البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الأسس الفنية لكتابة أو اختيار قصة للطفل في ثقافات عابرة

الدكتور محمود الضبع،
الدكتور محمود الضبع، رئيس دار الكتب والوثائق القومية الأسبق

يستعرض الدكتور محمود الضبع، رئيس دار الكتب والوثائق القومية الأسبق، في الحلقة الجديدة من برنامج "ثقافات عابرة"، الذي يبث عبر قناته الرسمية على موقع "يوتيوب"، أسس التنمية الفكرية والثقافية للأطفال حسب مراحل النمو الأربعة.
وتطرح الحلقة عدة أسئلة، منها كيف نعد الأطفال ونبنيهم فكريا وثقافيا تبعا لمراحلهم العمرية؟، ما الذي يتناسب مع الأطفال في كل مرحلة: من سن ٣-٥، ومن سن ٦-٩، ومن سن ٩-١٢، ومن سن ١٢-١٦؟، وما المصادر الثقافية والفكرية المناسبة لكل مرحلة؟.
تقسم الحلقة المراحل العمرية للأطفال إلى أربع مراحل وتحدد ما يناسب كل مرحلة منها:
المرحلة الأولى: مرحلة عالم محدود وخيال حاد
وفيها يتميز الطفل بعالم محدود من حيث معرفته ومخزونه عن المدركات والأشياء المحيطة به، إلا أنه على مستوى الخيال يمتلك خيالا حادا يسمح له بالتفكير في حلول لمشكلاته تتميز بعدم خضوعها التام للواقع، مثل تفكيره في ركوب العصا الطائرة، وفي تسخير الطيور والحيوانات لصالحه، ولصالح حل مشكلاته، فيخاطب الدمى والألعاب على أنها بشر، ويكافئها، ويعاقبها، ويتودد إليها، ويزجرها، ويسعى بعضهم إلى احتضان ألعابهم في أثناء النوم وهكذا.
و في هذه السن يتشكل معجمه اللغوي على نحو ما سيتقرر وسيكون عليه ذكاؤه اللغوي فيما بعد، ومن ثم يهتم الأطفال كثيرا بالمفردات والكلمات التي لها رنين موسيقي، وبالكلمات التي تشكل سجعا وجناسا،.... إلخ.
المرحلة الثانية: الاكتشاف والتعرف:
وفيها تبدأ شخصية الطفل في التكون، حيث يستطيع الانتقال من مكان إلى مكان آخر قريب بمفرده، كما يستطيع الاعتماد على نفسه في ارتداء ملابسه، وفي التعبير عن احتياجاته، إضافة للنمو الواضح في معجمه اللغوي، وبالتالي قدرته على استيعاب المعاني المجردة.
ويعد أهم ما يميز الأطفال على اختلاف أنواعهم في هذه المرحلة العمرية هو حب الاستطلاع الشديد والزائد عن حده، فهو لايريد أن يتلقى إجابات حول ما يسأل عنه، ولكنه يريد أن يمارس الحياة بنفسه، فيرغب في ركوب الحيوانات، وفي تشغيل الأجهزة المنزلية، وفي القيام بالأدوار بنفسه.
وتتميز هذه المرحلة بنمو الخيال على نحو مختلف عن المرحلة السابقة، حيث يزداد ولع الطفل/ الطفلة بالقصص الخيالية التي تخرج مضامينها من محيطه وعالمه، وينجذب إلى القصص الخرافية، وبخاصة القصص التي تنتقل بالخيال إلى آفاق بعيدة خارج حدود معارفهم دون أن تغفل الواقع.
وتؤكد الأبحاث والدراسات الخاصة بعلم نفس الطفولة أن الأطفال في هذه السن يبدءون في الشعور بالتميز تبعا للجنس، فالأولاد تصبح لهم اهتمامات، والبنات تصبح لهن اهتمامات، وهكذا.
المرحلة الثالثة: التمرد والتفرد:
وفيها يستقل الطفل والطفلة عن الاستعانة بالكبار في تحقيق حاجاته البسيطة، كما يتضخم الشعور بذاته وبنوعه، مما يجعله بشكل عام يميل إلى التمرد والتفرد، ويرغب في البطولة، ويتخذها حلما وملجأ وقدوة يسعى إليها.
ينفرد الصبي في هذه المرحلة العمرية بالميل إلى المغامرة والمخاطرة، ويسعى لتطبيق ذلك عمليا، بالمشاركة في الرحلات، والخروج مع الأصدقاء بعيدا عن الأهل، كما يميل إلى قراءة قصص المغامرات والحروب وقصص الرحالة والمستكشفين، ويبدأ في الولع بالقصص البوليسية، وما فيها من مغامرة وتحد وإشباع رغبات الشجاعة والعدالة والذكاء.
وتنفرد الصبية بملامح وسمات تدور جميعها حول واقع حياتها كأنثى، فتتفاعل مع القصص التي تكون المرأة فيها هي المحور، وهي المحركة للأحداث، كما تبدأ في هذه المرحلة عناية الفتاة بنفسها وملابسها وزينتها، مما يمنحها تفردا يختلف بها عن عالم الأولاد ورغباتهم في الخروج على المألوف.
ومع نهاية المرحلة تبدأ المراهقة وبخاصة لدى الفتيات، وفيها يتم الميل إلى الاهتمام بالقيم والتفاعل مع الأبطال الذين يحاربون الشر، والبطلات اللائي يضحين من أجل العدالة والحق والخير، والذين يساعدون المحتاجين، ويقفون بجانب الضعفاء، وغيرها من القصص التي تدور في هذا الإطار.
وعلى المستوى اللغوي فإن هذه المرحلة تتميز بتفجير القدرات الاستيعابية لدى الأطفال، فيمتلكون القدرة على الحفظ والتلخيص، واستعادة المعلومات، كما تنمو مفردات المعجم اللغوي لديهم، فيتواصلون مع الكنايات والدلالات والرموز العميقة.
وهنا تستهويهم قصص الشجاعة والمخاطرة والعنف والمغامرة وسير الرحالة والمكتشفين، هذا بالإضافة إلى القصص الهزلية والقراءات المبسطة وكتب المعلومات.
المرحلة الرابعة: البحث عن المثال:
وهي مرحلة الاستقرار العاطفي النسبي، وهي مرحلة دقيقة وحساسة، فتكون رغبة التظاهر بالرجولة والفتوة لدى الطفل في أوجها، كما تكون رغبة التظاهر بكمال الأنوثة لدى الطفلة في ذروتها.
وهنا يميل الطفل إلى القصص التي تمتزج فيها المغامرة بالعاطفة، وتقل فيها الواقعية وتزيد فيها المثالية، فالشخصيات الرومانتيكية ستكون جذابة على الدوام، وخاصة تلك التي تواجه الصعاب الكبيرة والعوائق المعقدة من أجل الوصول إلى حقيقة من الحقائق، أو الدفاع عن قضية، ويتشوقون إلى القصص البوليسية والجاسوسية وكذلك موضوعات الحب.
غير أن علماء النفس ينبهون إلى فترة متراجعة في نهاية هذه المرحلة تسمى فترة الكمون، يتراجع فيها الأطفال إلى الخلف، ويضطربون، ويشاكسون، وتبدو عليهم علامات القلق والحزن، كما يعودون إلى قراءة أشياء قديمة كانوا يقرأونها في فترات سابقة زمنيا، وإلى اللعب بأشياء تركوها من زمن، ثم في نهاية هذه المرحلة يتنكر الأطفال لكل ما يربطهم بمرحلة الطفولة، ويتمردون على كل شيء يشير إلى أنهم صغار، وكما يقال عنهم يتبعون فلسفة "خالف تعرف"، وهو ما يحتاج إلى مراعاة نوعيات القصص والأدب الذي يمكن تقديمه لهم، فيكون من المناسب تقديم قصص تعترف بقدراتهم وبذواتهم، وتهتم بعالم مشاعرهم واهتماماتهم.
وتختتم الحلقة باستعراضالأسس الفنية لكتابة أو اختيار قصة للطفل، أو فيلم أو أي مصدر أدبي بشرط أن يراعي التحديدات التالية:
- تحديد المرحلة العمرية، وهو ما سيترتب عليه اختيار المعجم اللغوي، وطبيعة الأفكار التي تتناسب والأبعاد النفسية لكل مرحلة.
- تحديد الأهداف، وهي بالضرورة أهداف تتعلق بالمعارف المطلوب تمكين الأطفال منها، وأهداف تتعلق بالمهارات المراد إكسابها، وأهداف تتعلق بالميول والاتجاهات والقيم المراد تكوينها أو التأكيد عليها. فاختيار أهداف لتكوين قيمة النظافة ستتحكم في كل مجريات القصة، خلافا عن - اختيار أهداف تتعلق بتعليم الأمانة، أو الصدق، أو تحمل المسئولية، أو المبادرة، أو التطوع، على الرغم من انتمائها جميعا لمجال أو فرع القيم، وكذلك الأمر بالنسبة للاتجاهات أو الميول أو المعارف أو المهارات، وغني عن التأكيد أن تحديد الهدف خطوة أولى للنجاح.
- تحديد الأفكار وما يرتبط بها من موضوع الحكاية عموما ومجالاته وحدوده، ولكل مجال من مجالات الحكايات مداخله وأساليبه وطرق السير فيه، فحكاية قصة من الأساطير القديمة، تختلف عن أساليب حكاية قصة من الحياة اليومية، وهكذا.