البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

الأب إسطفانوس: "المناولة المقدّسة باليد استعملته جميع الكنائس الرسولية حتى القرن التاسع الميلاديّ"

البوابة نيوز

قال الأب إسطفانوس دانيال الكاهن الكاثوليكي معقبا على ما تم مدوالته بين رواد السوشيال ميديا حول تغير طقس التناول إن الدنيا قامت رأسًا على عقب حين صدر قرار بشأن إعطاء المناولة المقدّسة باليد كتدبير مؤقت إلى حين انتهاء ظاهرة فيروس كورونا اندهشتُ اندهاشًا وتعجّبت من تصرّف البعض الذي اعترض والذي شرد بذهنه حتى رفض أن يتناوّل المنولة المقدّسة يا لا العجب من البعض الذي قال أليس هذا تدنيس للمقّدّسات والآخر قال هذه هي الأيام الأخيرة وأيضًا أليست هذه تجرّد من قدسية السرّ
وأضاف: فتشنا في بطون المصادر والمراجع بشأن ذلك أن كافة الكنائس اتبعت نظام المناولة المقدّسة في اليد خلال التسعة قرون الأولى.
وتابع: الحال أن مراسيم التناول المقدّس تُشكّل نقطة ترتكز أساسًا على حياة يسوع المسيح. إذ أن المسيح أوّل من ناول تلاميذه العشاء الرّبانيّ.
وقال: لذلك كان لا بد أن تصبح تلك المراسيم تقليدًا رسوليًّا. فتطوّر هذه المراسيم على مرّ العصور، ييسر الإجابة على الأسئلة التاليّة:
- إلى أي مدى يجوز تطوّر أو تغيير أو انقراض تقاليد ترجع إلى عهد الرسل؟ ومن له السلطة على إدخال أي تعديل على تلك التقاليد؟
هل أصبحنا غرباء ومغتربون عن واقع التاريخ الليتورجيّ أن هناك أُدخلت تغييرات على مراسيم سرّ التناوّل المقدّس، بدليل أن جميع الكنائس فرضت على المؤمنين الانقطاع عن المأكل والمشرف قبل التناول المقدّس بينما يسوع المسيح أسّس هذا السر أثناء العشاء السرّي. أليس هذا دليلًا على أن تغييرًا قد أُدخل بالفعل مما يدل على التغيير جائز.
وتابع: أخذت أبحث في وثائقي بشأن ذلك وجدتُ أن السينودس البطريركيّ المقدّس برئاسة الطيب الذكر الأنبا إسطفانوس الأوّل بطريرك الأقباط الكاثوليك وكاردينال الكنيسة الجامعة في جلساته المنعقدة في 2 من شهر أكتوبر لسنة 1966م، وفي 21 إلى 23 من شهر فبراير لسنة 1967م، في 20 من شهر نوفمبر لسنة 1968م أنّه اقترح على الآباء الرعاة: «أن المؤمن بدلًا من أن يفتح فاه ليتناول القربان من يد الكاهن، يقدّم كفّه مفتوحًا على شكل كأس، فيضع فيه الجسد المقدّس قائلًا: "جسد المسيح" ويُجيب المؤمن "آمين" ثم يأخذ القربان بيده الأخرى ويتناول بنفسه». ولكن هذا القرار لم يتمّ تفعيله.
نعود إلى موضوعنا أن المناولة المقدسّة تظهر لأوّل مرّة ويصف هذا الطقس القدّيس ترتليانوس (155- 230م): «جسد المسيح يعطي للمتناول في يده ويضعه هو في فيه». 
وأضاف: ثم يقدّم الدياكون كأس الدم الكريم للمتناول ليشرب منها مباشرة، وقد أوصى القدّيس كيرلّس الأورشليميّ (313- 386م) المتناولين بأن يتقدّموا ويدهم اليمنى ممدودة والأصابع ملتصقة ببعضها وكفّ اليد مجوّفًا قليلًا ومستندًا على اليد اليسرى. وعندما يضع الكاهن القربان في الكفّ يقول التناول: "آمين".
والبطريرك الإسكندريّ ديونوسيوس(190- 265م) سطّر للحبر الرّوماني سكتوس الثانيّ(257- 258م)، ليوضّح الأسباب التي من أجلها رفض إعادة العماد لأحد المسيحيّين الذي كان قد عمده الهراطقة فقال: «لم أتجاسر أن أعمدة ثانيّة إذ أنّه كان منذ زمن طويل يحضر معنا الصلاة وكسر الخبز ويقول: "آمين". بالاشترك مع المؤمنين، وكان يقترب من المائدة باسطًا يده لتناول الجسد المقدّس، متغذيًّا بجدس ودم المسيح».
وأشار بأن يوحنّا ذهبيّ الفم (349- 407م): قال «أتقدم لتناول الإفخارستيا بيد قذرة؟ لا أظن ذلك لا شكّ أنكّ تفضل ألّا تتناولها على أنّك باليد تلمس الجسد الكريم لثوان قليلة فقط، فكم بالحري امتناعك عن تناول الجسد المقدّس والدم الكريم الذين يبقيان فيك إلى الأبد إن كانت نفسك دلسة».
وقال ثيئودورس المبسوئستي المتنيح في السنة 428م: «المتناول يبسط يده اليمنى ساندًا إيّاها على يده اليسرى لتناول الإفخارستيا».
والقدّيس يوحنّا الدمشقيّ (676- 749م): «نتناول جسد المصلوب باسطين أيدينا على شكل صليب»؛ والقدّيس أمبروسيوس (340- 397م): «اليد هي التي تأتي بالطعام إلى الفم... وباليد أيضًا نتقدّم ونتناول السر السماوي».
والقدّيس قيصر هو أوّل من شاهد، في فرنسا، تغيرًا بسيطًا خاصًّا بالنساء، لهذا التقليد الجامعيّ، وقال: «على كل رجل يبتغي التناول أن يغسل يديه، وعلى كل امرأة تبتغي التناول أن تقدّم لفافة نظيفة تتناول فيها جسد المسيح. إنّه غير مباح للمرأة تتناوّل الإفخارستيا في يدها المكشوفة». 
وعلى أثر ذلك انعقد مجمع في القسطنطينية المجمع السابع المعروف باسم مجمع تريليو المنعقد في شهر أكتوبر لسنة 692م، في القانون 101: «كل من يتقدّم لتناول سر الشكر ليجعل يديه شكل صليب وليتناول نعمته»، وكانت العادة الشائعة قديمًا أن العوام يتناولون على مثال الكهنة بقبول الخبز المقدّس على أيديهم ولهذا رأى البعض بدافع التقوى أن يستعملوا الآنية الذهبيّة أو الفضيّة فنشأ عن ذلك سوء استعمال وأذى للنفوس مما دعا هذا المجمع إلى وضع القانون هذا.
بالإضافة إلى إن المسيحيّين الأوّليين: «وكانوا مُواظبينَ على تَعْليمِ الرُّسُلِ، والشَّرِكةِ، وكَسْرِ الخُبْزِ، والصَّلوات» (أع2: 42). بقي المؤمنون في الأجيال الأولى مثابرين على تلك العادة فيتقرّبون كل يوم إلى ينبوع الحياة إمّا في المجتمعات العامّة في الكنيسة كما أشار إليه صاحب الأعمال وبولس الرسول: «فعِنْدَما تَجْتمعونَ إِذنْ، في المكانِ الواحِدِ، لَيْسَ اجْتماعُكُم لأَكْلِ عَشاءِ الرَّبّ» (1كو11: 20) وكانت العادة الغالبة أن يتناول المؤمنون جسد الرب ودمّه تحت الشكلين في الكنائس إذا حضروا الذبيحة الإلهيّة أيام الآحاد والأعياد أمّا خارجًا عنها فكانت المناولة تحت شكل واحد هو الخبز وذلك أن المؤمنين في الأجيال الأولى كانوا يحفظون في بيوتهم جسد الرّب ليتناولوه بذلك الخبز السماويّ في مدة الأسبوع يشهد عادتهم كتبة القرون الأولى كيوستينوس (100- 165م) في دفاعه عن المسيحيّة وأمّا في بيوتهم حيث كانوا يحفظون جسد الرّب فيتناولونه كلّ يوم في عزلتهم كما أفادنا القدّيس ترتليانوس (155- 230م) في كتابه إلى زوجته؛ والقدّيس كبريانوس (200- 258م) في كتابه عن الساقطين؛ والقدّيس إيريناؤس (130- 202م) في رسائله.
وكذلك كان النسّاك يأتون إلى المدن ليحضروا مراسيم القدّاس الإلهي أيام الآحاد ثم يعودون إلى مناسكهم ومهم جسد الرب تحت شكل الخبز فقط فيتناولونه في العزلة. كما أشار القديس باسيليوس إلى ذلك في رسائله والمؤرخ روفينوس في تاريخ الرّهبان ويُشير أن تدوين هذا الكتاب أثناء السنة 394 والعام 395م. وللمؤرخ بلاديوس أسقف هيلينوبوليس في الأخبار الرهبانيّة، وقد حُرّر سنة 419م.
ومما شهد له المؤرخون الأقدمون أيضًا كأوسابيوس القيصري(264-340م)، في تاريخه الكنائسي الكتاب السادس الفصل 44 ويولينوس الكاتب في ترجمة القدّيس أمبروسيوس أنّها كانت عادة مألوفة في الكنائس أن يُحفظ في صوان خاصّ جسد الرب تحت شكل الخبز وحده ليُحمل للمرضى ومن ثمّ لم يكن المرضى يتناولون غير الخبز دون الخمر ما لم يتناولوا قريبًا من الكنيسة وحضور الذبيحة الإلهيّة.
بل وردت في التواريخ القديمة بعض النصوص المثبتة أنّهم كانوا يتناولون أيضًا في الكنيسة على شكل الخبز فقط من ذلك ما رواه للمؤرخ سوزمينوس، ويبدأ تأريخه منذ صعود يسوع المسيح إلى السماء حتى سنة 323م. في الكتاب الثامن الفصل الخامس عمّا جرى لإمرة هرطوقيّة في عهد القدّيس يوحنّا ذهبيّ الفم التي استبدلت بما أُعطي لها من الخبز المقدّس بخبز آخر قد استحضرته خادمتها فما كادت تدنيسه بشفتيها حتى صار حجرًا صلبًا ولما حدث لها هذا الأمر الإلهي صارت خائفة جدًا لئلا تحل عليها مصيبة أشدّ، وركضت إلى الأسقف واعترفت بنفسها وأرته الحجر الذي يحمل آثار أسنانها وكان يتكوّن من مادة غير معروفة ومميز بلون غريب. وطلبت المغفرة بدموع، واستمرّت في نفس الاعتقاد الديني مع زوجها فيما بعد. وإذا لم يُصدّق أيّ شخص هذه الرواية فليذهب ويفحص الحجر محل الحديث لأنّه مازال محفوظًا في خزانة كنيسة القسطنطينية.
وهذا شاهد أن المناولة المقدّسة باليد، وقد اتبع تقليد المناولة المقدّسة باليد حتى القرن التاسع الميلادي، فالسينودس المنعقد في السنة 878م في مدينة روان يوصى قائلًا: «لا تعطي الإفخارستيا للعلماني- رجل أم امرأة – في اليد وإنّما تعطى في الفم وهكذا أصبح التناول في اليد من حقّ الإكليروس فقط».
وقد عللت الكنيسة ذلك بالآتي:
- الحرص على ضمان احترام أوفر وعظمة لائقة بالسيد المسيح.
- تفادى ما قد يحدث عرضًا مثل سقوط فتات من الجسد المقدّس.
- الشعور العميق بالتواجد الفعليّ ليسوع المسيح في القربان الأقدس.
- المناولة في الفم تهيئ جوًّا أكثر ملائمة وهيبة لهذا السرّ لأن مناولة اليد تجنب منها مظاهر عدم الاحترام قد تغلبت على رغبة اشراك الشعب في سرّ الإفخارستيا. وكان يبدوا منع الشعوب من لمس القربان المقدّس هو مهابة لهذا السرّ العظيم.
- عمّ النظام التناول في الفم في كافة الكنائس فأصبح هو النظام الوحيد للتناول المقدّس.