب لهزيمة جيش بحجم الجيش المصرى وأخطر أشكال ذلك الدعم مخطط إحداث الفتنة بين المصريين من أبناء بادية سيناء وقواتهم المسلحة؛ والكل يعرف كيف نجح الجيش في مواجهة هذا الإرهاب وحصاره داخل مناطق معلومة.
أما في الغرب حيث ليبيا جارتنا الحبيبة الامتداد الجغرافى والسكانى الطبيعى، فكانت المواجهة السياسية على أشدها مع اللاعبين الدوليين والإقليميين الداعمين للإرهاب.
حرب المعلومات ودبلوماسية الخطوط المتقاطعة –إن جاز التعبير- كان اللاعب المصرى الفائز الأول فيها، وكل مفردات المشهد الليبى تؤكد أن الخط الأحمر المصرى الذى رسم في سرت والجفرة بقوة السلاح المصرى أعاد رسم خارطة مستقبل ليبيا المستقلة سياسيًا دون إطلاق رصاصة واحدة.
وبنفس البراعة السياسية كانت الخطوط الحمراء ترسم في منطقة شرق البحر المتوسط، فبعد أن كانت مرشحة لتكون أحد مناطق الصراع الساخنة والتى قد تشتعل فيها حربًا ضروس من أجل الغاز والثروات النفطية، نجح الذئب المصرى صانع السياسة واعتمادًا على أنياب قواته البحرية في إلزام الجميع الجلوس إلى مائدة التفاوض على أساس احترام قواعد القانون الدولى ومراعاة أخلاقيات التى تتطلبها مبادئ حسن الجوار.
لا يستطيع أحد عزيزى القارئ إدعاء معرفة أوراق الضغط التى باتت الدولة المصرية تملكها لتصبح اللاعب الأبرز في المنطقة لكن يكفى أن تدرك أن ما تحملته من أعباء اقتصادية طوال السنوات السبع الماضية نجنى جميعًا ثماره الآن بدولة قوية تتمتع باستقلال قرارها السياسى والاقتصادى تمامًا وأن كل من حولنا القوى قبل الضعيف قد أدرك أنه لا يستطيع تحقيق مصالحه بعيدًا عن إرادة ومصالح دولتنا.
في غزة تتجلى أمامنا نتائج أوراق الضغط المصرية، فبحسب المعلومات المتداولة، وضعت مصر شروطًا للتوصل لهدنة دائمة أولها وقف الاستيطان وتهجير الفلسطينيين، ووقف عمليات الاغتيال ضد قادة الفصائل الفلسطينية وفى القلب منها حركة حماس، وعندما حاولت إسرائيل ربط ملفى إعادة إعمار غزة وتخفيف الحصار عنها بملف الأسرى، سارعت مصر إلى دعم المطلب الفلسطينى بفصل الملفين (إعادة الإعمار والأسرى)، وشرعت في مفاوضات لإتمام صفقة لتبادل الأسرى وبالتوازى مع ذلك بادر الرئيس السيسى إلى التوجيه بسرعة إرسال معدات وأدوات إعادة الإعمار عبر بوابة رفح المصرية إلى داخل قطاع غزة.
الدور المصرى هذه المرة يأتى مختلفًا عن جميع المرات الفائتة ذلك أنه لن يقتصر على وقف إطلاق النار أو فرض هدنة طويلة الأمد؛ وإنما يمتد إلى إنهاء الانقسام الفلسطينى ووضع رؤية موحدة في التعامل مع الاحتلال والبدء في جولة مفاوضات جديدة بأوراق ضغط مختلفة ربما تفرض حل الدولتين باتفاقية يوقعها الجانبان.
التدخل المصرى هذه المرة جاء ليمنع تدخل أطراف إقليمية أخرى عملت طوال الوقت على إشعال الفتنة بين الفصائل الفلسطينية وإزكاء روح الصراع على السلطة بين فتح وحماس لتستخدم هذا الانقسام في إدارة صراعها أو مصالحها مع إسرائيل؛ والإلحاح الإيرانى بعد إعلان الهدنة الأخيرة لإظهار دعمها المادى والفنى والمالى للفصائل الفلسطينية يشى بأن طهران ربما كانت تخطط لاستخدام حركة حماس وبعض الفصائل بخوض حرب بالوكالة ضد إسرائيل على غرار استخدامها للحوثيين في اليمن في إدارة صراعها مع المملكة السعودية.
السيسي أكد غير مرة على ضرورة إنهاء الانقسام وانفراد مصر بالساحة الفلسطينية قد يمكنها من إنجاح المصالحة والتوصل إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية لا سيما وأن ضغوط الداخل الفلسطينى باتت تتصاعد وعلى الجميع تقديم التنازلات والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية من أجل إنجاز بعض مطالب المقاومة كمرحلة أولى والتوصل إلى اتفاق عادل يقوم على أساس حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
إلى الجنوب نجحت الدولة المصرية في تطويق سد الخراب الأثيوبى شرقًا وغربًا من جيبوتى إلى كينيا ومن أوغندا إلى بوروندى وصولًا إلى حماة النيل حيث تحلق النسور المصرية والسودانية تعلن قدرتها على الدفاع عن مجرى النهر الخالد، وبنفس البراعة جرى تطويق أديس أبابا دوليًا في غالبية العواصم الغربية والعربية والأفريقية وسحب بعضها مبادرات لم تكن مناسبة في سياق التعامل مع أزمة سد الخراب وظنى أن حالة عدم الاستقرار التى قد تعم المنطقة بحسب وصف الرئيس السيسي لها ربما تكون احتمالات اتساع نطاقها قد باتت في أضيق الحدود بمعنى أنها لن تخرج عن نطاق منطقة السد وهى في كل الأحوال تبقى رهينة بإرادة رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد ما إذا كان سيذهب إلى التوقيع على اتفاق قانونى شامل وملزم قبل الملء الثانى؟! أم أنه سيمضى لبناء 100 سد على جميع الأنهار الإثيوبية خلال العام المالى المقبل ضاربًا عرض الحائط بكل المواثيق والقوانين الدولية.
مجمل القول أن ما جرى في ليبيا وشرق المتوسط ويجرى في غزة وفى محيط سد الخراب الأثيوبى وعموم منطقتنا يؤكد أن السيسي يقف الآن على خارطة شرق أوسط مختلف صاغتها دولة الثلاثين من يونيو وهى قادرة على فرضها وحمايتها بما تملكه من عناصر القوة الشاملة والتى تبدأ باقتصاد قوى وجيش عظيم وتنتهى بشبكة التحالفات وجسور المصالح المعقدة مع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة.