البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

التطرف الإخواني يواصل زحفه نحو الإبداع.. كفّروا طه حسين واغتالوا فرج فودة وحرضوا على نجيب محفوظ.. آخر ضحاياهم أمينة عبد الله وإسلام نوار

البوابة نيوز

يأتي هجوم مجموعة من المتطرفين من جماعة الإخوان الإرهابية على الشاعرين أمينة عبدالله وإسلام نوار، بسبب القصائد التي ألقاها كلاهما خلال المشاركة في الدورة الأخيرة من مهرجان طنطا الدولي للشعر، امتدادًا لفكر الجماعة المتطرف، الذي يُحارب الفن والثقافة بكافة أشكالهما، مُتخذين من الدين والأخلاق ذريعة لأفكارهم المتطرفة.
وتأتي أمينة ونوار في نهاية قائمة كبيرة من المفكرين والتنويريين والأدباء الذين تعرضت لهم الجماعة الإرهابية بالسوء؛ كان أولهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ومنهم المفكر فرج فودة، والأديب العالمي نجيب محفوظ، وغيرهم.



طه حسين.. محاولة استقطاب تبعها هجوم
تعددت محاولات الإخوان في النيل من عميد الأدب العربي، بعدما رفض استمالتهم له، ولقاء مرشد الجماعة الأول، حيث لفّق حسن البنا حكاية وهمية مفادها أنه عام 1938 ناقش كتاب العميد الشهير "مستقبل الثقافة في مصر"، وأن طه حسين كان حاضرًا تلك المُناقشة من وراء ستار، وهي الحكاية التي جاءت في كتاب "الإخوان المسلمين.. أحداث صنعت التاريخ" لمحمود عبدالحليم، الذي نقل تلك الحكاية الوهمية على لسان البنا.
وذكر كتاب "ما بعد الأيام" للدكتور محمد حسن الزيات، وهو زوج ابنة طه حسين ووزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973، تفاصيل واقعة هاجم فيها طلاب الإخوان عميد الأدب العربي، وذلك في يوم 21 مارس 1939؛ حيث كان المدرج الكبير بكلية الآداب في الجامعة المصرية -جامعة القاهرة- يشهد إحدى المحاضرات، حيث اقتحم المدرج عدد من الشباب من خارج الجامعة يهتفون بسقوط الكلية وحياة الإسلام.
وجاء في الحكاية التي رواها الزيات قامت إدارة الكلية بالاستعانة ببوليس الجيزة، ولكن البوليس "اعتذر بحجة أنه ليس لديه قوة تستطيع حماية الكلية"، بينما تصاعد الهجوم، واقتحم المهاجمون المدرجات وقاعات البحث، وصعدوا سلم الكلية متجهين إلى غرفة الدكتور طه حسين، وهم يهتفون بـ"سقوط العميد الأعمي"، وحاولوا بالفعل اقتحام حجرته وهو فيها وحده، لكن أوقفهم بعض السعاة والموظفين، وعدد من الطلاب الذين خرجوا من محاضراتهم؛ في الوقت الذي ارتفع ضجيج المهاجمين وتعالت الهتافات، والتي كان بعضها قبيح شديد الإسفاف، ومهينًا للطلبة وجارحًا للطالبات؛ واستمر هذا حتى تمكن طلاب الآداب وموظفوها من طرد المهاجمين.
وجاء الهجوم بسبب اختيار قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب لطلابها قراءة مسرحية "جان دارك" للكاتب البريطاني الأشهر "برنارد شو"، وأيضًا كتاب "أحاديث خيالية" للكاتب والتر سافيدج لاندرو؛ وهو ما أثار غضب البعض الذين قدموا شكاوى إلى مدير الجامعة، بدعوى أن هذين الكتابين "مس بالعقيدة وإهانة للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام"؛ في الوقت الذي أثار الدكتور طه حسين الأمر في اجتماع مجلس الكلية يوم 13 مارس، حيث أكد لمدير الجامعة أنه لن يتردد في منع قراءة الكتابين إذا وجد فيهما تلك الإساءات، وطلب في الاجتماع من رئيس قسم اللغة الإنجليزية بالكلية قراءة التقرير الذي كلفه به حول الموضوع؛ والذي قال إن هذا اللغط أثير حول سبع محادثات في "كتاب "محادثات خيالية" ولا توجد فيها أي إشارات إلى الإسلام أو الرسول الكريم، أما مسرحية "جان دارك" فمن الكتب التي يطالعها طلاب قسم اللغة الإنجليزية منذ ست سنوات "أي قبل أن تنتخبوا سيادتكم عميدًا، وقد سبق أن ترجمت هذه المسرحية من لجنة التأليف والترجمة والنشر منذ سنوات وهي مازالت معروضة في المكتبات ولم يعترض عليها أحد"، وفق حديثه.
وأضاف عميد الأدب العربي خلال الاجتماع: "لقد طلبت إلى زميلين آخرين من خارج قسم اللغة الإنجليزية قراءة الكتابين، ورأيهما فيهما مطابق لرأي الأستاذ رئيس القسم الذي عرضه علينا الآن.. فهل ترون الموافقة على تقرير رئيس القسم وعلى رفعه إلى مدير الجامعة ليعلم نتيجة التحقيق؟" وهكذا وافق المجلس؛ بينما قام وزير المعارف الدكتور محمد حسين هيكل، بإبلاغ طه حسين بأن محمد محمود باشا رئيس الوزراء أمر بمنع الكتابين، فرد العميد:" إذن تبحثون عن عميد ينفذ أوامر رئيس الحكومة مهما تكن ودون سؤال، فإن طه حسين لا يُحسن ذلك"، وأرسل استقالته إلى مدير الجامعة موضحًا أسبابها.
وذكر كتاب "ذكرياتي" لمؤلفه محمد عبد الحميد أحمد -وهو من رواد جماعة الإخوان وكان طالبًا في قسم اللغة الإنجليزية وقت الحدث- أنه تقدم باسم طلاب الإخوان وقسم اللغة الإنجليزية باحتجاج إلى الدكتور طه حسين حول السماح بقراءة الكتابين "لم يكن معنا في الواقع إلا شباب الإخوان فقط من جميع الأقسام"، وتابع "نشرت الصحف المصرية وعلي رأسها المصري والأهرام أنباء هذه الثورة، وامتدت إلى المعاهد والجامعات، وقامت كلية أصول الدين بالأزهر بمظاهرة كبيرة تحتج على تدريس الروايتين، وكذلك بقية المعاهد الأزهرية، وبعض المدارس الثانوية، ومن بينها المدرسة الفاروقية بالزقازيق، تهتف بسقوط الاستعمار الفكري وتردد شعار:"نحن للإسلام قمنا / نبتغي رفع اللواء / فليعد للدين مجده / أو تروق فيه الدماء ".

فرج فودة.. المناظرة التي قادت للاغتيال
منذ إنتاجاته الفكرية الأولى، أثارت كتابات فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، وشنت جبهة علماء الأزهر والجماعات الإسلامية معا هجوما كبيرا عليه، وصلت إلى حد تكفيره والدفاع عن قاتله بأنه "لم يتورط في جريمة قتل، بل طبق حدود الله على المرتد"، حسب الشهادة التي أدلى بها الشيخ محمد الغزالى في المحكمة.
المناظرة التي شهدها معرض القاهرة للكتاب، وأنهت حياة فودة باسم الدفاع عن الإسلام، شهدت جدلًا محتدمًا، بلغ تبادل الاتهامات ذروته، ووفق الفيديو المُوثِق لهذه المناظرة، بدأت بكلمة للشيخ الغزالى ذكر فيها أهمية الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتبعه مأمون الهضيبى المتحدث باسم الإخوان الذى ركز على أهمية أن يكون الجدل والنقاش بين الدولة الإسلامية والدولة اللاإسلامية، مؤكدا أن "الإسلام دين ودولة وليس دينا فقط"؛ وخلال هذه الكلمات كانت الصيحات تتعالى والصرخات تشتد والحناجر تزأر؛ وتخيف كل من يعترض على أحاديث الغزالى والهضيبى.
من جانبه، كان فرج فودة آخر المتحدثين؛ أمسك الميكروفون وبدأ كلماته بالرد على ما دار من حديث، وجاء فيها "الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إليه دون أن يعدوا أنفسهم لذلك"، مشيرًا إلى ما قدمته بعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤيد للدولة الدينية، وما صدر عنها من أعمال عنف وسفك للدماء، مستشهدًا بتجارب لدول دينية مجاورة على رأسها إيران قائلًا: "إذا كانت هذه هى البدايات، فبئس الخواتيم"، ثم قال للجميع "الفضل للدولة المدنية أنها سمحت لكم أن تناظرونا هنا، ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم؛ لكن دولا دينية قطعت أعناق من يعارضونها".
وتابع فودة في كلمته: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهادًا وفقهًا، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسى وكيان اقتصادى واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلى يحدد أسلوب الحكم". لينهي كلمته بالدعوة إلى الله أن يهتدى الجميع بهدى الإسلام، وأن يضعوه في مكانه العزيز، بعيدا عن الاختلاف والمطامع.
ورغم ذلك الحديث المنطقي، إلا أن العقول الضالة التي كانت تتبع الإخوان رأت أن فودة يجب أن يُقتل؛ لذا، في 8 يونيو عام 1992، وقبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر كل من أشرف سعيد إبراهيم، وعبدالشافي أحمد رمضان، وهما من شباب الجماعة الإسلامية الخارجة من رحم الإخوان، على دراجة بخارية أمام مقر "الجمعية المصرية للتنوير" في شارع أسماء فهمي بمصر الجديدة، حيث مكتب فرج فودة؛ وفي الساعة السادسة والنصف مساءً، عند خروج فودة من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وأحد أصدقائه، وأثناء توجههم لركوب سيارة فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبدالشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي، فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أُصيب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلق القاتلان هاربين.

نجيب محفوظ.. الاغتيال بتحريض سيد قطب
روى الأديب فتحى هاشم، الصديق الحميم لأديب نوبل نجيب محفوظ، والذي كان ملازمًا له لحظة محاولة اغتياله على أيدي المتطرفين، في 14 أكتوبر عام 1995، تلك اللحظة التي كاد الأدب العربي يفقد فيها صاحب الإنجاز الأكبر. قال "كنت يوم الاعتداء عليه أنتظره بسيارتي أمام منزله في العجوزة في الصباح الباكر كعادتى اليومية تنفيذًا لاقتراحي بأن أصحبه متطوعًا كل يوم.. كعادته خرج الأديب الكبير من شقته بالدور الأرضي، وركب السيارة في المقعد الخلفي، وكان دائمًا يفتح زجاج السيارة حتى يرى مصر من خلال نظره لما يحيط بنا؛ وأنا متجه إلى السيارة للركوب سمعت صرخة عالية من محفوظ فنظرت إليه سريعًا، ورأيت شابًا يجري، فأسرعت إلى الأديب العالمي لأخرج سن السكين من رقبته وهو يصرخ، ولم يُعرف حينها من الذي اعتدى عليه، وأسرعت به إلى مستشفى الشرطة، وتم إسعافه وإجراء الإسعافات السريعة، ولولا عناية الله ولطفه لكانت هذه الحادثة أودت بحياته في الحال".
وأكمل هاشم روايته "علمنا بعد ذلك أن الشخص الذي اعتدى على نجيب محفوظ هو من دعاة الظلام وكان ينتظره عند باب منزله، وكان من المقرر حضور ثلاثة معه ومعهم عبوة ديناميت ناسفة كان مقررًا وضعها أسفل السيارة، وبمجرد أن تدور السيارة تنفجر العبوة وتنسف من في السيارة، لكن عناية الله جعلتنا نبدأ الحركة قبل موعدنا المعتاد، فوجد الجاني أن شركاءه لم يحضروا وأنه أصبح وحيدًا، فقرر إنهاء العملية وأخرج سكينًا من جيبه ونفّذ الاعتداء بنفسه دون انتظارهم، وتم القبض على الجناة بعد ذلك وقدموا إلى المحاكمة".
أشعل خيط القنبلة التي كادت تُطيح بمحفوظ شيوخ كانوا ينتمون إلى الأزهر -والذين عادة ما يوصفون تلقائيا بالاعتدال- عندما قرروا منع روايته "أولاد حارتنا"، وضغطوا من أجل وقف نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام في خمسينيات القرن الماضي، كان منهم القيادي الإخواني سيد قطب، الذي بدأ حياته أديبًا وناقدًا -وهو بلا شك أحد الآباء الروحيين للشاب الذي نفذ محاولة الاغتيال بتكليف من الجماعة الإسلامية- ومن تلك الشخصيات أيضا الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ محمد الغزالي والشيخ عمر عبد الرحمن، الذين أقاموا الدنيا ضد رواية محفوظ.
أما الشاب الذي نفّذ محاولة الاغتيال فقد كان جاهلًا، قيل له إن نجيب محفوظ مرتد ومن ثم يستحق القتل، لم يقرأ حرفًا واحدًا من أعماله كما أقر في التحقيقات التي أجرتها النيابة، ولكنه مع ذلك قام بتنفيذ ما طُلب منه، وكان تأثير شيوخ الجهل قويًا، حتى أنه لم يندم على ما فعل لا هو ولا شركاؤه في تنفيذ الجريمة التي جعلت محفوظ غير قادر على استخدام يده في الكتابة.
في كتابه "في حضرة نجيب محفوظ"، روى الكاتب محمد سلماوي حوارًا غير مباشر أداره بين أديب نوبل وقاتله الذي يُدعى محمد ناجي محمد مصطفى -وكان يعمل فني إصلاح أجهزة إلكترونية وحصل على شهادة متوسطة- حيث قال أنه "اتجه إلى الله"، حسب قوله، قبل حادثة الاغتيال بأربع سنوات "وقرأت كتبًا كثيرة خاصة بالجماعة الإسلامية إلى أن قابلوني"؛ واعترف الشاب لسلماوي بأنه لم يقرأ شيئا لمحفوظ وعقب قائلا "استغفر الله"، وشدد أنه لم يكن يحتاج إلى قراءة أعمال محفوظ، وأنه حاول اغتيال محفوظ لأنه "ينفذ أوامر أمير الجماعة، والتي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن"؛ وذكر سلماوي أنه أبلغ الشاب بأن محفوظ سامحه على جريمته فقال "هذا لا يعنيني ولا يغير من الأمر شيئًا، لقد هاجم نجيب محفوظ الإسلام في كتبه لذا أهدر دمه، وقد شرفتني الجماعة بأن عهدت إلى بتنفيذ الحكم فيه فأطعت الأمر".