البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

ليبيا.. معركة خاصة بالسيطرة على شرق المتوسط

البوابة نيوز

فرنسا تتهم تركيا بـ"المسئولية الجنائية" فى طرابلس.. ومشاعر الكراهية لأنقرة تنتشر بين النخب الفرنسية.
كيف أصبحت فرنسا وتركيا فى مواجهة ساخنة فى ليبيا؟ يشرح إميل حوكايم الدوافع المعقدة لهذين الحليفين فى حلف شمال الأطلسى والعديد من اللاعبين الآخرين الذين حرضوا بعضهم البعض فى هذه الحرب الأهلية المتصاعدة. بدت الحرب الأهلية فى ليبيا، لفترة، مشكلة يمكن السيطرة عليها مقارنة بالصراعات القوية فى سوريا واليمن. ولكن للأسف، لم يكن الأمر كذلك أبدا. لقد تحولت ليبيا إلى ساحة ساخنة لسياسات القوة المكثفة فى البحر الأبيض المتوسط.
وقد أصبح الصراع بالفعل إقليميا وتدويلا كاملا؛ يشمل دولتين عضويتين بشكل دائم فى مجلس الأمن، علاوة على دولة تمتلك العضوية الكاملة فى حلف الناتو.
بدأت المرحلة الأخيرة من الصراع فى ليبيا فى عام ٢٠١٤ حينما بدأت القوى العسكرية المحلية القتال من أجل السيطرة على السلطة السياسية والموارد النفطية. وتنافست الميليشيات الإسلامية، والقوى العسكرية المحتملين، والفصائل الجهادية، والقوات القبلية فى لعبة معقدة. لم يكن القتال مكثفًا ومستمرًا كما هو الحال فى سوريا، حيث لم تكن الفصائل المختلفة مجهزة بقوة كما أن توفير الأسلحة الأجنبية كان محدودا. بيد أن الانقسامات كانت عميقة وشرسة.
وقد تغيرت هذه الرؤية العام الماضى، حيث امتدت الحرب تقريبا لكل مدينة كبيرة داخل ليبيا، وقد أدى هذا الأمر إلى تأجيج الاتجار والهجرة والإرهاب. وقد تمثل تغير قواعد اللعبة فى صعود الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى الذى تم تنصيبه فى ٢٠١٤ قبل أن يتعهد بقتال التنظيمات الإرهابية وتوحيد ليبيا.
فقد استولى حفتر أولًا على بنغازى وشرق ليبيا، ثم شعر بالزخم والشعور بالثقة فى تحالفاته مع مصر والإمارات العربية المتحدة، ورفض التسوية السياسية،. وفى أبريل ٢٠١٩، أطلق النار على طرابلس، العاصمة التى تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطنى التى تدعمها الأمم المتحدة، فضلًا عن مجموعة من الميليشيات المحلية والإسلامية.
ومع ذلك، منذ أوائل عام ٢٠٢٠، تعرض المشير خليفة حفتر لعدة هزائم. دخلت تركيا المعركة دعمًا لحكومة الوفاق الوطنى، فأوفدت مئات المستشارين والأصول البحرية وأنظمة الأسلحة المتطورة (لا سيما الطائرات بدون طيار)، فضلًا عن المرتزقة الذين ينتظمون فى صفوف شركائها فى الميليشيات فى سوريا، الأمر الذى دفع القوات التابعة للمشير خليفة حفتر بالتراجع.
فالميليشيات المدعومة من تركيا تعد أكثر تأييدا لاستكمال القتال فى سرت والجفرة، وتعد أكثر التنظيمات معارضة لوقف إطلاق النار. ويرجع ذلك للزخم الذى اكتسبته قوات الوفاق بعد السيطرة على العاصمة طرابلس المدن المحيطة بها.
المناورة التركية
بفضل تدخلها السريع المثير للجدل، برزت تركيا كوسيط رئيسى فى ليبيا. وقد نجا شركاؤها المحليون من هجوم حفتر، قبل أن تبدأ قوات الوفاق فى التحرك شرقا من أجل السيطرة على أكبر عدد ممكن من الأراضى.
وقد نتج قرار التدخل على الساحل الجنوبى للبحر الأبيض المتوسط عن مجموعة معقدة من الاعتبارات بالنسبة إلى أنقرة. كان من شأن الخسارة فى ليبيا أن تعزز عزلة تركيا وتضمن أن طموحاتها للسيطرة على شرق المتوسط سوف ترتفع فى الدخان. ومن المثير للاهتمام أن هناك تأييدًا إجماعيًا فى تركيا للعبة القوة؛ فالإسلاميون والقوميون على حد سواء متفقون على أنه لا يمكن عزل تركيا فى المنطقة، وكان النجاح العسكرى فى ليبيا له صدى فى أنقرة.
إن التنافس بين تركيا (راعية المجرة الإخوانية، التى هى اليوم فى المؤخرة فى جميع أنحاء المنطقة) والمحور المناهض للإسلاميين المؤلف من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هو المحرك الرئيسى للتصعيد. ليبيا، الدولة الغنية بالنفط، هى آخر دولة عربية تتمتع فيها الجماعات التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين بسلطة كبيرة، مما يجبر القاهرة وأبو ظبى على التواجد بشكل كبير لإلحاق الهزيمة بهم. ويعد هذا الأمر دافعا مهما لأنقرة من التدخل بكل قوتها فى ليبيا للاستثمار فى تنظيم الإخوان.
بالنسبة لأردوغان، تعد تركيا محاصرة فى شرق المتوسط، نظرًا للتحالف الواسع الذى يجمع بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، فضلًا عن روسيا وخارج المنطقة والإمارات العربية المتحدة وفرنسا. ويمكن أن تمنع تركيا من الخروج من مشاريع التنقيب عن النفط والغاز فى شرق البحر الأبيض المتوسط ومشاريع خطوط الأنابيب. ولهذا السبب سعت أنقرة إلى إبرام اتفاقيات حدودية بحرية مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الوطنى قبل تدخلها. وقد قدمت تركيا مطالبات عدائية بشأن المناطق البحرية المحيطة بقبرص واليونان، وهى مصدر للاحتكاك داخل حلف شمال الأطلسى.
الغضب الفرنسى 
ومن بين العديد من المنتقدين لتركيا، لم يكن أى منهم حادًا مثل إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسى. اللغة القادمة من باريس قاسية ومباشرة. وقال ماكرون إن "تركيا تلعب لعبة خطيرة فى ليبيا اليوم... لن نتسامح مع الدور الذى تلعبه تركيا". وذهب إلى حد اتهام تركيا بـ "المسئولية الجنائية" فى ليبيا. كما انقض وزير الخارجية جان إيف لودريان على تركيا، طالبًا أن "يفتح الاتحاد الأوروبى بسرعة كبيرة مناقشة شاملة، دون محرمات وسذاجة، حول آفاق علاقته المستقبلية مع أنقرة".
إن جذور التهيج الفرنسى قديمة، وذلك بسبب انعدام الثقة الاستراتيجية والمشاعر القوية المعادية لجمهورية تركيا بين النخب الفرنسية. وفى الآونة الأخيرة، أضاف الفرنسيون إلى قائمة مظالمهم التدخل التركى ضد قوات سوريا الديمقراطية فى شمال شرق سوريا (الذى عطل المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهى أولوية قصوى لباريس منذ هجمات داعش القاتلة فى نوفمبر ٢٠١٥)، والخوف الحالى من أن تسمح تركيا للاجئين السوريين وغيرهم بالعبور إلى أراضى الاتحاد الأوروبى، وتوجيه تركيا للحركات الإسلامية فى جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، فإن فرنسا تتحرك بعناية فائقة، رغم أن سياستها الأخيرة قد شهدت فشلا ذريعا فى ليبيا بسبب التدخل التركى. وقد كانت باريس من أوائل الدول التى دعمت المشير خليفة حفتر على أمل أن يتمكن من تحقيق الاستقرار فى البلاد ومنع صراعها من تأجيج نيران الجهاديين فى منطقة الساحل، حيث تدخلت فرنسا عسكريًا منذ عام ٢٠١٣. وبذلك، منحت باريس حفتر الاحترام السياسى وقدمت له الدعم حينما واحدًا من العديد من المتنافسين.
لكن سرعان ما وجد حفتر رعاة أفضل؛ فقد قدمت الإمارات ومصر، ومؤخرًا روسيا، دعمًا ماديًا وماليًا أكثر مما قدمته فرنسا فى أى وقت مضى. وبذلك، أصبحت فرنسا لاعبا ثانويا، ولم يعد بمقدورها التأثير فى مخرجات الصراع العسكرى والسياسى فى ليبيا بقدر باقى الدول الرئيسية. 
وقد لعبت حادثة تحرش فرقاطة تركية بآخرى فرنسية ذعر باريس التى طالبت الناتو بالتحقيق فى الأمر، محاولة بذلك دفع أوروبا للوقوف بوجه تركيا فى ليبيا، إلا أن ذلك لم يتحقق.
ومن المتوقع أن تعمل تركيا على تصعيد الأمور من أجل السيطرة على سرت، لكنّ هذا لا يمنع أن تلعب الوساطات الدولية دورا فى تسوية النزاع بشكل سلمى.