البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

كازنتزاكيس وقراءة في علم «النفسنة والأسفنة»



وزميلي يعتذر لي عن «أسفنة» غير مقصودة بعدما اكتشف خطأه في حقي الذي رأى أنه واجب لم يجعله ينام طيلة الليل، حتى أنه تفنن في إعداد «إسفين» بحبكة درامية تبدو للمستمع والمشاهد أنها تنم عن صدق لا عن نفسنة.
في الحقيقة قبلت عذره ولم أقف كثيرا عند ما فعله أو قاله فالتاريخ حافل بمثل تلك المواقف من الأسفنة والنفسنة، ولأنني أُدرك أن الله في النهاية يزن كل نفس وحدها، وإن كانت البداية من نفس واحدة.

كعادتي بدأت أبحث عن أول من فعلها في التاريخ وورثها لجنسه ولغير جنسه فوجدت مؤسس مبادرة الأسفنة والنفسنة هو إبليس والذي اشتق اسم مبادرته من «نفس» ذلك الضيف الذي حل على الروح والإيمان والتوحيد في جنة الخلد قبل أن يصنع الله ذلك القالب المسمى الجسد ليضعهم فيه كحافلة تقلهم من دار لدار.
واكتشفت أن صراعا دار في عالم الأرواح قبل الإعلان الرباني عن خلق البشر حيث كانت النفسنة على أشدها حينما كان إبليس يدور حول هيكل من الصلصال لم تنفخ فيه الروح بعد.. كانت نفسنة مكبوتة أفصح عنها الشيطان في اعتراضه ليحولها لأسفنة صارت نهجا له ولأتباعه من بعده حتى وصلت إلى شعار يرفعه الكثير من حولنا متسترين بوجوه مختلفة.
لم يقف الأمر لدى هبوط حافلة الجسد إلى الأرض تأثرا بأول أسفنة ونفسنة في التاريخ ولكنه امتد وترعرع في كل الوديان فتسبب في أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، ثم بدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم فحرق صوامع وهدم ممالك وأجرى بحورا من الدماء ولم يسلم أحد من تأثيره حتى الورعين في محاريبهم والرهبان في أديرتهم.
الأمر ليس سوداويا، فهناك دائما شعاع نور نلهث وراءه لننجو بأرواحنا، ربما كان هذا الشعاع هو اعتذار زميلي عن الأسفنة على طريقة الفيلسوف اليوناني نيكوس كازنتزاكيس: «يوجعني قتلك يا أخي، لكن اعذرني أحدنا يجب أن يموت .. وأفضل أن يكون أنت!.
ضحكت وربت على كتفه وأنا أهمهم: «يا رب سلح الخراف أيضاً حتى لا تأكلها الذئاب».
تمددت في فراشي وهذيت مع زوربا: «إن ما حدث كان ضروريا .. بل إنه للصالح العام .. وكان لا بد من حدوثه».
لكن يا زميلي أنت وكل رعاة النفسنة والأسفنة في كل مجال ومكان حُكاما ومحكومين.. ظالمين ومظلومين.. مذنبين وتائبين.. مُنتخٍبين ومٌنتخًبين.. شحاذين وشاحذين: إن في أجسادكم روحاً، يجب أن تشفقوا عليها، اعطوها شيئاً من حلم وأمل وصفح ومحبة لتأكله، فإذا لم تطعموها ستترككم في نصف الطريق».