البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ليالى القاهرة|| صناعة النسيج في العصر الفاطمي «3»

البوابة نيوز

تتفرد مدينة القاهرة بسحر خاص، تجذب إليها القلوب قبل العيون، عجز المؤخرون والمستشرقون على وصفها، فكل من يأتى إليها يأبى الرحيل، وكأنها «النداهة» التى تشدو بصوتها العذب لتجذب إليها كل من تخطو قدمه عليها، فهى مزيج من العبقرية والجنون، أما لياليها فلها مذاق خاص، التجوال فى شوارعها حتى مطلع الفجر، فهى المدينة التى لا تنام. وعلى مدى شهر رمضان المبارك سنروى حكاية تلك المدينة الساحرة، أم المدن، «القاهرة» سنتحدث عن مساجدها، وكنائسها ومبانيها، وحكايات أشخاص عاشوا فيها، وغزاه وأحباب سنروى حكايتها منذ نشأتها.

فن آخر للفنان المصري الذي برع فيه، ولم يستطع فنان آخر أن يضاهيه في صناعته، وهو النسيج، فقد كان الخلفاء الفاطميون يعنون بصناعة النسيج بالغ العناية، حتى أن الفنان المصري قد برع في تلك الفترة عن براعته خلال العصر القبطي، إذ تأثر الفنان المصري بالأساليب الزخرفية الساسانية والبيزنطية، وأصبح متقدمًا بالغ التقدم خلال العصر الفاطمي.
ولعل أهم الأسباب لذلك هو الاهتمام البالغ للخفاء بالاحتفالات ومواكب الخليفة، والتي كانت تصنع المنسوجات للخليفة والأقمشة التي كان يأمر بها لكبار رجال الدولة وأفراد حاشيته، وطراز العمامة، فقد بلغ الطراز من الجودة والدقة درجة كبيرة، والتي تعود لكثرة أنواع الأقمشة الغالية والمشغولة بالحرير والتي كانت تنسج للخليفة نفسه، كما أن أفراد الرعية كانوا يحصلون على قطع من المنسوجات النفيسة، إذ كانت الجلاليب والأقمصة والعمائم والأحزمة كانت تصنع من الأقمشة الغالية، وتزينها أشرطة مشغولة بالحرير.
فكان الخلفاء يأمرون بصناعة منسوجات فاخرة لإهدائها إلى الأمراء والملوك الذين كانوا يخطبون ودهم، أو تربطهم بهم علاقات الصداقة وحسن الجوار، وقد كان الخلفاء الفاطميون يعلمون مدى إعجاب القياصرة وحكام أوروبا بالمنسوجات المصرية، فقد كانت أسماء الخلفاء تنسج في الأقمشة الثمينة بالذهب والفضة أو الخطوط المتعددة الألوان، وذلك لتمجيدهم.
شهدت صناعة النسيج ازدهارًا كبيرًا خلال العصر الفاطمي حيث انتشرت في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد كانت الأقمشة تحوى على زخارف غاية في الإبداع والدقة، ووصل الفنانون إلى مرحلة الإتقان في تلك الجماليات، كما أن الألوان أصبحت تزداد تدريجيا في نسيج متناسق، كما أن الكتابة تشبه طراز الخليفة والتي تطورت تدريجيا حتى أصبح فيها كثير من الرشاقة، وكبرت حجم الحروف.
وكان هناك أنواع عدة للمنسوجات خلال العصر الفاطمي ومنها الأول وهي عبارة عن زخارف أشرطة الكتابة، والتي توازيها أشرطة أخرى بها جامات سداسية أو بيضوية الشكل، كما أنها بها رسم حيوان أو طائر، والنوع الثاني وهو عظم الشغف وكان في القرن الـ٥ الهحري، وكانت له ألوان غير زاهية، ويسود فيه اللون الذهبي، وتزينه أشرطة وجامات متداخلة، ورسوم للحيوانات والطيور، وتعد تلك الأقمشة من أبدع ما أنتجته المصانع المصرية خلال الحكم الفاطمي، ويطلق عليها البعض بـ "العصر الذهبي" في تاريخ الدولة الفاطمية.

بلغت صناعة النسيج في تلك الفترة من دقة الصنع والرقة وجمال الذوق، والأشرطة والزخارف ذات الطراز الإسلامي، والنقوش والحروف المذهبة، والأشرطة متعددة الألوان، ورسوم للحيوانات والطيور بالغة الدقة في نسجها والتي تتميز بالفخامة وجودة الصناعة وتعدد الألوان والزخارف الهندسية والنباتية، والكتابة بالكوفية، والنسج على كافة أنواع المنسوجات سواء من الحرير أو الكتان.