أطفالنا والغناء وقنوات الأطفال
بحزن شديد ننظر إلى الأغاني التي نرددها اليوم ونبلع حسرة ونحن نستمع إليها ونرى الأطفال تحت وقع موسيقاها يرقصون سعداء. يتغنون بأغان لا تنتمي لبيئتنا ولا لثقافتنا. ولا تتناسب معهم فتشوه طفولتهم وبراءتهم ناهيك عن سيل الكاراتون الذي تعرضه القنوات الفضائية الخاصة بهم التي نتركهم نحن أمامها ليل نهار فهي تعمل على مدى الأربع وعشرين ساعة تنام القنوات العربية ولا تنام مثيلاتها الأجنبية بفعل فارق التوقيت نتركهم أمامها مشدوهين شبه مغيبين وصامتين بدعوى راحة رؤوسنا، وأعباء الحياة الزوجية المكدسة على رأس الأم وغياب أبسط قواعد التعامل تربويا وصحيا مع الأطفال وهي نومهم في الثامنة لا أقول السابعة كأطفال الغرب. حتى وإن سمعت الآن من يقول إن هناك قنوات عربية بالفعل. أنا معك ولكن أين خطتنا نحن في الحفاظ على هويتنا وخصوصيتنا المصرية والمقدم منها لا يرقى إلى المنافس الغربي في الغزارة والإبهار. هكذا تصبح الموسيقى الغربية واليابانية والهندية هي ما يشكل ذائقتهم ويصبح مثلهم الأعلى في الحياة شخصيات كرتونية على سبيل المثال (كابتن ماجد) (سبونج بوب سكوير بانتس) و(بن تن) و(عائلة جامبل) ناهيك عن سيل الأغاني الهابطة التي تلوث سمعهم وتتلف لغتهم وتهبط بها مثل هذا إلى جانب الغناء بلهجات غير مصرية في بعض القنوات وهم في مرحلة التكوين مما يؤثر بدرجة كبيرة على معجمهم اللغوي وطريقة نطقهم للكلمات.
أعرف أن هناك القليل من الأغنيات التي تقدم للطفل تمثل ضوءا وسط هذا الظلام الكاسح لكني أردت أن أدق جرسا للانتباه وأشدد على ضرورة وجود منافس مصري جذاب وساحر يوازي هذا السيل أو يقلل من خطورته. حتى لا نتساءل بغرابة كل يوم، ماذا جرى لأولادنا؟ ولماذا يتصرفون بهذه الغرابة؟ وكيف اتسعت الهوة إلى هذه الدرجة بيننا وبين أولادنا؟
إذا كان لنا أن نبني بلدا، فلا بد أن نربي طفلا يشبهها، يصبح رجلا يحميها. وهو الدور الذي لن نضطلع به كأفراد في هذا المجتمع. لأنه دور مؤسسات الدولة (وزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم) كل منها يدعم الآخر ويؤازره. وأركز بل وأستجديهم أن يوجهوا طاقاتهم إلى أطفال القرى في العطلات الصيفية، فعرض مسرحي واحد في قرية - في ساحة أو في إحدى المدارس - كم سيغير ويبهج ويبعد أشباح التشدد والجهل والتكفير. ربما نستطيع تحقيق بعض التوازن، في ظل ثقافة العولمة والسموات المفتوحة.
وربما نستطيع أن نحميهم من خواء الروح، والأفكار الهدامة فيكبرون أصحاء يشبهون مجتمعهم وينتمون إليه ويقفون أشجارا قوية ضد الريح الهمجية التي تعصف به منذ سنوات.