البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

يوما ما كنت في موسكو


يوما ما كنت في الميدان الأحمر بموسكو. كتبت كثيرا عن تلك الرحلة التى حصلت فيها على الدكتوراة لكننى لم أنس تلك المرأة التى قابلتها في الميدان الأحمر في العاصمة موسكو، كانت عجوزا تبلغ السبعين وهى تقف توزع الورود على رواد الميدان وتحكى حكايتها مع حبيبيها في ذكرى عيد النصر على الفاشية النازية. ولا أجد اجمل من كلمات كتبها د. خليل اندراوس عن تلك الذكرى:
تحيى روسيا وكل أحرار العالم يوم ٩ مايو من كل عام ذكرى النصر على النازية. ويقام عرض عسكرى في الساحة الحمراء في موسكو. وهذا اليوم عيد وطنى تحتفل فيه روسيا وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتى السابق والقوى التقدمية واليسارية والأحزاب الشيوعية وحركات الصداقة مع روسيا في جميع أنحاء العالم باستسلام ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
وهذه السنة أعلنت وكالة «روس كوسمس» الفضائية الروسية أن البلاد أى روسيا بدأت بالتحضيرات لإطلاق صاروخ فضائى وزينته برموز النصر على النازية.

وكتب رئيس «روس كوسموس» ديمترى روغوزين: «إن صاروخ SOYUZ-٢.١a الروسى المزين برموز النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية والذى سينطلق إلى الفضاء قريبًا حاملا على متنه مركبة من نوع بروغريس إم إس ١٤ قد تم تثبيته على منصة الإطلاق في قاعدة بايكونور الفضائية».

وهنا نذكر بأن ألمانيا النازية أعلنت ووقعت استسلامها في مساء ٨ مايو عام ١٩٤٥ (٩ مايو بتوقيت موسكو). وقد سبق هذا الاستسلام استسلاما آخر وقعته القيادة الألمانية مع الحلفاء. أعلنت حكومة الاتحاد السوفيتى عن استسلام ألمانيا في ٩ مايو، بعد أن تم الاحتفال بهذا الاستسلام في برلين. وأصبح يوم ٩ مايو من كل عام يومًا يحتفل به الاتحاد السوفيتى، ومن بعده، روسيا بالانتصار على ألمانيا النازية.

وهنا لا بد من عرض لمحة تاريخية عن الحرب الوطنية العظمى التى خاضها الاتحاد السوفيتى ضد العدوان النازى الإمبريالى الألمانى.

بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية عام ١٩١٧ استطاعت الدولة السوفياتية أن تنجح بوتائر وخطط خمسية ناجحة مهام التصنيع الاشتراكى للاتحاد السوفيتى وتطوير الزراعة وإشاعة التعاونيات.

ومنذ الأيام الأولى لانتصار ثورة أكتوبر مارس الحزب الشيوعى عملا هائلا في تذليل التخلف الثقافى للبلاد ووضع نظاما جديدا مبدئيًا للتعليم العام قادر على أن يضمن في أقصر الأجال التعلم الشامل للسكان والنهوض السريع بالعلم والثقافة وتربية الجيل الناشئ بروح الاشتراكية. علمًا بأن الحزب الشيوعى السوفياتى انطلق من التوجيهات اللينينية بشأن خلق الثقافة الاشتراكية على أساس استيعاب التراث الروحى وجميع قيم الثقافة العالمية المكدسة طوال القرون ومعالجتها بأسلوب موضوعى انتقادى جدلى والدعاية لأفكار الشيوعية العلمية وتذليل ورفض الأيديولوجيات بكل أشكالها التى تخدم طبقة رأس المال. وكان من أهم منجزات الثورة الثقافية في تلك الفترة وأقصد عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى تكوين الوعى الاشتراكى للطبقة العاملة بملايينها العديدة.

وفى تلك الفترة من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى سعى الاتحاد السوفيتى بثبات إلى بلوغ تسوية سلمية مع الدول الرأسمالية عن طريق عقد معاهدات التجارة وعدم الاعتداء، وطرح مرارًا وذاد عن اقتراحات بشأن تقليص التسلح ونزع السلاح وهذا ما استمر الاتحاد السوفيتى بطرحه بعد الحرب العالمية الثانية، وروسيا الآن، والذى قوبل من النازية بالرفض وقوبل من قبل مكملى طريق هتلر الإمبريالية العالمية وطبقة رأس المال العالمى، وشركات صناعة السلاح العابرة للقارات الآن، بيد أن نهج الدول الإمبريالية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، وهذا ما يجرى الآن، الرامى إلى التغاضى عن حروب العدوان والاحتلال والحروب السياسية والاقتصادية أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

لقد كانت الحرب الوطنية العظمى التى خاضها الاتحاد السوفييتى الدولة والشعب أكبر الاشتباكات العسكرية على مدى التاريخ، والتى اتسمت بغدر العدو النازى وقساوته وهمجيته ولا إنسانيته تجاه الشعب السوفيتى. وهنا أذكر ما أورده الكاتب الصحفى البولندى أندرو ناغورسكى في كتابه المعركة الكبرى الصادر عام ٢٠٠٧ أن الزعيم الألمانى أدولف هتلر قد أفصح عن نيته في توجيه ضربة حاسمة للاتحاد السوفيتى خلال حواره مع مبعوث عصبة الأمم في ذلك الوقت السيد كارل ياكوب بوركهارت في ١١ آب عام ١٩٣٩، بقوله: «كل التدابير موجهة أساسا ضد الروس، وإن كان الغرب بهذا الحمق ليعجز عن إدراك ذلك، فسأضطر لمهادنة الروس حتى أقضى تمامًا على الغرب، وبعدها أوجه كل القوات ضد الاتحاد السوفيتى بدءا بأوكرانيا لتأمين الغذاء لأفراد الجيش، فلا يتضورون جوعًا كما حدث في الحرب الأخيرة».

وبالنظر لاقتراب الحرب من نهايتها التقى قادة الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة وإنجلترا في مؤتمر القرم (في مدينة يالطا) وهكذا في الثانى من مايو عام ١٩٤٥ استسلمت حامية برلين بعد مقاومة عنيفة. ورفعت راية النصر فوق الرايخستاغ، وفى ٨ مايو سنة ١٩٤٥ وقع ممثلو القيادة الألمانية في إحدى ضواحى برلين على وثيقة الاستسلام دون قيد أو شرط وهكذا انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الجيش الأحمر وانتصار شعوب الاتحاد السوفييتى وكانت الهزيمة الشنعاء والمذلة للنازية الهتلرية.

لقد عادت الحرب على الشعب السوفييتى بضحايا وتدميرات لا تُعد ولا تحصى. فقد استشهد أكثر من ٢٦ مليون مواطن سوفييتى ودمرت وأحرقت ١٧١٠ مدن وبلدات وأكثر من ٧٠ ألف قرية، وكان نحو ٢٥ مليون إنسان بلا مأوى. وقدرت الخسائر السوفييتية نتيجة الهجوم النازى بنحو ٦٧٩ مليار روبل. وكذلك كان عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في مدينة واحدة، في لينغراد، نتيجة بلغ ١،٢ مليون مواطن.

وفى المناطق المحررة بدأ بعث الاقتصاد الوطنى في أصعب الظروف حيث كانت العمليات الحربية مستمرة في الجبهات. وعمر المواطنون السوفييت المدن والقرى من تحت الأنقاض والرماد. وخلال السنوات الثلاث الأولى للخطة الخمسية التى أعقبت الحرب تم أساسًا علاج الجراح التى خلفتها الحرب.

واليوم تسعى واشنطن من خلال برامج سياسية وإعلامية إلى تزييف التاريخ والهادفة إلى اعادة كتابة تاريخ الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.