البوابة نيوز
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
عبد الرحيم علي
رئيس التحرير التنفيذي
داليا عبد الرحيم

سندك عملك.. ووقتك عملتك


لا يأمن الإنسان من تقلب الدهر وحوادثه، لذلك يحرص الكثيرون على تأمين أنفسهم بما يتراءى لكل شخص..فالبعض يؤمن نفسه بالمال وما يقتنيه من أرصدة أو عقارات وخلافه، والبعض يعتقد أن الأبناء هم الأمان والسند والونيس والجليس وقت الكبر..ولكن ماذا عمن لا يمتلك إلا قوت يومه?!.وماذا عمن لم يتزوجوا أو يرزقوا بالذرية?!..أو من يعانون جحود الأبناء، لقسوة في القلوب، أو لظروف رغما عنهم?!..فكما يقول الله تعالى في سورة الكهف:(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)..وهو ما يدركه من يفطنون لحقيقة الدنيا، الذين يؤمّنون أنفسهم بالعمل الصالح، ويدركون أنه لا عاصم من حوادث الدهر إلا الله الذى ينجينا بفضله..لذلك يتاجرون مع الله بالعمل الصالح، يقينا بما جاء في الحديث الشريف:"البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان"..فحينما يمد الإنسان يداه بالخير لخلق الله، ويعتاد العطاء من ماله وجهده وصبره وصحته، فلا شك أنه يكافأ في الدنيا والآخرة..ويظن البعض أن حوادث الدهر جزاءا للعمل، رغم أنها كثيرا ما تكون إبتلاءات يختبر الله بها صبر عباده، أو يختبر بها من يحيطونهم..وهنا يأتى دورنا جميعا في التكافل، ودور الدولة في تنظيم الحقوق والواجبات، لمحاولة تحقيق العدل والضمان والأمان لكل البشر..وقد إبتكرت بعض الدول طرقا غيرنمطية للتكافل والضمان الاجتماعي، لا تعتمد فقط على المعاش والرعاية الصحية، بل تمتد للرعاية الاجتماعية التطوعية!..فقد أنشأوا ما يسمى "بنك الوقت"!.. لتبادل أو مقايضة الخدمات الاجتماعية بدلا من تبادل الأموال والمدخرات..فيتبرعون ببعضا من وقتهم لتقديم خدمات لغير القادرين، 
على أن تُحتسب لهم رصيدا يستفيدون منه في المستقبل، أي خدمة مقابل خدمة..فيفتح كل راغب في الاشتراك حساب زمن، يحسب فيه الوقت الذي يقضيه في الخدمة الاجتماعية أو الصحية..وبالإضافة لذلك يمكن للمتطوع أن يرافق المحتاج للتسوق أو المشي أو يساعده في تنظيف منزله أو غير ذلك من احتياجات..وقد نشأ أول بنك وقت في العالم في اليابان عام 1973 على يد السيدة تيروكو ميزوشيما، معتمدا على أن المشاركين فيه يستطيعون كسب اعتمادات وقت يمكنهم صرفها متى شاءوا..بحيث تكون الساعة التى تعطى كخدمة، يمكن إستعادتها كساعة خدمة مقابلة عند اللزوم..وهذه الفكرة تطبق الآن في العديد من المناطق الأوروبية والأمريكية..وجدير بالذكر أن النائبة/مايسة عطوة(وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب)، قد تقدمت للمجلس المنصرم في يناير الماضي، بمقترح لتطبيق بنك الوقت، لزيادة الاهتمام بكبار السن وتحسين الروابط المجتمعية..على أن يكون المتطوعون من المتقاعدين، ممن هم في صحة جيدة ويرغبون بمنح جزء من وقتهم لغيرهم ممن تقدمت بهم السن وبحاجة إلى رعاية خاصة، بحيث تُدّخر لهم ساعات الخدمة في حساب شخصي افتراضي، يمكنهم الاستفادة منها في وقت يكونون فيه هم أنفسهم بحاجة إلى هذه الرعاية..وهو ما يزيد ترابط المجتمع، وفى نفس الوقت يقلل فاتورة الدعم الاجتماعي..وخاصة في ظل زيادة عدد كبار السن الذين لا يجدون من يرعاهم وسط إهمال الأبناء..وأتمنى أن نتوسع في هذا المقترح، ولا يقتصر فقط على المتقاعدين، بل يشمل كل من يرغب في تقديم الخدمة..وكذلك نتوسع في الخدمات المقدمة، بحيث لا تقتصر على رعاية كبار السن فقط، بل تمتد لرعاية المرضى والأيتام والمعاقين، والخدمات التعليمية أيضا..كما أتمنى تطبيق ذلك على بنوك الدم أيضا، بحيث يُمنح المتبرع وثيقة يدون فيها تاريخ ومرات التبرع، فتصبح ضمانا له ولأسرته في حالة إحتياجهم للدم، وتكون بمثابة تأمين للمتبرع..فيزيد التكافل بين المواطنين، ونمنع الإستغلال والتجارة في الدم، ويكون لدى الجهات المعنية قاعدة بيانات للمتبرعين وفصيلة دمائهم في حالة الإحتياج عند المصائب..فقد شاهدنا في بعض الأحيان مناشدات ونداءات لأصحاب فصيلة دم معينة للتبرع، ويكون المصاب عرضة للموت، ويدخل أهله في دائرة البحث في المستشفيات العامة والخاصة، وإستجداء الأصدقاء والمعارف، وهم يصارعون الوقت، لتوفير الكمية المطلوبة من الدم لإنقاذ المريض..فأتمنى دراسة هذا المقترح أيضا، وتطبيقه مع بنك الوقت، وربما يصبح حلا لمشكلات كثيرين، إلى جانب ما يمكن أن يحدثه من صحوة إنسانية، تجعلنا ندرك أن الإدخار ليس مرتبطا بالمال وما يشتريه فقط، بل يمكن أن يكون للوقت والدم والجهد، فيصبح السند هو العمل والوقت هو العملة، ونسعى إلى إدخارهما..فنطبق عمليا ما قيل في الأثر:"الجزاء من جنس العمل"، و"زرع يومك حصاد غدك"..ونطبق أيضا:"كلٌ يحصد ما يزرع، ويُجزى بما يصنع".